منذ أيام قليلة, مرت ذكري الاحتلال الأمريكي للعراق, ودخل السنة العاشرة في أجواء ثورة عراقية أو ربيع عربي آخر كما يحلو للبعض تسميته, أيام هذه الثورة والاعتصام ستشكل منعطفا آخر في سياسة البلد واقتصاده. هذه الثورة التي يعلق البعض علي إحداثها وينظرون إليها بأنها مرحلة جديدة من العنف وسفك الدماء, تطرح تساؤلات مهمة, أبرزها: ماذا تحقق في العراق؟ وكيف أصبح وبأي اتجاه يسير؟ وما مستقبله؟ وتأتي الإجابة محددة وملخصة لما آلت اليه الاوضاع في دولة الرافدين بأن العراق اصبح يتصدر قائمة الدول الفاشلة التي ينخرها الفساد وينهب ثروتها اللصوص الذين يستظلون بمراكز قوي داخل النظام ويتمتعون بتربيطات خارجه. ففي الوقت الذي تتفاقم فيه النزاعات بين السنة والشيعة من ناحية, تتسع هوة الخلاف والشقاق بين المنطقة الكردية والحكومة المركزية لدرجة لم يعد رئيس الحكومة نوري المالكي مرغوبا به لا من داخل حكومته ولا من شعبه, نتيجة فشله في إدارة البلاد, فهل من المعقول ان بلدا غنيا مثل العراق بالنفط والطاقة مازال يعاني من انقطاع في الكهرباء وتلوث في المياه؟ ومازال يعاني من اتساع رقعة الفقر وتدني مستويات المعيشة وانتشار البطالة وتزايد حالة الانفلات الأمني, ومما يزيد الطين بلة أن العراق أصبح إحدي ادوات ايران في المنطقة, فصحيح ان الاحتلال انهي مبكرا قبل ثورات الربيع العربي علي واحد من الدكتاتوريات المقيتة في نظم الحكم العربية, بما يجعل من هذا اليوم عيدا للشعب العراقي, إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذا اليوم لم يكن عيدا, بل أصبح كارثيا مقارنة بالأوضاع التي سبقته, فإلي جانب التداعيات السلبية علي الدولة العراقية التي شهدت تفككا لكل اجهزتها ومؤسساتها وعلي رأسها المؤسسة العسكرية بسبب اعتقاد الإدارة الامريكية تحت حكم الجمهوريين آنذاك أن اعادة بناء العراق تتطلب هدم مؤسساته وتفكيك أواصرها أملا في بناء مؤسسات جديدة, إلا أن الواقع العملي وإن أكد خطأ هذه الرؤية, فقد كشف عن خطيئة ارتكبتها الادارة الامريكية تحت حكم الديمقراطيين, فلم يصحح قرار الانسحاب الامريكي من العراق الأخطاء التي وقعت فيها الادارة الامريكية السابقة, ولم يواكب الانسحاب عملية تصحيح أداء الحكم الجديد في العراق ولا تقديم مساعدة حقيقية لدفع العملية الديمقراطية بصورة تضمن استقلالية القرار العراقي بعيدا عن املاءات الخارج وضغوط الداخل سعيا لرأب الصدع الذي اصاب المجتمع وكاد ينهي كيان الدولة ووجودها, وهو ما أوقع البلد فريسة سهلة امام ايران التي سعت جاهدة الي تحويل العراق لمنطقة نفوذ ايرانية تستطيع توظيفها بما يتفق ومصالحها الإقليمية كما حدث في أثناء الأزمة البحرينية في فبراير ومارس2011, فقد كان للعراق دور بارز في مساندة الموقف الإيراني من أحداث الأزمة والذي مثل قوة دعم حقيقية لطرف المعارضة في الازمة آنذاك. ويتأكد ذلك اليوم اذا ما نظرنا الي الموقف العراقي من الازمة السورية, ففي الوقت الذي يقتل فيه بشار الاسد شعبه بالأسلحة الثقيلة التي لم يستطع ان يوجهها صوب إسرائيل, نجد ان رئيس الوزراء العراقي يدافع عن سياسة الاسد ونهجه في الحفاظ علي كرسي الحكم, وإذا كان ذلك متفهما من وجهة النظر العراقية بشأن من سيخلف الأسد, وخاصة مع صعوبة التكهن بذلك وإن كانت المصادر المرجحة تفتح الطريق امام الصعود الاسلامي بصفة عامة والإخواني علي وجه الخصوص كما حدث في مصر وتونس بما يجعل تخوف الحكومة العراقية في محله في ظل تاريخ العداء الطويل بين البلدين من جانب وبين الطائفتين اللتين يتصدران المشهد من ناحية أخري, إلا أنه من غير المتفهم لدي العراقيين الذين عانوا من بطش صدام وجبروته أن يكون هذا موقفهم المتخاذل إلا في حالتين مترابطتين: الأولي, غلبة الانتماء الطائفي والمذهبي علي الانتماء القومي العربي فمساندتهم لبشار رغم اختلاف الطائفة تنبع من اتفاقهم المذهبي, حيث ينتمي الطرفان الي المذهب الشيعي. أما الامر الثاني, فيرجع إلي تزايد النفوذ الايراني وسيطرته علي القرار العراقي. وفي كلتا الحالتين, يمكن قراءة الموقف العراقي من الازمات التي تعيشها الامة العربية اليوم وعلي رأسها الازمة السورية ومن قبلها الاوضاع في البحرين في ضوء خروج الحكومة العراقية من المنظومة العربية من ناحية الفعل وإن احتفظت بالانتماء العربي شعارا يرفع عند اللزوم, وحضورا يذر الرماد في العيون.