رغم نجاح بعض الأعمال الدرامية الدينية والتاريخية في ترك علامات مميزة لدي المشاهد وساعدت في التعريف بسير بعض الشخصيات الدينية والمواقف والأحداث التاريخية المتصلة بالدعوة للإسلام أو انتشاره أو غزواته. إلا أن المسلسل الديني بدأ يختفي ويتلاشي وبات أقرب إلي الانقراض. واعتاد التليفزيون المصري في الماضي تقديم مسلسلات دينية خاصة خلال شهر رمضان الكريم بشكل جذب المشاهدين لكن مع دخول منافسين جدد مثل الدراما السورية بدأت الدراما الدينية المصرية تفقد عرشها, والمأساة أنه لم يعد يهتم أحد من المنتجين بهذا النوع من الدراما رغم اتساع سوقها علي امتداد العالم الإسلامي, وانسحبت مصر من الساحة العربية والإسلامية ليصول ويجول فيها الأتراك والإيرانيون. الفنان محمد رياض الذي قدم العديد من الأعمال الدينية التاريخية منها' الإمام الغزالي' و'ابن حزم' و'عصر الائمة' و'عمر بن عبدالعزيز' يقول: إن الدراما الدينية مكلفة جدا ويجب علي الدولة أن تتحمل مثل هذه الأعمال كما أنها تحتاج أيضا إلي تسويق فالكثير من المنتجين يخافون من المغامرة في مثل هذه الأعمال وذلك لتكلفتها المرتفعة والخوف من عدم تحقيقها إيرادات عالية. وأشار إلي أن مسلسل' إمام الدعاة' عن الشيخ متولي الشعراوي كان من أكثر الأعمال التي تسببت في أن يتحول المسلسل الديني من شريحة الأعمال المكلفة إنتاجيا لما يتطلبه من ملابس وديكورات إلي شريحة المسلسل الفقير جدا, فهذا المسلسل تميز بالفقر الإنتاجي الشديد علي الرغم من أن هذا حقق نجاحا كبيرا, ولذلك جري تعميم نموذج المسلسل علي باقي الأعمال وازدادت الصورة في هذه النوعية فقرا علي فقر. وشدد علي ضرورة وجود آلية لتقديم هذه الأعمال بانتظام وتفعيلها لكي لا تختفي من خريطة الدراما المصرية. ويقول الفنان حسن يوسف إن عدم تسويق المسلسل الديني المصري هو السبب الرئيسي في تراجعه خلال الفترة الأخيرة لأن المسلسل التاريخي أو الديني صناعة لابد من القائمين عليها أن يوفروا ميزانية إنتاج ضخمة حتي يستطيع المسلسل المصري المنافسة بالإضافة إلي ضرورة البحث عن أبطال جدد, وتطوير الماكياج وتغيير أماكن التصوير. وأضاف: يرجع إهمال المسلسل الديني بالأساس إلي الاستسهال في التسويق بالتعامل مع أسواق ثابتة بعينها وفي الاعتماد علي عائد الإعلانات في الداخل, فالتسويق لم يكن يعني سوي البيع للمحطات التقليدية التي تتقدم للشراء ولم يخطر علي بال أحد فكرة توسيع الأسواق واستغلال منتج المسلسل الديني الذي كان نادرا في العالم ومتميزا نسبيا في مصر. ويري المخرج نبيل الجوهري أن المأساة في المسلسل الديني في مصر أنه منذ نشأته لم يواكب حتي فكرة التليفزيون ذاتها فمعظم الأعمال تعتمد علي الحوار اعتمادا يكاد يكون كليا وتتواري قيمة وأهمية الصورة إلي أدني الحدود, مشيرا إلي أن الدراما عندنا كثيرا ما تتناول عصور الجاهلية وتقسيمهم إلي كفار أشرار أغبياء شديدي القبح والدمامة, ومؤمنين أخيار أقرب للملائكة وتأتي المشاهد التي يضطر فيها المخرج إلي إظهار شخصية ممنوعة مثل الأنبياء أو آل بيت النبي أو الخلفاء الراشدين أو العشرة المبشرين بالجنة أو الصحابة لأن يستعيض عن وجودهم بوسائل بصرية أو سمعية شديدة البدائية. وقد أصبح اليوم من المستحيل علي المشاهد أيا كان مستوي ثقافته أو درجة وعيه أن يقبل علي مشاهدة أعمال مثل هذه وهو يري الشخصيات الدينية في مسلسلات اخري متجسدة أمامه بما فيها الأنبياء وهي تتفاعل مع الشخصيات الأخري كما يجب أن تكون الدراما وكما ينبغي أن تعبر الصورة. ولفت إلي أن بعض الدول سحبت البساط من الدراما المصرية بفضل جمال الصورة وإبهار الديكورات ودقة الإكسسوارات والثراء بوجه عام في مختلف مفردات الكادر السينمائي, بينما وصلت حال الصورة في المسلسل المصري الديني إلي مستوي غير مسبوق من التردي بعد أن بلغ في الثمانينات الذروة في مستوي الإنتاج والصورة وكل العناصر والمؤثرات خاصة في مسلسل محمد رسول الله. ودعا إلي التخلي عن النمطية والتعقيدات حتي يسترد المسلسل المصري الديني هيبته ومكانته وأسواقه'.