كشفت ترشيحات أعضاء مجلسي الشعب والشوري عن أسماء تابعة للحزب الوطني المنحل, دخلت حلبة السباق, هذه الأسماء أثارت غضب بعض التيارات السياسية التي تطالب بمنع هؤلاء الفلول من الترشيح وممارسة الحياة السياسية. لكن تناسي أعضاء الطوائف والائتلافات السياسية والأحزاب المعترضة أن المعيار في فوز أي مرشح سواء من فلول النظام السابق أو غيرهم هو الناخب, فالناخب هو صاحب الكلمة هذه, كما أن الصوت الواحد سيكون فارقا.. فلماذا لا نعول علي وعي الناخب ونركز علي توعيته بدلا من الجدل والبلبلة غير المجدية؟.. ولماذا لا نقول لكل من سوف يستخدم شعارات أو رشوة هذه المرة لن تفلح رشوتكم لأن وعي الناخب أمام الصندوق غير المرات السابقة؟ يقول الدكتور حاتم جميعي, وكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والدراسات: بالتأكيد لدينا ثقة في وعي المواطن لأسباب كثيرة أهمها أن الجموع التي خرجت في ثورة52 يناير وتعدادهم نحو عشرة ملايين مواطن لهم أهل في الريف والمدن, وبالتالي يشكلون قاعدة عريضة من هذا الشعب يمثل نسبة لا بأس بها من الناخبين في الشارع المصري, وبالتالي استطاعوا تغيير النظام بيدهم, وإمكانهم أيضا اختيار من يمثلونهم في المجلس. ثانيا: خلاف الأوقات السابقة وسائل الاتصال المختلفة والفضائيات وشبكة الإنترنت لم تترك أي مواطن سواء كان متعلما أو أميا إلا ووصلت إليه بشكل ملح وعلي مدي اليوم, وبالتالي فلا مجال للقول إن الأمية والجهل تحول بين الإنسان وبين وعيه ومتابعته لما يحدث حوله, فالفضائيات تدخل كل بيت والمواطن البسيط متابع جيد ولديه وعي حتي لو كان لا يقرأ ولا يكتب وحتي المواطن الذي كان لا يهتم بالسياسة من قبل بعد قيام ثورة52 يناير أصبح متابعا ومهتما, وقد مرت علي هذه الثورة عدة أشهر تقترب من العام.. إذن الكل يعلم ما يدور في المجتمع ولديه وعي ورؤية, بصرف النظر عن الأمية, فلم تعد هناك أمية سياسية. كما أن الأمور باتت واضحة, فقد عرف الناس من هم الفاسدون, بصرف النظر عن الانتماء الحزبي أو الفردي, وعي المواطن الآن يجعله قادرا علي التمييز بين الصالح والفاسد, وفي ظل النظام السابق كان هناك تزوير في الانتخابات, أما الآن فهناك شفافية وصوت الناخب هو الحاسم والفارق. ما حدث من تغيير في مجتمعنا نستطيع أن نلمسه بأنفسنا.. ألم يخرج صغار العمال في المصانع التي خصخصت ليقولوا لأصحاب المصالح أنتم فاسدون, لقد شعر المواطن بالمحنة وانكشف الغطاء وانزاح القناع عن الفاسدين ويعلم المواطن الآن أن صوته لديه قيمة, وأنه وحده صاحب الاختيار, ومع ذلك فمن المطلوب والواجب علي الصحافة والإعلام والمرشحين وأصحاب الثورة أن يكثفوا من التوعية خلال هذه الفترة, حتي نتدارك أي سلبيات ونضمن وصول المعلومة الصحيحة للجميع. ومطلوب من المجلس العسكري أن يقوم بتفعيل قانون الرشوة الانتخابية والتزوير وتطبيقه بكل حزم, لأنه متعلق باستغلال احتياج المواطن البسيط, وهو ما لا يجب السماح به, بل بالضرب عليه بيد من حديد, وإذا ثبتت واقعة إعطاء أموال أو أشياء عينية, يجب التحقيق فيها لاتخاذ الإجراءات القانونية لتنقية المناخ السياسي. ومن جانب آخر, تري الدكتورة هدي زكريا, أستاذة علم الاجتماع السياسي بآداب الزقازيق, أن هناك مناخا من الثقة والتفاؤل أشعر به, لأنه مجرد ممارسة الانتخابات بشكل فيه شفافية وديمقراطية ودون تزوير سوف يفرز اختيارا صائبا, خاصة أن المواطن لديه وعي ويعرف سمعة كل مرشح وحقيقته, وقد لمست ذلك بنفسي حتي داخل الانتخابات الجامعية, فالمواطن يعرف مصلحته, وقد أصبح الآن قادرا علي الاختيار الجيد, وحتي إذا افترضنا جدلا أن الانتخابات هذه المرة سوف تأتي ببعض الأسماء الذين لا نرضي عنهم سواء لانتمائهم الحزبي أو من التيارات الدينية, ستكون تجربة للمواطن لكي يحكم علي ادائهم خلال أربع سنوات مدة الدورة التشريعية, وبعدها تبدأ مصر تجربة حقيقية أن يختار الأفضل ليمثله تحت القبة, خصوصا أننا في السابق كانت هناك ثوابت لا تتغير, ويتم فرض أسماء علينا بالتزوير, بعد تغير هذا المناخ الفاسد أصبح الثبات والدوام