تشهد الساحة الغينية الآن سلسلة من الأحداث الدامية لم تشهد مثيلا لها منذالانقلاب العسكري الذي وقع بها عام2008, حيث تدور الآن مواجهات مستعرة بين قوات الأمن والمتظاهرين المطالبين بأن تتسم الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في ال12 من مايو المقبل بالشفافيةوالمنددين بما اعتبروه حملة عقابية تشنها الشرطة منذ ال27 من فبراير الماضي والتي تهدف إلي تعريض حياة وممتلكات العديد من المواطنين للخطر و جرمهم الأوحد هو التجاوب مع دعوات التظاهر والنداءات الرامية إليتحقيق الشفافية والنزاهة خلال عملية الانتخابات التشريعية كغيرهم من الشعوب. وقد وصلت المواجهات وأعمال العنف إلي ذروتها كوناكري عقب مقتل3 أشخاص وإصابة أكثر من130 آخرين بينهم أطفال ونساء ثم خسائر مادية جسيمة وأضرار فادحة لحقت بسيارات شرطة فضلا عن تدمير مقرات حكومية أهلية في الوقت ذاته. وعلي الرغم من أن الحكومة الغينية بدأت مؤخرا محاولات تدعمها الأممالمتحدة لجعلها أكثر مهنية في التعامل مع المتظاهرين بعيدا عن أجواء الصدام المباشر وللتقليل من حجم الخسائر بين الجانبين إلا أن قوات الأمن الغينية المعروفة بسوء انضباطها تاريخيا فضلا عما تتسم به من عمليات قمع وحشي للاحتجاجات والتظاهرات جعل صفاتها القديمة والمزرية أكثر التصاقابها وتجذرا في كيانها وأسلوب أداء أفرادها وأبعدها عن الحرفية المطلوبة. وتحدث شهود ومصدر طبي عن عشرات من المصابين بينهم جريح لفظ انفاسة الأخيرة داخل إحدي المستشفيات, كما توفي طالب وشرطي في اليوم نفسه, وحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس, فقد وصلت أعداد الجرحي إلي أكثر من مائتي شخص. ومن جانبها, أعلنت الحكومة الغينية مقتل3 أشخاص في العاصمة كوناكري خلال صدامات مباشرة بين مدنيين وعناصر من قوات الأمن والتي أدت أيضا إلي تدمير ممتلكات وأسفرت عن اعتقال62 شخصا, مؤكدة أنها كشف ملابسات هذه الحوادث التي لم تؤد سوي إلي تدمير ممتلكات عامة وخاصة بل كلفت3 مواطنين, مدنيين وشرطي, حياتهم. وتعد معظم الاشتباكات ناجمة بين متظاهرين من رماة الأحجار وقوات الأمن التي استخدم الغاز المسيل للدموع والهراوات رغم أن شهودا قالوا إن الشرطة أطلقت أيضا النار في محاولة لتفريق المحتجين. ومن جانبه, قال دامانتنج كامارا, المتحدث باسم الحكومةسمعنا عن إصابة العشرات بالرصاص الحي وأننا نحقق الآن من أين جاءت هذه الطلقات. وفي رد فعل فوري, دعا الرئيس الغيني ألفا كوندي المواطنين من مختلفا لتيارات إلي تجنب الاستفزاز والبعد عن عمليات الانتقام الشخصية, مطالباجميع الأطراف بالهدوء وضبط النفس حرصا علي مقدرات البلاد, كما ألقي كلمةعبر التلفزيون الحكومي أكد خلالها علي دعوة الجميع, الحكماء ورجال الدين وقوات حفظ النظام وأعضاء مجالس البلديات وقادة الأحزاب السياسيةوالمواطنين كافة, إلي الهدوء والحوار الوطني. ومن جانبها, أعربت فرنسا عن إستنكارها لأعمال العنف التي جرت في هذاالبلد الإفريقي الواقع غربي القارة السمراء خلال مسيرة نظمتها المعارضةبشأن انتخابات تشريعية تتخوف من تزويرها مسبقا, داعية كل الأطرافالسياسية إلي المشاركة في حوار سياسي. و قال المتحدث الرسمي باسمالخارجية الفرنسية فيليب لاليو إن بلاده تستنكر أعمال العنف التي عرفتها العاصمة الغينية كوناكري خلال مظاهرة نظمتها المعارضة للمطالبة بالشفافيةفي الانتخابات البرلمانية المقررة في ال12 مايو المقبل, داعيا جميع الفاعلين السياسيين في غينيا إلي ممارسة ضبط النفس والدخول بدون تأخيروبحسن نية في عملية الحوار السياسي, كما شدد علي أن الحوار يعد الطريق الوحيد لاستعادة الثقة اللازمة ولإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في البلاد. وعلي صعيد متصل, أعرب أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون عن قلقه إزاءالتقارير التي تحدثت عن اندلاع اشتباكات عنيفة ومستمرة في كوناكري بغينيا, داعيا جميع الأطراف إلي الامتناع عن أي أعمال قد تقوض العمليةالديمقراطية والسلمية في البلاد. كما دعا مون جميع الجهات الفاعلة الي مواصلة طريق الحوار من أجل معالجة المسائل المعلقة الخاصة بالعمليةالانتخابية, وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات تشريعية في أجواء من الديمقراطية والهدوء. وتهدف الانتخابات التشريعية التي طال تأجيلها والتي كان مقررا مبدئيا إجراؤها في مايو المقبل إلي استكمال عملية الانتقال إلي الحكم المدني بعد انقلاب عسكري وقع في2008 والتي قد تفتح الطريق أمام حصول غينيا علي مساعدات أوروبية يبلغ حجمها مئات الملايين من الدولارات. وعلي الرغم من أن الاستعدادات للانتخابات يبدو آنها قد تعرقلت بسبب ادعاءات المعارضة بأن الحكومة تسعي لتزوير النتيجة سلفا مما أدي إلي هذا المأزق السياسي واندلاع احتجاجات متفرقة في أنحاء شوارع العاصمة والتي تحولت في أغلب الأحوال إلي أعمال عنف إلا أن الأخطر في الأمر هو أن الحياة السياسية في غينيا مرسومة بشكل أساسي وفقا لخطوط عرقية, حيث يؤيد ائتلاف المعارضة بشكل كبير أفراد أكبر مجموعة عرقية في كوناكري والمعروفة باسم بيول في حين تؤيد جماعة مالينك العرقية الحكومة وهو ما يعني ببساطة أنه في حالة تزايد أعمال العنف بين الطرفين قد تصل الأمور إلي حرب