فرضت الظروف علي الساحة السياسية تساؤلا جديدا هو: ما إذا كان القرار الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب في اثناء اجتماعهم في الجامعة العربية بالموافقة علي إجراء مفاوضات غير مباشرة بين فلسطين وإسرائيل لمدة أربعة أشهر سوف يؤدي إلي نتيجة يتوقعها المناضلون من أجل تحرير فلسطين وإقامة دولتها المستقلة, والمراقبون المؤيدون لشعب فلسطين الذي يعاني منذ سنوات مرارة العدوان وضياع الأرض وتحطيم المنشآت ومحاولات التهويد في القدس ومدن الضفة؟ القرار لم يجد حماسا سوي من حكومة نيتانياهو التي وجدت فيه فرصة لاستمرار المماطلة وتنفيذ خطتها التي تعمل علي تثبيت الاستعمار الاستيطاني.. وترحيبا من أمريكا التي تساند إسرائيل في خطواتها. وعودة إلي صفحات التاريخ القريب تكشف أن المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تؤد إلي نتيجة إيجابية.. وأنه عندما اقتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين بأهمية الوصول إلي سلام شامل وعادل لمصلحة شعب فلسطين واتخذ في سبيل ذلك خطوات إيجابية مع سوريا.. انبري له المتطرفون الدينيون الإسرائيليون وأطلق بيبجال عامير عليه رصاصات اغتالته وهو يخطب في عشرات الألوف بأحد ميادين تل أبيب. التطرف الإسرائيلي إذن هو العدو الحقيقي للسلام ولشعبي فلسطين وإسرائيل.. وليس معني ذلك اتخاذ موقف الرفض ضد المفاوضات غير المباشرة التي وافق عليها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بالجامعة العربية يوم3 مارس2010, كما أعلنت حركة حماس وبعض الحركات الإسلامية المتطرفة.. لأنه لا يجوز إهدار فرصة يمكن أن تؤدي إلي نتيجة طيبة مهما تكن الاحتمالات بسيطة. الأشهر الأربعة المقبلة يمكن أن تعتبر من أكثر الشهور حسما وحساسية.. لأنه قد فاض الكيل بشعب فلسطين ولم يعد عنده أمل كبير في موقف إسرائيلي سليم, وخاصة بعد مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت عام2002 واستقر فيه الرأي علي إقامة العرب لعلاقات طبيعية مع إسرائيل إذا قامت بتنفيذ قرارات الأممالمتحدة التي صدرت في مصلحة شعب فلسطين.. ولكن الحكومة الإسرائيلية مازالت ترفض كل محاولات السلام.. وآخر الأخبار تشير إلي أن رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو قد أعطي موافقة وضوءا أخضر لاغتيال محمود المبحوح في دبي علي يد الموساد, الأمر الذي كشفته أجهزة الأمن هناك, مما فضح استخدام القتلة في عمليتهم الإجرامية جوازات سفر إنجليزية وفرنسية وإيرلندية مما أثار الغضب الأوروبي.. وهو ما يؤكد مواصلة الموساد لارتكاب جرائم القتل والاغتيال للقادة الفلسطينيين, كما اعترفت بذلك صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عندما علقت علي عملية الاغتيال بأنها من أساليب الموساد, مشيرة إلي أن دقة الاستعداد لهذه العملية تذكرنا بعمليات الموساد في الماضي والتي اغتالت عددا كبيرا من القادة الفلسطينيين بينهم ياسر عرفات وكمال عدوان وأبوجهاد وأبواياد وغيرهم. وإذا كان قراروزراء الخارجية العرب قد أتي بعد أيام من إرتكاب الموساد لهذه الحادثة المشينة, فإنه يلقي مسئولية كبيرة علي هذا القرار الذي يمكن اعتباره الفرصة الأخيرة في محاولات السلام التي يعتبر العرب من الحريصين عليها لاسترداد حقوق شعب فلسطين.. ويعتبر المتطرفون الإسرائيليون من أشد الرافضين لها تأكيدا لرغبتهم في تثبيت الاستعمار الأستيطاني الابن الشرعي للصهيونية التوسعية. وهكذا يجب أن نتابع ما يمكن أن يدور خلال هذه الأشهر الأربعة المقبلة وأن نعتبرها الفرصة الأخيرة المتاحة لتحقيق السلام, مما يستدعي ضرورة حشد جميع القوي العربية للوقوف إلي جانب شعب فلسطين في مقاومته المشروعة لتحقيق أهدافه الوطنية في إقامة دولته المستقلة.