اللجنة التشريعية: تعديلات قانون الشيوخ متسقة مع الأسس الدستورية والقانونية    رئيس الوزراء يوجه بضرورة سرعة الانتهاء من رفع كفاءة محطة تنقية مياه الشيخ زايد    بأسعار تنافسية.. ضخ كميات من اللحوم بمجمعات الإسكندرية استعدادا لعيد الأضحى.. شمبرى سودانى ب285 جنيها.. لحوم جاموسى ب335 جنيها.. والضانى من 330 ل390 للكيلو.. والتموين: حملات تفتيشية على ثلاجات حفظ اللحوم    مشوار بيراميدز في دوري أبطال أفريقيا قبل مواجهة صن داونز اليوم بالنهائى    والد أحد ضحايا حادث انفجار غاز أكتوبر: لن أتصالح مع المتهمين    جهود قطاع الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل تطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان استعدادا لبدء التطبيق الفعلي للمنظومة في المحافظة 1 يوليو المقبل    رئيس مجلس الوزراء: الدولة المصرية أولت اهتماماً بالغاً بدعم هيئة الإسعاف المصرية    وسائل إعلام إسرائيلية: قائد المنطقة الجنوبية يعتزم إدخال آلاف الجنود لقطاع غزة ورفع كثافة النيران وتسريع وتيرة هدم المنازل    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتسيطر على بلدتين    المتحدث العسكري: الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن بعد انتهاء زيارته الرسمية لدولة فرنسا    مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب    وزير الداخلية اللبناني: الدولة لن تستكين إلا بتحرير كل جزء من أراضيها    احتفاء بتاريخ عريق.. رئيس الوزراء في جولة بين عربات الإسعاف القديمة    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي والمصري في الجولة الثامنة للدوري    13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    لحظة أيقونية لمؤمن واحتفالات جنونية.. لقطات من تتويج بالأهلي ببطولة أفريقيا لليد (صور وفيديو)    صراع ثنائي.. سيلز ورايا يتنافسان على جائزة القفاز الذهبي في الدوري الإنجليزي    نائبة: تعديلات قانون الانتخابات تضمن عدالة التمثيل وفق بيانات 2025    رئيس الوزراء يشارك في الاحتفال بمرور 123 عامًا على إطلاق خدمة الإسعاف    موجة شديدة الحرارة.. تحذيرات من الطقس خلال ال 72 ساعة المقبلة    بعثة حج القرعة المصرية: وصول 6720 حاجًا إلى المدينة المنورة وتقديم كافة التسهيلات    إصابة شخصين في مشاجرة بين عائلتين بسبب خلافات الجيرة في الفيوم    منى زكي تعود بشعر «كاريه» يثير إعجاب الجمهور    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    ارتفاع الرقم القياسي للصناعات التحويلية 3.9% خلال مارس 2025    قانون تنظيم الحج: فرض عقوبات مشددة لحماية الحجاج وتنظيم الرحلات    جامعة سوهاج: اعتماد 250 مليون جنيه لفرش وتجهيز مستشفى شفا الأطفال    5 روتينات صباحية لصحة الغدة الدرقية بشكل طبيعي    محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية    تنويه للمسافرين.. تأخيرات في مواعيد القطارات تصل ل 90 دقيقة    وزير الري يوجه بتطهير مصرف البلبيسي بالقليوبية    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    صدقي صخر عن فيلم "ولا عزاء للسيدات": "جريء ومختلف"    فركش فيلم "روكي الغلابة" ل دنيا سمير غانم وعرضه بالسينمات بموسم الصيف.. صور    ماجد سامي: زيزو فقد لقب أسطورة الزمالك.. وإمام عاشور لا يُشبه الأهلي    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة    خلاف على «انستجرام» بين مراهقات يتحول إلى عنف خارج أسوار المدرسة    وزيرة البيئة: نسعى لاتفاق عالمي عادل لمواجهة التلوث البلاستيكي يراعي خصوصية الدول النامية    توفير فرص عمل بالأردن برواتب تصل إلى 290 دينارا شهريا    10 شهداء في قصف الاحتلال مدينتي جنوب قطاع غزة    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز بذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم 24-5-2025 (موقع رسمي)    أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي    ضبط عاطل بتهمة الاعتداء على طفل جنسيا في الحوامدية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    تامر حسني يدعم كزبرة بعد أول حفل يجمعهما: «كمل يا وحش.. أخوك في ضهرك»    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    اليونيسف: إنشاء كيانات جديدة لإغاثة غزة إهدار للموارد والوقت    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر و الحرب الباردة في أفريقيا
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 03 - 2013

لا شك أن غياب التوافق السياسي عن المشهد السياسي في مصر بعد الثورة قد أثر سلبا علي أداء الدبلوماسية المصرية في تعاملاتها مع المخاطر والتحديات الخارجية.
