الطبيب الخاص للرئيس الراحل جمال عبدالناصر امام وزارة الصحة اهداف لا ينبغي ان تحيد عنها وهي العمل علي توحيد مستوي الخدمة الصحية في جميع المستشفيات بصرف النظر عن الجهات التي تملكها أو تديرها ومدها بجميع الوسائل الفنية والتكنولوجية اللازمة لخدمة التشخيص والعلاج, وإلزام كل مستشفي بان يكون لها هيكل طبي خاص بها متفرغ للعمل فيه. كما ينبغي ان يكون الهدف الثاني هو توحيد مستوي نظم التأمين الصحي العام الذي تقدمه الدولة لموظفي الحكومة وتلاميذ المدارس او نظم التأمين التي تقدمها شركات التأمين الطبي الخاصة علي هيئة حزم ذات مستويات مختلفة او نظم التأمين الخاصة بالشركات الاستثمارية في المستشفيات الاستثمارية الكبري, والهدف الثالث هو مد مظلة التأمين الصحي لتشمل اكبر عدد من المواطنين. في العهد الملكي كان الفقراء ومحدودو الدخل يعالجون في مستشفيات وزارةالصحة المنتشرة بالمدن الكبري ومراكز المحافظات وبعض القري, بالاضافة الي المستشفيات الجامعية بالقاهرة والاسكندرية,وكانت الطبقة العليا والمتوسطة تحصل علي العلاج بأجر في مجموعة من المستشفيات الخاصة الكبري التي اقامتها منظمات المجتمع المدني مثل الجمعية الخيرية الاسلامية والمستشفي القبطي وبعض المستشفيات التي كان الأميرات والامراء اعضاء في مجلس اداراتها مثل المبرة والمواساة, ومع ذلك كانت هذه المستشفيات تقدم نسبة من العلاج المجاني والاقتصادي للطبقات غير القادرة. وفي العهد الجمهوري بعد يوليو1952 اصبح نظام الحكم اشتراكيا وصدر قانون المؤسسة العمالية للتأمين الصحي والاجتماعي علي العمال كما صدر قانون التأمين الصحي العام, وقامت الدولة بتأميم المستشفيات الخاصة الكبري تحت مسمي المؤسسة العلاجية لمواجهة الاعداد المتزايدة من المؤمن عليهم في الحكومة والقطاع العام, وأنشأت مئات الوحدات الصحية في الريف, واستمر علاج الفقراء ومتوسطي الدخل الذين لم يشملهم التأمين الصحي في مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية التي زادت بانشاء الجامعات الإقليمية في مختلف المحافظات كما التزمت المؤسسة العلاجية بعلاج نسبة من الفقراء. وابتداء من عام1974 بعد حرب اكتوبر1973 دخلت مصر عصر الانفتاح واصبح نظام الحكم رأسماليا وانتشرت في البلاد التوكيلات والبنوك الاجنبية والشركات الخاصة التي قامت بتطبيق التأمين الصحي علي موظفيها في المستشفيات الاستثمارية الكبري5 نجوم التي اقيمت في الوقت نفسه لتقديم مستوي مرتفع من الخدمة الصحية هذا النوع من العلاج تميز بالاسراف في صرف الدواء وعمل الابحاث المعملية والاشعات والمناظير. وفي الوقت نفسه انشأ التأمين الصحي بعض المستشفيات الخاصة به مثل مستشفي مدينة نصر كما قامت وزارة الصحة بانشاء مستشفيات استثمارية خمسة نجوم مثل معهد ناصر ومستشفي الهرم, وقامت بتحديث مستشفي الهلال الاحمر, وقامت الجامعات الكبري في القاهرة وعين شمس والمنصورة بانشاء المستشفيات الاستثمارية الجامعية مثل مستشفي جامعة عين شمس التخصصي ومستشفي قصر العيني التعليمي الاستثماري( الفرنساوي) مع وجود المستشفيات الجامعية الاصلية التي هي جزء من كلية الطب. ومنذ العهد الملكي كانت بعض الشركات والهيئات الكبريت تعالج موظفيها مباشرة في مستشفيات تابعة لها مثل مستشفي قناة السويس والسكة الحديد والنقل العام والمقاولون العرب والكهرباء والطيران والبترول, بالاضافة الي مستشفيات هيئة الشرطة والقوات المسلحة وبعضها يقدم خدمة العلاج الخاص للمدنيين. ومع زيادة السكان وزيادة الطلب علي العلاج بعد حرب اكتوبر قامت وزارة الصحة بتطوير بعض مستشفياتها الكبري لتقديم العلاج بأجر اقتصاي, بالاضافة الي الاشتراك في علاج التأمين الصحي فانشأت الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية الي جانب هيئة التأمين الصحي والمؤسسة العلاجية كما انشأت سلسلة مستشفيات علاج اليوم الواحد, وقامت بتتبيع معهد ناصر ومستشفي الهرم ومستشفي الهلال الاحمر للامانة العامة للوزارة لتتبع الوزير مباشرة ليستطيع مواجهة طلبات العلاج التي تقدم بألية مباشرة من السلطة وذوي النفوذ. واصبحت المستشفيات المرتبطة بوزارة الصحة هي مستشفيات المؤسسة العلاجية والهيئة العامة للمستشفيات التعليمية وهيئة التأمين الصحي ومستشفيات اليوم الواحد والمستشفيات التابعة