استيقظ اندريه افيتسيان سفير روسيا لدي أفغانستان, وشرع في قراءة الصحف وفجأة علت وجهه الدهشة عندما قرأ الأخبار المتعلقة بسفر وفد أفغاني لواشنطن للتفاوض علي اتفاق بين الولاياتالمتحدةوأفغانستان بحيث يتيح استمرار وجود آلاف العسكريين الأمريكيين في البلاد بعد عام2014, وهو العام ذاته الذي سبق ان اعلنت واشنطن انه سيكون موعد نقل الإشراف الأمني الكامل للأفغان ايذانا بالخروج النهائي من البلاد. ولكن مما آثار دهشة السفير ان بقاء القوات قد يستمرعلي الأقل لما بعد عام2024! وطرح السفير الروسي سؤالا تناقلته وسائل الإعلام وكان:'لا أفهم لماذا هم في حاجة لمثل تلك القواعد؟!فإذا تم الإنتهاء من المهمة,وإذا تمت هزيمة الإرهاب, وإذا تمت استعادة السلام والإستقرار لهذا البلد فلماذا تكون هناك حاجة لاستمرار القواعد؟'. وهنا تأتي كلمة'الغاز الطبيعي'والجغرافيا السياسية والاستراتيجية كإجابة بسيطة وسهلة تكفي لإزالة العجب. فقد جاء شهر يوليو2004 ليشهد وضع ختم يحمل عبارة'تمت إجازة النشر'فوق وثيقة من4 صفحات تحمل عنوانا واضحا هو:'مقترح اقامة خط انبوب غاز عبر افغانستان:مشروع لم يبدأ بعد'. وكانت تلك الوثيقة صادرة عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وقد تناولت الوثيقة اللقاء الذي تم بين قادة كل من تركمانستان وأفغانستانوباكستان في شهر يوليو2002 من أجل اضفاء الصبغة الرسمية علي مشروع انشاء خط انبوب غاز بطول1680 كيلومترا لنقل الغاز الطبيعي من منابعه في تركمانستان ليمر عبر أفغانستان وصولا الي باكستان حيث يتم تحويل الغاز الي سائل في معامل معدة لهذا الغرض عند ميناء جوادار وذلك قبل تصديره الي انحاء العالم.ونوهت الوثيقة الي وجود مرحلة ثانية للمشروع تتعلق بتصدير الغاز الي الهند وهو ما يجعل المشروع اداة فعالة لخدمة اقتصاديات المنطقة بالإضافة لقيامه بدور مهم في تحسين العلاقات بين الدول المشاركة. ورجحت التقديرات الواردة بالوثيقة ما يمكن ان تجنيه افغانستان مقابل مرور خط الغاز بمبلغ يتراوح بين100 و300 مليون دولار سنويا( وفق أسعار عام2002) الي جانب حقها في شراء جانب من الغاز الذي يمر بأرضها مما يسهم في مشروعات التنمية. لم يكن اهتمام المخابرات الأمريكية بالخط امرا غريبا فقد كانت هناك شركات امريكية تسعي بالفعل لتنفيذ المشروع خاصة شركة' يونوكال'وذلك منذ منتصف التسعينيات وان ما عرقل تحويل المشروع الي امر واقع كان تفجر الصراع بين اسامة بن لادن- المقيم في افغانستان في ذلك الوقت- من جانب والولاياتالمتحدة من جانب آخر. ولكن وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عاد الأمل من جديد وظهر الإهتمام الأمريكي باستمرار المشروع وبالفعل وقعت كل من باكستان والهند وأفغانستان علي اتفاق اطاري لإستيراد الغاز من تركمانستان في عام2008 ووقعت حكومات الدول المشاركة اتفاقا بشأن خط الغاز في شهر ديسمبر.2010 وفي شهر يوليو الماضي اعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اثناء وجودها في العاصمة الهندية نيودلهي ان خط الغاز المقترح يعد بمثابة' طريق حرير جديد'في المنطقة ودعت دول المنطقة الي التعاون فيما بينها في هذا المضمار بل وتطرقت الي مشروعات لشق الطرق ومد خطوط السكك الحديدية ومشروعات الطاقة. وبالتأكيد فإن كلينتون لايمكنها ان ترتضي لبلادها وشركات بلادها وشعب بلادها التخلي عن الإستفادة من هذا المشروع خاصة في زمن الأزمات المالية والإقتصادية,كما لايمكنها ان تقبل بأن تكون الشركات الصينية والروسية والإيرانية بديلا عن نظيراتها الأمريكية التي كانت تسعي للعمل في المنطقة منذ منتصف التسعينيات. ووفق معطيات الموقف الأمريكي فإن الرغبة في الوجود العسكري طويل الأمد داخل أفغانستان يرجع الي عدة عوامل: (1)الحفاظ علي قواعد للتدخل السريع في المنطقة. (2) الوجود العسكري في منطقة تعد رأس جسر ثابت يمكن الإنطلاق منه الي ايران ذات الآمال النووية غربا والصين العملاقة إقتصاديا وصاحبة الطموحات العسكرية والتكنولوجية شرقا وجمهوريات آسيا الوسطي الثرية شمالا وباكستان والهند النوويتين حنوبا. (3) الحفاظ علي مواقع قريبة من جنوبروسيا الإتحادية بعد الضغوط التي تعرض لها الوجود الأمريكي العسكري في جمهوريات آسيا الوسطي. (4) الحفاظ علي موقع متقدم في منطقة تري الولاياتالمتحدة انها تمثل بيئة ملائمة لتوليدالإرهاب الدولي وللأنشطة المناوئة لسياساتها علي المستوي العالمي. (5) حماية المصالح الاقتصادية والتجارية في المنطقة التي يتوقع لها الإزدهار في حالة تحقيق الاستقرار. وهكذا تبدو اليوم الصورة اكثر وضوحا بعد مرور عقد كامل من الزمان علي هجمات11 سبتمبر.2001فقد كانت تلك الهجمات والرغبة في مطاردة بن لادن هي المبرر الذي ساقته وقتها ادارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن للتدخل عسكريا في افغانستان.فساعتها كان اسم'اسامة بن لادن'هو الذي يتردد عبر وسائل الإعلام الغربية في انحاء الكرة الأرضية,فهل كان هذا الإسم هو الإسم الحركي'للغاز الطبيعي'الذي تطارده الولاياتالمتحدة وأوروبا في كل مكان؟!