يتميز سباق الرئاسة عندنا بعدد من العجائب التي لم تعرفها دول أخري مما تجري فيها انتخابات رئاسية بشكل منتظم وفي مواعيد محددة وأولي هذه العجائب أن المجلس العسكري لم يحدد حتي الآن موعدا لانتخابات الرئاسة مكتفيا بالقول انها ستكون بعد إقرار الدستور الجديد وقتما يحدث ذلك, في العام المقبل أو بعده. لقد ظللنا بلا جدول زمني لأي من الخطوات التنفيذية لبناء الدولة الجديدة منذ سقوط النظام السابق في فبراير الماضي, ثم تحت ضغط القوي السياسية والشعبية وافق المجلس علي أن يضع مثل هذا الجدول الذي حدد فيه مواقيت كل شيء من الانتخابات النيابية إلي جلسة الانعقاد الأولي لمجلسي الشعب والشوري, ومن المدة التي يجب ان يستغرقها تشكيل الهيئة التأسيسية للدستور إلي موعد طرحه للاستفتاء الشعبي, لكنه استثني انتخابات الرئاسة من مثل هذه المواقيت وكأنه يناصبها العداء, واطلق احد أعضائه صيحة في مرشحي الرئاسة في الأسبوع الماضي ذكرتنا بصيحة القذافي الشهيرة حين لم يتعرف علي شعبه الثائر الذي قمعه لأكثر من 40 عاما فصاح.. من أنتم؟! وسط سخرية العالم كله. إن حال البلاد لن ينصلح ولن نقترب من بداية الاستقرار إلا حين يصبح لهذه الدولة رأس وتستقر فيها مؤسسات الحكم الديمقراطي, لكننا نبدو وكأننا نؤخر تلك العملية عمدا خاصة انتخابات الرئاسة التي لن يكتمل بناء الدولة الجديدة إلا بها. هذه أولي العجائب, أما ثانية العجائب في سباق الرئاسة فهي ذلك التعبير الذي لا اعرف من هو العبقري الذي ابتدعه والذي بموجبه نطلق علي مرشحي الرئاسة المرشح المحتمل وكأننا لانريد ان نعترف بأن هناك مرشحين بالفعل وإنما هم جميعا احتمالات قد تتحقق وقد لاتتحقق خاصة إذا ظللنا نستبعد موعد انتخابات الرئاسة التي لايعرف احد علي وجه اليقين متي ستجري؟ ولا لماذا تأخرت حتي الآن؟. وقد يتصور البعض ان سبب تلك التسمية التي تحول المرشحين ومن بينهم بعض خيرة رجال البلد من كل اتجاه سياسي إلي مجرد احتمال, هو ان باب الترشيح لم يفتح بعد وقد لايفتح علي الاطلاق, لذا فالمرشحون جميعا ليسوا مرشحين فعليين, لكن هذا منطق لايستقيم مادام المرشح أعلن رسميا انه سيترشح, ولو أنه قال مثلا انه يفكر في الترشيح لصدق عليه وصف المرشح المحتمل, وهو ما كان ينطبق مثلا علي الفريق أحمد شفيق الذي ظل لأشهر لايريد ان يفصح عن نيته وكان كلما سئل في الموضوع قال إنه يفكر فصار مرشحا محتملا سارع زملاؤه من المجلس العسكري بوضع اسمه في استفتاءاتهم واعطوه نصيبا سخيا من الأصوات للأسف انه تضاءل بعد ذلك حين اعلن أخيرا انه سيترشح للرئاسة, لكنه بإعلانه الترشح أصبح يستحق عن جدارة لقب المرشح لانتخابات الرئاسة وزالت عنه كل احتمالات الاحتمال. وللدلالة علي غرابة ذلك الوصف الذي ابتدعناه يكفي ان ننظر حولنا لما يجري في الدول الأخري التي تمارس الانتخابات الرئاسية منذ سنوات وفي مواعيد محددة, ففي الولاياتالمتحدة مثلا لايقوم احد من أعضاء الحزب الجمهوري أو الديمقراطي بترشيح نفسه للرئاسة, وإنما يتقدم برغبته للحزب ويعقد الحزب مؤتمره السنوي الذي يفاضل فيه بين المتقدمين للترشيح ثم يستقر علي واحد منهم فيصبح هو المرشح الرئاسي للحزب. وربما تصور البعض ان المتقدمين للترشيح يعتبرون مرشحين محتملين إلي أن يختار الحزب من بينهم المرشح الفعلي, لكن هذا غير صحيح فهم جميعا مرشحون والحزب يختار من بينهم من سيفوز بترشيحه, والدليل علي هذا هيرمان كاين المرشح الجمهوري للرئاسة الذي تتزايد شعبيته الآن في الولاياتالمتحدة رغم ان عدد اتهامات التحرش الجنسي التي تلاحقه في المحاكم وصل حتي الآن إلي أربعة اتهامات, فالحزب الجمهوري لم يرشحه بعد للرئاسة,والانتخابات نفسها موعدها مازال بعيدا لكنه معروف ومحدد لكن طالع أي من الصحف الأمريكية أو تابع أيا من قنواتهم التليفزيونية تجدهم يتحدثون عن المرشح الرئاسي هيرمان كاين ولايطلقون عليه المرشح المحتمل ذلك الوصف الذي لم نسمع به من قبل. أما ثالث العجائب: فهي تلك التي يطلقها من يودون ان يبدوا كالعالمين ببواطن الأمور فيقولون أنه رغم وجود ما يقرب من عشرين مرشحا حتي الآن للرئاسة, مابين الجادين والمهرجين ومن هم بين بين, فإن المرشح الرئاسي الفعلي لم يظهر بعد (!!), ولم نسمع أبدا في انتخابات الرئاسة الفرنسية مثلا أو الأمريكية أن أحدا نظر إلي المرشحين ثم قال للصحف وهو يتصنع الحكمة والوقار إن من سيفوز بالرئاسة لن يكون من بين المرشحين للانتخابات. ثم هناك الحكيم الآخر الذي يقول انه لن يعطي صوته لأي من المرشحين الحاليين لأنه ليس من بينهم من يصلح رئيسا, وقد تزايدت هذه المقولة التي لابد أن قائليها يتصورون انها تضفي عليهم هي الأخري صفة الفراسة والرشاد, لكنني كلما سمعتها تذكرت مقولة الرئيس السابق حسني مبارك الذي ظل رافضا تعيين نائب لرئيس الجمهورية بحجة انه طوال 30 عاما لم يجد من يصلح لهذا المنصب (!!). إزاء كل هذه العجائب فإنني ادعو جميع مرشحي الرئاسة للانسحاب الفوري من السباق بعد ان تبين انهم جميعا مجرد احتمالات, وأنه ليس من بينهم من يصلح رئيسا وأن الرئيس القادم لم يظهر بعد وأن الانتخابات ذاتها غير محددة الموعد ولا أحد يعرف علي وجه اليقين إن كانت ستجري في الموعد الذي لم يحدد لها أو حتي في غيره.. ما هذا التهريج؟! ياسادة ليس هكذا يعاد بناء البلاد؟! المزيد من مقالات محمد سلماوي