في تحليل مضمون الشعار البوصلة المواطنة هي الحل من منظور الحقوق الاقتصادية للمصريين, شرحت لماذا؟ وكيف؟ تتحقق أولي مهام دولة المواطنة بأن يكون إقتصاد مصر للمصريين; بتعزيز الأمن الإقتصادي القومي. وأحاول هنا تحديد التحديات التي تجابه الحق في الأمن الاقتصادي, القومي والإنساني, وطرح الاستجابات التي تمكن المصريين من إنتزاع هذا الحق, دون حشد المؤشرات المتاحة تخفيفا علي القاريء. وأسجل أولا, أن هدر وتهديد الحق في الأمن الاقتصادي, القومي والإنساني, قد نجم عن ضعف نسبي للقدرات الاقتصادية المصرية, حين جري وأد فرص إستثمارها والإرتقاء بها, نتيجة إخفاقات السياسات الاقتصادية والإجتماعية; فكان التأخر الصناعي التكنولوجي, وانخفاض مستوي التنمية الاقتصادية, وضعف مؤشرات التنمية الإنسانية, وكان انكشاف اقتصادي; كرسه نمط من النمو المشوه التابع. وفي مواجهة هذا التحدي, تتطلب الاستجابة بناء إقتصاد متقدم يلحق بانجازات ثورة التصنيع, ويستجيب لمتطلبات ثورة المعرفة, ويضاعف الثروة الوطنية, بما يتيح الإرتقاء بمستوي معيشة ونوعية حياة المصريين, ويمكن مصر من دور الشريك الفاعل, لا المفعول به, في إدارة العولمة والاقليمية الإقتصادية. وتقتضي الاستجابة لهذا التحدي إعادة الإعتبار للمشروع القومي لتصنيع مصر, واللحاق باقتصاد المعرفة لمضاعفة انتاج سلع وخدمات ذات قيمة مضافة مرتفعة ومحتوي معرفي أرقي; لتعظيم فرص ومكاسب المشاركة المتكافئة في التخصص الانتاجي بالمصنع العالمي, ورفع انتاجية العمل والتنافسية الاقتصادية العالمية; لتعظيم نصيب مصر من تدفقات التجارة والاستثمار والمعرفة في الاقتصاد العالمي. وعلينا إستيعاب حقيقة أن التنمية الاقتصادية المتسارعة والمستدامة هي ركيزة مضاعفة الدخل القومي والفردي, وتعزيز الأمن الإنساني للمواطن المصري; بتحريره من فقر القدرة وفقر الدخل, والارتقاء بمؤشرات التنمية الإنسانية, وتعزيز تكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية, وتحسين الخدمات العامة للتعليم والصحة, وتلبية إحتياجات المناطق والأقاليم والفئات الأكثر فقرا وحرمانا. وإضافة الي تقليص الانكشاف الخارجي للاقتصاد المصري; بحماية السيادة الاقتصادية الوطنية, فان الاستجابة تقتضي تقليص الإعتماد علي مصادر النمو والدخل الريعية, وعلي المعونات الأجنبية. ولا شك أن الإرتقاء بالقدرات الانتاجية والتنافسية المصرية يمثل شرط الاستفادة من فرص التصدير للأسواق العالمية والمشاركة المصرية الأوروبية, ومجابهة تحديات المنافسة الإقليمية. وتبقي حقيقة أن تسريع وتعميق التكامل الاقتصادي العربي شرط أمثل لمصر في سعيها الي تحقيق وفورات النطاق اللازمة للتقدم الصناعي التكنولوجي, وتحقيق الأمن الغذائي, وبناء أسس تكافؤ الاندماج في الإقتصاد العالمي. وثانيا, أن هدر وتهديد الحق في الأمن الاقتصادي, القومي والإنساني, يرتبط بفجوات الموارد الطبيعية والمعرفية والتكنولوجية والبشرية, التي تعانيها مصر, نتيجة إخفاقات السياسات الوطنية ومعطيات طبيعية ومتغيرات خارجية. وتتطلب الاستجابة تعزيز الأمن الغذائي, القومي والإنساني, بتعظيم الإكتفاء الذاتي من الحبوب والسلع الغذائية, وخاصة بتطوير البحوث الزراعية لرفع انتاجية وحدة الأرض المزروعة, واستصلاح واستزراع الموارد الأرضية المتاحة, وتوفير الأسمدة بأسعار تتناسب مع تكلفة انتاجها المحلية, وضمان أسعار عادلة للمحاصيل الغذائية الأساسية المنتجة محليا. كما تقتضي الاستجابة تعزيز الأمن المائي, بتقليص فجوة الموارد المائية; عبر ترشيد وإعادة استخدام الموارد المتاحة, وحمايتها من التلوث, وتعظيم عائد وحدة المياه, مع تنمية المصادر الجديدة, وخاصة بمواصلة نهج الكسب المتبادل مع دول المنبع في حوض النيل. كما تقتضي الاستجابة لتحدي الفجوة المعرفية والتكنولوجية, رفع معدلات استيعاب وتحسين جودة التعليم الأساسي والفني, وتحسين جودة التعليم العالي والتوسع