كما أن الرؤية الاستراتيجية لدي الطبقة السياسية الجديدة الحاكمة وعدم قدرتها علي تبني أدوات غير تقليدية لمواجهة المهددات الخارجية للأمن القومي المصري قد ترتب عليها عدم فاعلية الدور المصري أو حتي غيابه عن محيطه الاستراتيحي.
بالنظر إلي إقليم الساحل وشمال أفريقيا الذي يمثل أهمية جيواستراتيجية كبري بالنسبة لصانع القرار المصري نجد أنه يشهد ترتيبات أمنية وعسكرية غربية جديدة بحجة محاربة الإرهاب والتخلص من نفوذ الجماعات الإسلامية الموالية لتنظيم القاعدة في شمال مالي. إنها حرب غربية جديدة في ساحل الصحراء الأفريقية التي تعد واحدة من أشد المناطق فقرا في العالم, حيث تتردي فيها مستويات المعيشة بدرجة كبيرة ويحتاج نحو ثمانية ملايين من سكانها إلي مساعدات إنسانية طارئة. وبغض النظر عن الحملات الاعلامية الغربية التي تروج للتدخل العسكري في شمال مالي وتبالغ في قوة وخطورة تنظيم القاعدة في نسخته الأفريقية فإن التكالب الأوروبي والغربي عموما علي شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء له مببراته الأخري المسكوت عنها غالبا. فهل يعقل تصديق كلام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمام مجلس العموم بأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والجماعات الموالية له يشكل تهديدا مباشرا لأمن بريطانيا العظمي ؟. إذ كيف يتأتي لمجموعة من المقاتلين الإسلاميين لايتجاوز عددهم الألفين ويبعدون آلاف الكيلومترات في صحراء أفريقيا الشاسعة أن تمثل خطرا داهما علي الأمن الأوروبي.! ولا يخفي أن الجماعات الجهادية مثل أنصار الدين في مالي أو بوكوحرام في نيحيريا هي نتاج أوضاع محلية وإقليمية محددة ومن ثم فإنها تحمل أجندات غير موجهة للغرب بالأساس. كما أن قيام هذه الجماعات باختطاف رهائن غربيين لا ينطلق من دوافع سياسية أو أيديولوجية وإنما تحركه رغبات جنائية تتمثل في الحصول علي الأموال من أجل توفير الدعم المالي اللازم لأنشطة هؤلاء المقاتلين. وعليه يصبح إعلان الإدارة الأمريكية عن اعتبار بوكوحرام تنظيما دوليا إرهابيا محل تساؤل واستغراب لأنه يخلط الأوراق و يغطي علي الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية في أفريقيا.
بعيدا عن شعار الحرب علي الإرهاب الذي رفعته الإدارة الأمريكية في أعقاب أحداث11 سبتمبر والذي يمثل قناعا تستتر حوله السياسة الخارجية الأمريكية في الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية في أفريقيا فإننا إزاء حرب باردة جديدة تدور رحاها في القارة الأفريقية. إن الهدف الحقيقي للتكالب الأمريكي والأوروبي علي منطقة الساحل والصحراء والذي يسبق الحرب في مالي إنما يتمثل في استخدام وسائل عسكرية للحفاظ علي الفضاء الاستراتيجي الغربي في مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في أفريقيا.. و يمكن في هذا السياق رؤية وفهم القرار الأمريكي في22 فبراير2013 بإرسال نحو مائة عسكري أمريكي إلي النيجر من أجل إنشاء قاعدة تجسس خاصة بالطائرات بدون طيار. و ثمة تقارير أخري تفيد بعزم إدارة أوباما إنشاء قاعدة أخري في جنوب ليبيا الذي تضعف فيه هيمنة حكومة طرابلس. معني ذلك أن قاعدة جيبوتي في شرق أفريقيا والنيجر في الساحل والصحراء تضمن للولايات المتحدة الهيمنة العسكرية علي إقليمي شرق وغرب أفريقيا بالإضافة إلي الشمال الأفريقي الذي يكتسب أهمية محورية نظرا لارتباطه بأزمة الصراع العربي الإسرائيلي.