غير موجود وهذا في حد ذاته مهدد لمن يظن أنه سيظل قابعا علي الكرسي, فهناك تغيير لاشك, وبالتالي لو نجح وتسرب للمجلس من لا يستحق هذه المرة, فإنه سوف يفشل في تقديم ما يبقيه عضوا في البرلمان. ومن مشاهداتي, أري أن المواطن هذه المرة يدخل الانتخابات بحماس ويعلم قيمة صوته, ومع ذلك قد تأتي الانتخابات أحيانا بما لا تشتهي السفن, فسوف ينجح شخص في الريف مثلا لأن له عزوة وعائلات كبيرة لن تسمح بنجاح مرشح من خارجها, وبالتالي قد تكون هناك بعض الأخطاء, لكن القادم سيكون الأفضل. والمواطن سوف يختبر من اختاره, وبالتالي سيطور هذا الناخب احتياجاته في الحسابات النهائية وستكون المصلحة إيجابية وليست سلبية. فالبشر يتعلمون دائما من التجارب والنتائج الخاطئة, وقد تعلمنا جميعا من تجارب السنوات السابقة, وأصبح لدينا جهاز مناعة قوي يجعلنا نحسن الاختيار. أما بخصوص الخوف كما تضيف د. هدي زكريا من الرشوة وسلاح المال الذي يحكم بعض المرشحين والذي كان يصلح في ظل النظام السابق, أما الآن فلا أعتقد أنه سيفلح لسببين: أولهما: وعي المواطن, وثانيها: لأن المناخ كله تغير تماما, فقد يأخذ المواطن المحتاج الرشوة وأمام الصندوق يعطي صوته لمن يستحق وليس لصاحب الرشوة, وهذا يعني أنه لن يكون هناك وفاء بالوعود للمرتشين. لن نراهن علي الرشوة الانتخابية الآن, ولا أحد يستطيع بعد الثورة أن يشتري صوت المواطن, فهناك تعددية والناخب لديه قدرة علي الاختيار وحتي البسطاء لديهم كلمة السر التي تجعلهم أكثر وعيا, بل إنني أجزم أن النخبة المثقفة للأسف لا تفهم الشعب وهي غير مطمئنة من جذورها وأقول لهم: الشعب أكثر وعيا منكم, والتاريخ يثبت ذلك, فالمواطن يعلم من يخدمه ويهتم بمصالحه ومصالح الوطن وبين من يرشح نفسه لمصالح شخصية أو الرغبة في السلطة. للأسف النخبة التي تطل علينا من الفضائيات الآن وتعطينا دروسا وتوجيهات لم تقم بالثورة, بل قفزت عليها بعدما اطمأنت لنجاح الثورة وزوال النظام, هم الآن يظهرون علي الساحة ليلا ونهارا, برغم أنهم لا يجيدون لغة هذا الشعب ولا حتي يفهموه, بل ويشككون في وعيه وقدرته علي الاختيار والتمييز, والحقيقة أنهم رسبوا في إيجاد آليات للتعامل الصحيح مع المواطن وفهمه والوعي بمصالح المجتمع والوطن. الاختيار الصحيح يقول خالد أبوكريشة, وكيل نقابة المحامين وعضو المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب: أي انتخابات في الدنيا تستهدف وعي الناخب, وهذه العلاقة نوع من التقويض يجب أن تكون مثل العلاقة التعاقدية ولاتنشأ هذه العلاقة إلا إذا كان الطرفان يتمتعان بالرشد. والسؤال المطروح: إذا افترضنا مثلا وجود انحسار للوعي لدي البعض بسبب الفقر والجهل, فهل هناك سبيل لتعليم هذا المواطن كيفية الاختيار الصحيح؟.. الإجابة لا توجد طريقة سوي أن نتركه يختار بنفسه دون قيود, وأن يجرب ويقوم بتقييم اختياره ثم تصويب هذا الاختيار في المرة المقبلة, كل الشعوب ترتقي بهذا الشكل التجربة والخطأ والتصويب وحتي في الأنظمة وفي المدارس السياسية وحتي في نظام الحكم نفسه يتم تطبيق ذلك. هناك أمور لا يعيها المواطن إلا إذا خاض غمار التجربة بنفسه وتحرير هذا الناخب من كل القيود, سواء قيود السن أو مسألة تخصيص مقاعد للمرأة وللعمال والفلاحين, كل بالغ رشيد من حقه الترشيح, كما لو افترضنا أن العمال يريدون اختيار أستاذ جامعي كنائب عنهم نرفض بحجة أنه فئات, يجب ألا نتدخل بين الناخب وحقه في اختيار مرشحه, فعملية إعطاء نسب عوار ديمقراطي يحد من حرية المواطن في الاختيار. أما بالنسبة للرشوة الانتخابية, فهي خلل أخلاقي قبل الحديث عن مخاطرها, والمواطن قد يسيء الاختيار حتي بدون رشوة بسبب شعارات الدين أو العصبية القبلية, وينبغي أن نتعامل مع ذلك علي أنه أخطر من الرشوة الانتخابية عشرات المرات. والحمدلله الذين يرتشون انتخابيا في مصر قلة رغم الظروف الطاحنة, فهناك بسطاء منهم من يتضور جوعا ولا يقبل أن يمد يده ويقبل رشوة, وفي ظل النظام السابق كانت هناك فئة تخرج وتصوت في الانتخابات لتحصل علي هذه الرشاوي الانتخابية.