لاشك أن صفقة تحرير الأسري الفلسطينيين يوم الثلاثاء18 أكتوبر2011 م شكلت حدثا مهما في العديد من البلدان, وبخاصة الفلسطينية والعربية, فبعد أسر الجندي جلعاد شاليط جريحا وقتل من كان معه في دبابة اجتاحت الحدود ما بين مصر وقطاع غزة يوم25 مايو2006 م. أرسلت حركة حماس بيانا إلي الوفد الأمني المصري الموجود في قطاع غزة في ذلك الوقت يوضح مطالب الحركة التي ظلت ثابتة حتي يوم التنفيذ.. وعلي الفور قامت قوات الاحتلال الصهيوني بشن حرب حقيقية علي قطاع غزة وكان سلاح الجو هو الأداة الأهم فقصفوا وزارة الخارجية ودمروا مبناها, كما دمروا مبني وزارتي الاقتصاد والداخلية وهدموا الجسور التي تفصل مناطق قطاع غزة عن بعضها. واستمرت الحرب والضحايا بالعشرات يتساقطون حتي جاءت أحداث لبنان بعد قتل ثلاثة جنود اسرائيليين واستمرت تلك الحرب33 يوما. كانت مسيرة التفاوض تجربة خاصة اعتمد فيها فريق التفاوض علي تحديد ملامح الأهداف والوسائل. فكانت الأهداف من حيث العدد منطقية يمكن تحقيقها, فمن بين أحد عشر ألف اسير تم الحديث عن قائمة تضم450 شخصية في غاية الأهمية ويكمل ذلك ويجمله قائمة تشمل550 اسما. وكان التركيز طوال الوقت علي الإفراج عن كل النساء بلا استثناء خارج إطار القائمة وكذلك الصبية ونواب المجلس التشريعي, وإنهاء حالة العزل الانفرادي, وكسر الحصار عن غزة, واستئناف الزيارات العائلية التي توقفت منذ أسر الجندي الإسرائيلي, وقد تحقق ذلك بحمد الله في الاتفاق يوم18 أكتوبر الحالي وبقيت بعض البنود مثل كسر الحصار تنتظر وسط شكوك كبيرة تحيط بها. كانت آليات التفاوض تضع في اعتبارها عدة أهداف أولها كسر المحرمات الإسرائيلية والتي تقول إن من عليه دم إسرائيلي لن يخرج, وان القدس والأرض المحتلة عام1948 م والجولان هي أرض إسرائيلية يسري عليها القانون الإسرائيلي. وكانت تقول أيضا إن الشخصيات المهمة جداvip لن يتم الإفراج عنها. وكانت تقول إن النساء في داخل الصفقة. كانت خطة التفاوض الفلسطينية تعتمد علي التدرج في إعطاء قوائم الأسماء والتمترس عليها وإجبار العدو حتي يوافق علي أكبر عدد منها. ونجحت هذه التجربة واعتمدت الخطة علي نجاح الحركة في إفشال خطة العدو لاكتشاف مكان الجندي رغم المكالمات الهاتفية التي أمطرت كل شخص في غزة وكانت تعد بعشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه, وكانت الخطة لا تعطي شيئا مجانا في مقابل أي شيء تقدمه. وقاوم الوفد المفاوض خطط العدو في التفريعات والتصنيفات المتعددة مثل هذا يخرج بقيود أمنية وهذا يخرج بعد كذا سنة وهذا يقدم التماسا لحل مشكلته إنسانيا, وتم إفشال هذه المخططات ونجح المفاوض في توحيد موقف الحركة في أماكن وجودها علي قرار موحد وكان للمعتقلين الدور المهم في المشاركة في كل الخطوات. ونجحت الحركة في أن تسجل انجازات ما بعد الصفقة مثل ضرورة فتح الحدود لإعداد برامج بناء للأسر الجديدة وبذلك يتم كسر الحصار وانتزع المفاوض الفلسطيني من العدو ضرورة استئناف الزيارات العائلية للمعتقلين المتبقين في السجون الصهيونية, وتقليص سياسة العزل التي طالت أعدادا كبيرة داخل السجون وتحسين شروط السجن وغيرها من القضايا المكملة والمجملة للصفقة, ويمكن وصف الصفقة بأنها نموذجية ولكنها ليست كاملة, نموذجية لأنها أخرجت320 سجينا عليهم أحكام بالسجن مدي الحياة, والباقي من أصحاب الأحكام العالية فوق20 سنة, ولأنها أخرجت من حماس64.5% من عدد المحررين وحوالي21% من فتح, وحوالي6% من الجهاد إسلامي, و5% من الجبهة الشعبية, وحوالي1.5% من الجبهة الديمقراطية والباقي من شخصيات أخري. وشملت الصفقة إخراج24% من الصفقة إلي قطاع غزة والباقي من الضفة والقدس والجولان والأرض المحتلة عام48%, وأخرجت النساء(48 سيدة) علي دفعتين, وهي غير كاملة لأن السجون مازالت تضم من هم بحاجة إلي خطوة جديدة. إن الدفعة الثانية ستكون من أصحاب المحكوميات العالية والمتوسطة التي أمضت سنوات كثيرة. إنها مرحلة تجميل لعرس عربي كبير, ونجاح فريد وسط مرحلة من التراجعات لم يسندها إلا الربيع العربي الساخن الذي لم يثمر حتي اليوم وضعا سياسيا جديدا ونحن في الانتظار.