محافظ الإسماعيلية يتابع ملفى التقنين والتصالح بالمحافظة    أوروبا المخترقة.. مطار بروكسل يعلن إلغاء نصف الرحلات بسبب هجوم سيبرانى    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على مربع سكني جنوب مدينة غزة    عاجل- ضابطة أمريكية سابقة: واشنطن «خانت قطر» وما يحدث في غزة إبادة جماعية مكتملة الأركان    مودريتش يقود ميلان أمام أودينيزي في الدوري الإيطالي    مراسم تتويج شباب الطائرة بلقب بطولة أفريقيا ..صور    ناشئات اليد يهزمن أنجولا فى نصف نهائى بطولة أفريقيا    إصابة 5 أطفال بحالة تسمم غذائي في طهطا سوهاج    سرقة الإسورة الذهبية.. الأعلى للآثار يكشف مفاجأة: معمل الترميم كان بلا كاميرات    وزير الشئون النيابية يشارك في حفل استقبال العام الجامعي الجديد بجامعة حلوان    سامسونج تطلق الدورة السابعة من برنامج «الابتكار» لتأهيل الشباب المصري رقمياً    تفاعل كبير مع ورشة هشام سليمان وسامح الصريطي في التمثيل ضمن فعاليات بورسعيد السينمائي    كارول سماحة تفجر مفاجأة عن وفاة زوجها وليد مصطفى    «نور مكسور».. بداية مشوقة للحكاية الأخيرة من مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو»    «تنسيقي محافظة الأقصر» يبحث استعدادات تنفيذ التجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    زمالك 2009 يهزم المقاولون العرب بهدف نظيف في بطولة الجمهورية    رئيس النواب الأمريكي يحذر من كارثة ستواجه بلاده مطلع أكتوبر المقبل    سوريا.. قسد تستهدف بقذائف الهاون محيط قرية شرق حلب    أنغام تطرح أحدث أغانيها بعنوان سيبتلى قلبى بتوقيع تامر حسين وعزيز الشافعى    الحبكة المقدسة.. الدين في السينما الغربية    اللواء إبراهيم هلال ل"الساعة 6": حل القضية الفلسطينية يحتاج قرارات مُلزمة    "فستان قصير وجريء".. مي عمر بإطلالة جريئة    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    عالم أزهري يوضح سبب ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد    على هامش فعاليات مؤتمر ومعرض هواوي كونكت 2025.. وزير الصحة يلتقي مسئولي «ميدبوت» للتعاون في تطوير التكنولوجيا الطبية والجراحة الروبوتية ( صور )    نقابة "العلوم الصحية" تنظم حلقة نقاشية مع الخريجين والطلاب    محمد لطفي يطمئن جمهوره: "أنا زي الفل وما نشر عن حالتي الصحية كذب    وزير الري يتفقد الموقف التنفيذي ل"مشروع تنمية جنوب الوادي" في أسوان    وزير فلسطيني سابق: إسرائيل لم تعد تتمتع بدعم حقيقي سوى من ترامب    بمشاركة رامي ربيعة.. «هاتريك» لابا كودجو يقود العين لاكتساح خورفكان بالدوري الإماراتي    تجديد حبس البلوجر محمد عبد العاطي 45 يوما لنشره فيديوهات خادشة للحياء    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    غياب عربي عن القائمة.. تعرف على أكثر الدول طلبًا لتذاكر كأس العالم 2026    «الصحة» تبحث التعاون مع مستشفى رينجي الصينية بمجالات التكنولوجيا الطبية    بطلق ناري في الظهر.. الأمن يكثف جهوده لكشف لغز مقتل خمسيني بطما    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    المجلس التنفيذي لمحافظة أسوان يوافق على تخصيص أراض لإقامة مشروعات خدمية وشبابية وتعليمية    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    مؤتمر فليك: سنحضر حفل الكرة الذهبية من باب الاحترام.. ويامال سيتوج بها يوما ما    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    «الكازار» تعتزم إطلاق مشروعات جديدة بمجال الطاقة المتجددة في مصر    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    أحمد السبكي: المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل ستشهد إشراك أكبر للمستشفيات الجامعية وللقطاع الخاص    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    طريقة عمل العيش الشامي في البيت، توفير وصحة وطعم مميز    كتائب القسام تنشر صورة وداعية للمحتجزين الإسرائيليين    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات هادئة عن الثقافة والإعلام
