حدث ما كان متوقعا, وحصل حزب النهضة الإسلامي, النسخة التونسية لجماعة الإخوان المسلمين, علي أكثر من40 % من مقاعد المجلس الوطني. برغم الحظر الذي فرضه الرئيس السابق زين العابدين علي الحزب لأكثر من عشرة أعوام, ونفي زعيمه راشد الغنوشي خارج البلاد لأكثر من20 عاما أمضاها في بريطانيا قبل أن يعود بعد الثورة, يقود حزبه لتحقيق هذا النصر الذي يمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية مع حزبين علمانيين حصلا علي عدد أقل من المقاعد يمثلان يسار ويمين الوسط, ويأمل الغنوشي في أن ينجح المجلس التأسيسي في كتابة دستور جديد للبلاد ترضي عنه كل فئات المجتمع التونسي, وتتمكن حكومته الائتلافية من تهدئة مخاوف نسبة كبيرة من التونسيين, يخشون أن يتآكل تحت وطأة الحزب الإسلامي, الميراث العلماني للمجتمع المدني التونسي الذي يعود إلي حكم الرئيس حبيب بورقيبة وفصل الدين عن الدولة, ومكن المرأة التونسية من الحصول علي كامل حقوقها ويزيد. ولأن حزب النهضة يدرك جيدا أن60% من الناخبين لم يصوتوا للحزب, يحرص قادة الحزب علي إبراز صورة حزبهم باعتباره صنوا لحزب العدالة والتنمية التركي, ينفر من الأيديولوجيات المطلقة, ويلتزم نهجا عمليا يتعايش مع كل الأفكار, ولا يهتم بمطاردة سلوك الأفراد أو الانتقاص من حقوق المرأة, ويترك للنساء حرية اختيار ملابسهن, لا يفرض عليهن الحجاب ولا يريد من العلمانيين منعه بالإكراه, ويكرس كل جهده لقضيتين أساسيتين هما اقتلاع جذور الفساد ومعالجة مشكلة بطالة الشباب التونسي التي قاربت علي20%. وتشكل تجربة حزب النهضة تحديا مهما لفكر جماعة الإخوان المسلمين في بلد متطور, يعتمد في دخله الأساسي علي السياحة الأوروبية, ويشكل العلمانيون نسبة غير قليلة من مجتمعه المدني, وتحظي فيه المرأة بمكانة متميزة وحقوق كاملة تعطيها الحق في الإرث المتساوي مع الرجل, ورفض تعدد الزوجات, وتوجد فيه جالية يهودية قديمة تؤكد حقها الكامل في المواطنة, فهل ينجح حزب النهضة في مواجهة هذه التحديات بفكر متطور يعطي لجماعة الإخوان المسلمين نفسا عصريا, يقبل التعايش مع الآخر ويحرص علي المشاركة وليس المغالبة, ويحافظ علي مدنية الدولة ويقبل بالأمة مصدرا لكل السلطات, أم أن الغلبة سوف تكون للتيار المحافظ الذي يصر علي المغالبة وينشد الهيمنة ويطلب الدولة الدينية. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد