" احنا ناس الباطل بتاعهم لازم يكون قانوني .. "، عبارة وردت ضمن حوار فيلم "طيور الظلام" الذي عرض في التسعينيات من القرن الماضي وهي عبارة تذكرها الكثيرون فور الإعلان عن بيان النائب العام الذي يدعو فيه المواطنين للقبض على آخرين معللا ذلك بانه تم النص عليه في مادة قانونية في عهود سابقة، ومبررا أنه مجرد تذكير للناس بحقوقهم، وقد أدى ذلك إلى أن يغتنم البعض الفرصة لإلقاء القبض على نشطاء، كما أعلن آخرون استعدادهم ملئ الفراغ في حالة غياب الشرطة، بتشكيل ما سموه "لجان شعبية"، وهي بداية لتشكيل "ميليشيات". العبارة لخصت الوضع الحالي بمنتهى الدقة، فما نعيشه منذ استفتاء مارس 2011، هو بالفعل محاولة لتقنين الباطل بشكل مباشر وعلني يزيد من حالة الرفض تجاه السلطة التنفيذية، التي أعلنت عن طعنها على حكم المحكمة الإدارية وبدأ مجلس الشورى في إعداد قانون إنتخابات جديد بدلا من الذي تم رفضه من قبل المحكمة الدستورية العليا، مما يعتبره القانونيون تحايلا يفرغ عمل الدستورية من محتواه. وإذا كانت عبارة " تقنين الباطل " تصف بدقة الموقف الذي نعيشه اليوم بالتحديد، فقد لخص " طيور الظلام" في مجمله الوضع المصري بحبكة درامية رائعة، حللت ما يحدث حاليا علي الساحة السياسية وشرحته بشكل بسيط يفهمه العامة، ففتحي نوفل أو عادل إمام، جسد الحزب الحاكم في التسعينيات، وعلي الزناتي أو رياض الخولي جسد التيار الإسلامي المضطهد في ذلك الوقت، ومحسن أو أحمد راتب، لعب دور الشعب الثائر الناقم على الواقع المرير. في بداية الفيلم نشاهد هذا الحوار بين الحزب الحاكم والتيار الإسلامي يوضح الفرق بين الثورة والمصلحة : " اسمع يا فتحي إذا جاتلك الفرصة اللي تعملك قيمة ومركز أوعى تقولها لأ.. يعني المسألة، مصلحة، مصلحتك فين.. أنا أحب الصراحة أوي أوي يا علي، فرصتك ملهاش مستقبل يا علي : حتاخد فلوس، آه .. حتاخد شهرة، آه.. لكن أوعى تنسى إنك حتكون ضد الدولة .. وليه متقولش من الثائرين ؟ ههههههه...ثائرين إيه يا علي إحنا حنهزر..ما انت لسة قايلي بعضمة لسانك إن المسألة مصالح ..". كاتب الحوار هو الرائع وحيد حامد، وقد تطرق في " طيور الظلام" للصفقات والتحالفات وإراقة الدماء والجهاد، كما تطرق للفساد، خاصة في موسم الإنتخابات، فعندما يطمح "فتحي" في مساعدة "على"، يقول له : " رشدي الخيال مترشح في الدايرة بتاعتنا واحنا عايزين مساعدتكو..عايزين أصوات الأخوة بتعكو..لرشدي الخيال، بس ده رجل فاسد! .. وانتو عايزين إيه غير راجل فاسد، دا انتو موجودين بالفساد، ده الفساد هو حجتكو الأساسية .."، وهذا بالفعل ما نراه اليوم، وكأن الحوار تمت كتابته في 2013 وليست في التسعينيات. الحوار الأخير بين البطلين، جاء ليوضح الكثير : " انتو جماعة مش عارفة تبقى حزب واحنا حزب مش عارف يبقى جماعة، والاتنين ضد بعض، أنا وانت خصمين في قضية واحدة .. كن عاقلا يا أخي، القضايا لا تخص المحامين ولا حتى القضاه، إنما تخص أصحابها ولكننا أصحاب مهنة واحدة.. دي مش أي قضية يا علي، دي قضية بلد .. أنا بعتبرها قضية نزاع على ملكية، لا تخطئ في ظنك، لكني أقصد أننا سنكسب القضية في النهاية.. عشم إبليس في الجنة ..طيب، فليبقى الحال بيننا على ما هو عليه، خصوم في قضية وأصدقاء في الواقع .. بلاش نضحك على بعض يا علي، مفيش صداقة أبدا مع خصوم، اتنين ديابة لا يمكن يعيشو مع بعض في قفص واحد، يقطعو بعض..". لقد إنتهي "طيور الظلام" بسجن البطلين، فالإثنان فضلا مصلحتهما على مصلحة الوطن والشعب .. والصراع ضد الباطل مستمر واليقين كل اليقين أن الباطل سيسقط في النهاية.. مهما حاولوا تقنينه أو دسترته .. الصدام وشيك ضد باطل سيصارع للبقاء.. فاللهم افرغ علينا صبرا. [email protected]