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 03 - 2010

علي الرغم من الفروق الواضحة بين الثقافة والإعلام‏,‏ فقد تردد في الآونة الأخيرة عزم الدولة علي دمج الثقافة والإعلام في وزارة واحدة‏,‏ مما دفع الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الي التحذير من ذلك أكثر من مرة‏. معبرا عن تخوف المثقفين من هذا الدمج الذي وصفه الوزير في أحد تصريحاته بأنه جمع بين ايقاعين مختلفين‏:‏ إيقاع بطيء تمثله الثقافة‏,‏ وإيقاع سريع يمثله الإعلام‏,‏ وهو ما يجعل الجمع بينهما في ايقاع واحد في حكم المستحيل‏.‏
ولبيان هذه الفروق يتعين أن نبدأ بتعريف أ‏,‏ب الثقافة التي تنبع من المجتمع القومي والإنساني‏,‏ وتعريف أ‏,‏ب الإعلام الذي يعكس أحداث المجتمع الآنية‏,‏ كما يتعين أيضا الوقوف علي مشكلات وأهداف كل منهما ما بين التغيير والثبات‏,‏ لأن ايجابيات كل منهما قد تتحول‏,‏ بفعل هذا الدمج‏,‏ الي سلبيات حين لا تتكامل مع ظروفها الموضوعية‏,‏ حتي لو اتفقا في المنهج‏,‏ لاختلاف الطبيعة والوظيفة والغاية بينهما‏,‏ وهي في الثقافة تقديم الخدمة للشعب وإثارة القلق المخصب في نفسه‏,‏ ولو بالخسارة‏,‏ وليس التجارة والكسب في الأسواق‏,‏ كما هو الحال في الإعلام‏.‏
وليس تقليلا من شأن الإعلام أن نخرج من المقارنة بين الثقافة والإعلام بتقدم الثقافة علي الإعلام‏,‏ سواء كان إعلاما مطبوعا أو مذاعا أو رقميا‏,‏ وإن كنا ندرك في الوقت نفسه أن الإعلام كمعبر مباشر عن النظام القائم يمكن أن يكون‏,‏ بما يتدفق فيه من معلومات‏,‏ رافدا جيدا لإعلاء الثقافة والعلم والمعرفة‏,‏ والعمل علي نشرها علي أوسع نطاق‏,‏ وبجهد أقل مما تحتاجه الثقافة في نشر أعمالها‏,‏ دون أن يكون هذا الإعلام أو النشر علي حساب المحتوي والقيمة والحقيقة‏,‏ أو يكون إحلالا محل الثقافة‏,‏ أو فعلا من أفعال الهيمنة عليها‏.‏
وكما يعتبر إحلال الإعلام محل الثقافة خطلا‏,‏ فإن إحلال الثقافة محل الإعلام لا يقل خطلا‏.‏
ولكن لتحقيق هذا الوضع الذي يتجاوب فيه الإعلام مع الثقافة‏,‏ بأدواته الواسعة الانتشار التي لا تفرق بين المتلقين‏,‏ لابد أن يكون الإعلام محايدا‏,‏ وفي يد مثقفة متعاونة‏,‏ تلتزم الحدود والمعالم‏,‏ وتبحث دائما عن القيمة لا عن مجرد الذيوع‏,‏ وعن المضمون الإنساني في شروطه العصرية‏,‏ وليس علي الشكل الجمالي المرتبط عادة بالترفيه والتسلية‏,‏ ولابد أن يعرف هذا الإعلام أيضا كيف يؤلف بين المتضادات‏,‏ وكيف يربط بين الكيف والكم‏,‏ ويخترق الحجب‏.‏
ذلك أنه من المسلم به أن الفن‏,‏ إن لم يكن مصاغا صياغة متقنة‏,‏ تتسق فيه الكلمات مع المعاني‏,‏ فقد قيمته‏,‏ وأساء الي متلقيه بدلا من أن يثري وجدانهم‏,‏ لأن من يضحي بالقيمة الفنية في سبيل القيمة الفكرية فإنه يتنكر للقيمتين معا‏.‏
ومن يريد تطبيق هذا الكلام النظري فيمكن أن يعود الي الكتب والدوريات المحفوظة في المكتبة العربية‏,‏ لكي يري ماذا صنعت الثقافة المصرية في مصر في الخمسينيات والستينيات لتجديد الإبداع والنقد والترجمة‏,‏ وفي رعاية فنون العرض المسرحي المختلفة‏,‏ وفي الأدب الشعبي‏,‏ والفن التشكيلي‏,‏ والآثار‏.‏
ففي كل هذا الانتاج الذي ارتقي لأعلي المستويات يتمثل عطاء الثقافة التي دافعت في أنضج صورها عن العدل والحرية والديمقراطية والتعددية والتسامح‏,‏ حتي مكنتها من حصول نجيب محفوط في أواخر الثمانينيات علي جائزة نوبل‏.‏