في التعليم العلمي والهندسي, وتوفير الموارد اللازمة لضمان مجانية التعليم العالي علي أساس مبدئي العدالة والكفاءة, مع ضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية. ولا بديل عن تطوير قاعدة البحوث العلمية الأساسية, وتوفير حوافز البحث العلمي والتكنولوجي والبحث والتطوير; لمواجهة قيود حماية حقوق الملكية الفكرية في إطار إتفاقيات منظمة التجارة العالمية, والقيود علي نقل المعرفة بذريعة منع المزدوج العسكري والمدني للمعرفة والتكنولوجيا, ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل, في سياق تشويه الاسلام والتحريض علي ما سمي بإرهاب المسلمين. ولا بد من خفض معدل النمو السكاني, وتحسين خصائص السكان, وعدم الرهان علي تقليص الاختلالات السكانية عبر الهجرة, والعمل علي توفير فرص التدريب للخريجين والعمالة غير الماهرة وغير المؤهلة; لتتناسب مع احتياجات سوق العمل القائمة, والأهم الاحتياجات المتغيرة في إطار تصنيع مصر. كما يبرز تحدي نضوب النفط والغاز, وخاصة مع الإعتماد علي تصدير الغاز للتغلب علي إخفاق التنمية والتصنيع. واستجابة لهذا التحدي ينبغي تقليص السيطرة المباشرة للشركات الأجنبية, التي تنتزع نصيبا متعاظما من إنتاج النفط والغاز, وتنمية مصادر الطاقة البديلة الجديدة والمتجددة من الشمس والرياح, وتنفيذ البرنامج المصري لإقامة محطات نووية لتوليد الطاقة. وثالثا, أن حماية الحق في الأمن الاقتصادي, القومي والإنساني, ترتبط بمجابهة تحديات تعظيم العائد الأمني والاقتصادي للإنفاق الدفاعي والأمني; الذي تفرضه تهديدات إقليمية متزايدة, وتهديدات الإنفلات الأمني بعد الثورة. وتكون الاستجابة بإدراك أن تعزيز الأمن الداخلي يستحيل بدون إحترام حقوق المواطنة, كما يشهد تداعي جحافل الأمن المركزي أمام حشود جماهير الثورة. وحتي تتضاعف معدلات الاستثمار والتنمية, لا غني عن ترشيد الإنفاق الدفاعي الوطني وخاصة نفقات التسليح, وتطوير التصنيع العسكري بالارتقاء بالصناعات الاستراتيجية والتكنولوجيات الحرجة, العسكرية والمدنية. كما ينبغي أن تشارك مصر بفعالية في تصفية أسباب النزاعات المسلحة في المنطقة, بمساندة جهود احترام حقوق المواطنة, وحفز التعاون العربي والعالمي في تحمل تكلفة بناء السلام في المنطقة وتنمية بلدانها الأشد تأخرا وحرمانا. وعلي مصر, ما بعد ثورة25 يناير, أن تدعم ثورات الشعوب العربية ضد الاستبداد, وأن تساند جهود توسيع الدعم الإقتصادي للشعب الفلسطيني في مواجهة الحصار الاقتصادي الاسرائيلي, وأن تشارك في التنمية الاقتصادية في دولة جنوب السودان الوليدة. وفي ذات الوقت, فان علي مصر رفض التعسف وإزدواج المعايير في فرض العقوبات الاقتصادية تحت مزاعم حق التدخل الإنساني, وتجنيب الشعوب العربية عواقبها في حال فرضها علي نظام يرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو جرائم ضد الإنسانية. وأخيرا, فان حماية الحق في الأمن الاقتصادي, القومي والإنساني, تتطلب مواجهة مصادر التهديد الجديدة; خاصة البيئية والمناخية والإجرامية. وهنا تكون الاستجابة بمكافحة تدهور وتآكل الموارد الطبيعية خاصة من المياه والأراضي المزروعة, بردع الإعتداء علي الأرض الزراعية بالبناء غير المقنن عليها, وحماية الماء والهواء والتربة من التلوث, تقليصا للآثار السلبية علي الصحة العامة, وتحسينا لنوعية الحياة, ورفعا لإنتاجية الزراعة, مع المشاركة في مواجهة مخاطر المتغيرات المناخية بآثارها السلبية علي الدلتا. كما يجب أن تعزز مصر جهودها لمكافحة الجريمة الاقتصادية وذات الأسباب والنتائج الاقتصادية, سواء بمواجهة ما تكشف بعد الثورة من فساد منظم هائل وجرائم غسل الأموال, أو بالمشاركة في مكافحة الجريمة الدولية والمحلية المنظمة في مجالات الاتجار بالمخدرات, والاتجار بالبشر, والإتجار غير المشروع بالسلاح, وجرائم المعلوماتية وغيرها. المزيد من مقالات د. طه عبد العليم