للأمانة العامة للوزارة, بالاضافة الي عدد كبير من المستشفيات الكبري في المدن والمراكز ومنها بعض المستشفيات المتخصصة مثل الامراض العقلية والحميات والامراض الصدرية والجلد وامراض النساء والولادة والرمد. هذا الخليط غير المتجانس من المستشفيات التي ترتبط بوزارة الصحة وتقدم خدمة التأمين الصحي الاقتصادي للمواطنين لا يمكن ان تقدم مستوي واحدا من العلاج ولا يمكن ان تكون علي درجة واحدة من الكفاءة المهنية. اما المستشفيات العامة والمتخصصة في القاهرة والمدن الكبري والمراكز والتي كانت تعالج الفقراء فقد اصبحت غير قادرة علي تقديم الخدمة الصحية الا لمن يمكنه دفع ثمن الدواء اوالمساهمة في نفقات العمليات الجراحية. وبالتالي فقد انكمش علاج الفقراء وغير المؤمن عليهم في جميع المستشفيات واصبح يقتصر علي قرارات العلاج التي تصدرها وزارة الصحة لكل من يستطيع ان يصل الي نواب مجلس الشعب او اصحاب النفوذ والسلطة, وزادت قرارات العلاج زيادة كبيرة جدا نتيجة اختفاء العلاج المجاني من مستشفيات الوزارة لتقلص ميزانية المستشفيات ومحاولة تعويض النقص لاصدار قرارات العلاج التي شابها الفساد والتربح, ولم تستطع وزارة الصحة ان ترفع مستوي العلاج في المستشفيات التابعة والمنتمية لها للنقص النسبي في ميزانيتها للعلاج بسبب تخفيض الضرائب علي الشركات والمؤسسات الاستثمارية والاغنياء بدعوي تشجيع الاستثمارات, ونتج عن ذلك تدني مستوي دعم الدولة للصحة والتعليم ويزداد الامر صعوبة عندما يتضاعف الانفاق الصحي نتيجة تقدم التكنولوجيا وظهور الوسائل المتقدمة للتشخيص والعلاج مثل الرنين المغناطيسي والتحاليل الطبية المرتفعة التكاليف والعلاج النافذ مثل الاساطر القلبية والمناظير التشخيصية والعلاجية, وكل هذا جعل الوزارة عاجزة عن تطوير وتحديث مستشفياتها, ومن جهة اخري اصبحت وزارة الصحة تواجه ثلاثة انواع من التأمين الصحي وهي التأمين الصحي العام لموظفي الحكومة والقطاع العام والطلبة. والنوع الثاني التأمين الصحي بواسطة شركات التأمين الطبي الخاصة التي تقدم العلاج علي هيئة حزمات تأمينية حسب ما تطلبه المؤسسات, والنوع الثالث هو التأمين الصحي الخاص للبنوك وشركات الاستثمار الكبري والتوكيلات الاجنبية. ينبغي العمل إذن علي توحيد مستويات التأمين الصحي وتوحيد مستوي العلاج بالمستشفيات لتصبح علي درجة واحدة من الكفاءة, وينبغي ان تشترك جميع المستشفيات في خدمة التأمين الصحي لجميع المواطنين بمستوي واحد. ولايمكن ان نفكر في مد المستشفيات بالتكنولوجيا الحديثة قبل أن نعمل علي وجود هيكل طبي لكل مستشفي وهو الأطباء المعينون في المستشفي, وهو شرط اساسي لرفع مستوي المستشفي وعمل الأبحاث الطبية وتقدم الطب بصفة عامة. فعندما تم تأميم المستشفيات الخاصة في الستينيات تحت مسمي المؤسسة العلاجية استغنت هذه المستشفيات عن الاطباء المعينين فيها وتعاقدت مع نجوم الطب من الجامعات للعمل ساعات معدودة كل اسبوع بأجر دون وجود اي ارتباط وظيفي, واصبحت هذه السياسة هي السائدة في جميع المستشفيات الحديثة التي اصبحت عقيمة لا تنتج بحوثا ولا تسهم في تقدم الطب, وتزامن هذا مع زيادة اعضاء هيئة التدريس في كلية الطب نتيجة صدور قانون التعليم الجامعي عام1974 ليجعل الترقية بالاقدمية بين من يتقدم بعد5 سنوات ليحصل علي الدرجة العلمية ومن بعدها الدرجة المالية وذلك بدلا من الترقية باعلان عن وظيفة خالية وهو ما يحدث في جامعات الدول المتقدمة, ونتج عن ذلك ان انقلب الهرم الجامعي فأصبح الاساتذة اكثر من المعيدين فاقبلوا علي العمل في المستشفيات الاستثمارية لمدد محددة علي حساب عملهم الأصلي في الجامعات, فهل تستطيع وزارة الصحة ان تفرض علي جميع المستشفيات ان يكون لكل منها هيكل طبي لا يقل عن75% من العاملين في المستشفي من الاطباء وان يكتمل هذا الهيكل بالتدريج خلال فترة لا تقل عن15 عاما, واذا اراد المستشفي الخاص الاحتفاظ باحد من الجامعة فعليه ان ينتدبه انتدابا كاملا للعمل به طوال الوقت. اما رجال الطبقة العليا من المجتمع واصحاب السلطة والنفوذ فلا مشكلة في علاجهم فهم يعالجون في الخارج من امراض يعالج90% منها في الداخل اقتطاعا من ميزانية لا تكفي اصلا لعلاج الداخل وان كان90% منهم يمكنهم العلاج علي نفقتهم الخاصة. المزيد من مقالات د.الصاوى محمود حبيب