وكانت تجارب الإعلام التي اجتمع فيها مع الثقافة في وزارة واحدة تجارب فاشلة‏,‏ والتجارب الفاشلة لا تنسي ولا تعاد‏.‏
والسراج المضيء ليس بحاجة الي دليل‏,‏ ولا يخفي علي أحد أن الثقافة قد تختلف مع النظام‏,‏ وهذا موطن القوة فيها لا موطن الضعف‏,‏ لأنها تتجاوز به كل الأوضاع‏,‏ علي حين أن الإعلام لا يعرف هذا الاختلاف أو هذا التجاوز إلا في أضيق نطاق إن وجد‏.‏
أما اذا حدث دمج الإعلام في الثقافة‏,‏ ونشأ التنافس أو التطاحن بينهما‏,‏ تحت مظلة قيادة واحدة غالبا ما تكون قيادة محافظة‏,‏ فإن الاعلام سيتغلب بالضرورة علي الثقافة ويلتهمها‏.‏
وهذا هو الخطر الداهم الذي يهدد الثقافة‏,‏ ولا يجدي الاعلام كثيرا خضوع الثقافة له‏,‏ اضافة إلي أن خسارة الثقافة لن يعوضها المكسب في الاعلام‏,‏ الذي قد يسمح في وسائله بتقديم أعمال ثقافية ضعيفة‏,‏ مادامت تتطابق مع السياسة العامة للاعلام‏.‏
ويتزايد خطر الاعلام بالطبع في ظل العولمة التي تقوم علي الدعاية السافرة للقوي الاحتكارية التي تقوم بتهميش الغالبية الفقيرة في صراعها غير المتكافيء مع من يملكون كل شيء‏,‏ وهي نظرة طبقية تتعارض مع خصائص الثقافة العربية التي لا ينفصل فيها الهامش عن المتن‏,‏ وقد يكون الهامش فيها أهم من المتن‏,‏ ولاتنكر أن ينطق الفرفور أو المهرج بالحكمة الغائبة‏,‏ وتحرص دائما علي ابراز التفرد في الشخصية والتباين بينها وبين غيرها‏,‏ لا علي التلقين‏,‏ وفرض النمطية‏,‏ والصب في قالب واحد‏.‏
لهذا لابد أن تظل الثقافة بكل مؤسساتها مستقلة عن الإعلام‏,‏ لها خططها الخاصة في الإنتاج والاستهلاك‏,‏ اذا أردنا أن تبقي حاملة رسالتها كصناعة ثقيلة‏,‏ ويبقي الإعلام أيضا مستقلا عن الثقافة‏,‏ ينتفع كل منهما بالآخر في الإطار الطبيعي له‏,‏ ويجري فيها التوسع علي المستويين الأفقي والرأسي‏,‏ أو علي مستوي السطح بالنسبة للإعلام‏,‏ والعمق بالنسبة للثقافة‏,‏ بعيدا عن السعايات التي نعاني منها في كل موقع‏.‏
إننا في الثقافة التي نعتبرها حرفة التعساء ننزع للاستقصاء والتقييم والمراجعة‏,‏ ونتحرك في الماضي والحاضر والمستقبل‏,‏ ونفتح النوافذ علي الثقافات الأجنبية بالترجمة والدراسة ودوائر المعارف‏,‏ لكي يزدهر الفكر الإنساني‏,‏ وتتوطد العلاقات بين الشعوب‏,‏ بينما الإعلام يتحرك في الحاضر فقط‏,‏ ويتعصب للقطرية والشئون الداخلية‏,‏ ولا يعبأ بغيرها إلا علي سبيل الخبر أو النبأ الذي يلبي لهفة المتلقين‏,‏ خاصة اذا كانت أحداثه لايمكن تجاهلها‏.‏
والثقافة هي التي تسجل عصور التاريخ‏,‏ وهي التي تشكل الحضارة‏,‏ وليس الإعلام‏.‏
والحق أنه من الصعب جدا حصر الفروق بين الثقافة والإعلام‏,‏ وكل ما يمكن أن يقال إن عالم كل منهما مغاير للآخر‏,‏ وان كان لكل دوره الحضاري الذي لا ينكر‏,‏ ونموه وازدهاره رهن بخصائصه‏.‏
وعلينا أن نحافظ علي هذه الخصائص حتي ينمو كل منهما ويزدهر في سياقه الصحيح‏.‏
لقد كانت وزارة الثقافة التي نشأت بأنبه العقول في‏1957‏ هي الأولي في الوطن العربي‏,‏ والثامنة علي مستوي العالم‏.‏
وخلال هذا التاريخ الذي يتعدي نصف قرن ارتفعت أبنية قومية عالية‏,‏ نهضت بالثقافة والوطن والإنسان‏,‏ لم تعرفها مصر من قبل في تاريخها الطويل‏,‏ غرست فيها أشجار باسقة‏,‏ ونضجت ثمار‏,‏ وأقيمت صروح رائدة‏,‏ انتصر بها الجديد في الآداب والفنون علي القديم‏,‏ سواء في الشكل أو المضمون‏.‏
والتخلي عن هذه الانجازات الثقافية‏,‏ أو العدول عن مسيرتها‏,‏ خسارة فادحة لمكانة مصر ودورها الحضاري‏,‏ أرجو ألا يتورط فيها أحد‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.