من جهة أخري نلاحظ أن فرنسا التي حاولت عام1957 إنشاء منظمة للتعاون خاصة بدول الساحل الأفريقي قد وقفت ودعمت انتفاضات الطوارق أكثر من مرة بعد الاستقلال, كما أن قواتها الموجودة في ساحل العاج والجابون وبوركينا فاسو تدخلت لتثبيت بعض الحكام الأفارقة أو خلع بعضهم الآخروفقا لمفهوم المصلحة الوطنية الفرنسية. ولا يخفي أن الاتحاد الأوروبي الذي يدعم الحملة العسكرية في مالي يتدخل في إقليم الساحل الكبير وفقا لمشروعه الخاص الذي يستهدف بناء القدرات العسكرية والأمنية لهذه الدول الأفريقية من أجل محاربة الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر والمخدرات. وأيا كان الأمر فإننا أمام مشروع استعماري غربي جديد في أفريقيا وإن رفع دعاوي التحرير ومحاربة الإرهاب, إنه يسعي لتحقيق هدفين رئيسيين أولهما: الوصول إلي مصادر الثروات الطبيعية التي يزخر بها إقليم الساحل والصحراء( مثل الدهب واليورانيوم والنفط والمياه وما شاكل ذلك). إذ لا يخفي أن الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بأوروبا ودفعت ببعض بلدانها إلي انتهاج سياسات تقشف قاسية جعلها تولي ناظريها إلي الفضاء الأفريقي الذي يمثل دائما- كسالف عهده أثناء فترة الاستعمار الأولي- الملجأ والملاذ للأوروبيين.
أما الهدف الثاني: فإنه يتمثل في مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في القارة الأفريقية, حيث تسعي الصين إلي اكتساب قلوب وعقول الأفارقة من خلال الدخول في مشروعات البنية الأساسية التنموية مثل ملاعب كرة القدم والطرق والجسور. وعليه تسعي الولايات المتحدة وأوروبا إلي قطع الطريق أمام الصين وغيرها من القوي الاقتصادية الصاعدة في النظام الدولي الجديد مثل روسيا والهند والبرازيل من خلال استخدام أدوات عسكرية للتعامل مع ظروف الحرب الباردة الجديدة في الواقع الأفريقي المعاصر.
وإذا استعرنا مقولة الممثل المسرحي الرائع محمد صبحي انتهي الدرس يا غبي ا لوجدنا أن الغرب يتبني نفس المقدمات الخاطئة في التعامل مع صراعات الساحل والصحراء الأفريقية وهو ما ينذر بنتائج كارثية. إن خبرة التدخل الدولي في العراق وأفغانستان لا تزال ماثلة في الأذهان, فعلي الرغم من الحروب التي خاضتها أكبر جيوش العالم في تضاريس أفغانستان فإنه من المتوقع عودة طالبان إلي سدة الحكم مرة أخري في عقب انسحاب القوات الدولية وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. بل الأكثر من ذلك فقد انتشرت الأيديولوجية الإسلامية الراديكالية في مناطق كثيرة من العالم وهو ما أدي إلي عدم الاستقرار في القرن الأفريقي شرقا وفي ساحل الصحراء غربا. وربما تتم إعادة انتاج النموذج الأفغاني مرة أخري في حالة الحرب علي مالي, حيث إن الطبيعة الجغرافية القاسية وعدم قدرة القوات الغربية وحتي الأفريقية علي التعامل مع معطيات الصحراء القاسية من ناحية وقدرة المقاتلين الإسلاميين علي خوض حروب طويلة وفقا لتكتيك حرب العصابات من ناحية ثانية, ينذر ذلك كله بنتائج كارثية في المنطقة. إذن ما العمل مصريا وعربيا وأفريقيا ؟ كما نبهنا من قبل في هذا المكان فإن الصراعات التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي هي نتيجة اختلالات إقليمية وصراعات قبلية تاريخية وفشل الدولة الوطنية. وهو ما يعني أن مسألة التطرف الإسلامي تعد أحد أعراض الصراع وليس المسبب الرئيسي له. وعليه فإن التدخل العسكري والركون إلي الحلول العسكرية لن يجدي في هذه الحالة, كما أن مسألة عودة الاحتلال العسكري الغربي لم تعد مقبولة في النظام الدولي الراهن. نحن في حاجة إلي قيادة واعية تقود الجهود العربية والأفريقية لإيجاد حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية بعيدا عن المشاريع الغربية المفروضة والمستوردة من الخارج. إننا بحاجة إلي بناء منظومة سياسية تلبي احتياجات الإنسان أولا في دول الساحل والصحراء وفقا لأسس العدالة والمساواة وبعيدا عن سياسات الهيمنة التي تفرضها دول الشمال المتقدمة.
إن مصر بحاجة إلي عودة الوعي بالذات التاريخية والحضارية كي تدافع عن مصالحها الاستراتيجية في جوارها الأفريقي والعربي. فهل يعقل أن يتكرر نفس سيناريو الحرب الباردة الأولي وتدفع شعوب المنطقة ومن بينها مصر ثمن صراع القوي الكبري و لعبة الأمم علي اقتسام النفوذ والثروات في أفريقيا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.