تزايد الجدل في الأسابيع الماضية حول توقف قطار الربيع العربي في محطة دول الخليج, وتحديدا في الكويت, حيث لم تعد المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات تتوقف, بل تحولت إلي ظواهر سياسية واجتماعية جماهيرية, تختلف عن الديوانية التقليدية, وترفع فيها مطالب إصلاحية, وتبعث رسائل سياسية محددة إلي نظام الحكم, علي نحو ما حدث في جمعة الغضب27 مايو2011 وجمعة الشباب الحقيقة في16 سبتمبر ومهرجان ساحة الإرادة في21 سبتمبر, وشارك فيها تجمعات سياسية وكتل برلمانية وحركات شبابية( مثل شباب السور الخامس وكافي), وكذلك حركات احتجاجية مثل انهض ونريد وأحزاب غير قانونية وغير معترف بها( حزب الأمة). وكان القاسم المشترك بين مطالب هؤلاء المحتجين هو الاستياء من الأوضاع القائمة في الكويت, وضرورة تغييرها لبلوغ كويت الغد, حتي لا يرتفع سقف المطالب, مثلما حدث مع الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية. وهنا يمكن ملاحظة تأثر جموع المحتجين في الكويت بعدوي الحالة الثورية والانتفاضات الشعبية والحركات الاحتجاجية القائمة في المنطقة العربية, من مراكش إلي المنامة, وبخاصة مع بدء الاستجابة لمطالب المحتجين. ورغم التشابه النسبي للظروف في الحالات العربية المختلفة إلا أن هذا التشابه لا يعني بأي حال نجاح الاستنساخ للتجربة في الكويت. فالبيئة الحاضنة تنطوي علي قدر كبير من الاختلاف, وهو ما يجعل التغيير في إطار النظام القائم وليس طرح بدائل مغايرة له, وهو ما عبر عنه النائب وليد الطبطبائي بالقول أن نسائم الربيع العربي تهب علي الكويت, ولكن ليس لإسقاط النظام بل لإصلاحه. وبالتالي, فإن هناك فارق خصوصية وليس فارق توقيت بين الكويت وغيرها من الدول, حيث أن لكل بلد ربيعه الخاص. ووفقا لوجهة النظر هذه, فإن نظام الحكم في الكويت, لم يحصد من الربيع العربي مكاسب أو خسائر فيما يخص شرعية وجوده واحتمالات بقائه. فالكويت محصنة ضد الثورة لأن مواطنيها مهما عارضوا نظام الحكم, فإن معارضتهم لن تتعدي المطالبة بالإصلاح لعدم استعدادهم للدخول في مغامرات لايتوقع عواقبها. لكن ذلك التوجه لا يعني الجمود وإنما يستلزم العمل علي إحداث تراكم في المكاسب الإصلاحية التي تحققت علي مدي العقدين الماضيين. وقد تمثلت محاور القضايا التي تركزت عليها شعارات المحتجين, بحيث تنتقل الكويت علي أساسها إلي حالة ربيع عربي دائم, فيما يلي: أ- ترسيخ دعائم الإمارة الدستورية. تطرح بعض القوي السياسية والتيارات الفكرية دعوة لبلورة إمارة دستورية في دولة الكويت, لكن هناك إشكالية رئيسية وهي غياب تحديد واضح ما إذا سوف تكون هذه الإمارة علي شاكلة النموذج البريطاني في أوروبا أو النموذج الهندي في أسيا أو نموذجي المغرب والأردن في المنطقة العربية. إن الكويت تقع في منطقة وسط بين الملكية الدستورية الكاملة والحكم الأميري المطلق, وهو ما يطلق عليه نموذج بين بين. وفي هذا السياق, كان المحور الأساسي في شعارات المحتجين إسقاط حكومة الشيخ ناصر المحمد, بحيث تكون منتخبة من قبل المجتمع الكويتي, ويكون رئيسها من خارج الأسرة الحاكمة آل صباح التي تحكم الكويت منذ أكثر من مائتين وخمسين عاما, وهو ما برز في شعارات الشعب يريد إسقاط الرئيس والشعب أعلن مطلبه..حكومة منتخبة وحدة وحدة وطنية.. حكومة شعبية, حرية..حرية..حكومة شعبية, وأرحل.. أرحل يا ناصر, ما بني نشوفك باكر. ويستند هؤلاء إلي أن المطالبة بذلك هي حق دستوري لأن الدستور لم يشترط أن يكون رئيس الوزراء من الأسرة الحاكمة. ب حل مجلس الأمة الحالي, هناك دعوة أطلقها المحتجون تتعلق بحل مجلس الأمة وإجراء انتخابات مبكرة, وهو ما اتضح جليا في شعارات نطالب بحل مجلس الأمة دستوريا, لأنه يعبر عن رأي الأمة وتطلعاتها ومجلس أمة ساقط. وقد تزايدت هذه الدعوة بعد اكتشاف تضخم الحسابات المصرفية لتسعة من النواب في المجلس بسبب إيداع أموال يفترض أنها غير قانونية. وفقا لما تطرحه وسائل الإعلام ونواب المعارضة فإن الأموال المقدرة ب350 مليون دولار تم منحها للنواب مقابل تصويتهم علي ملفات أساسية, وهو ما يثير تساؤلا محوريا: هل يعقل أن الشعب الكويتي سيقبل أي تشريع من مجلس يضم نوابا متهمين في الذمم المالية الخاصة بهم, بما يعطل أو يلغي الدور الرئيسي للبرلمان المتمثل في الرقابة علي عمل الحكومة ومساءلتها ومحاسبتها, لاسيما أن كل الدراسات والتقارير التي تصدرها المنظمات الدولية المختصة حول الفساد تقول أن الفساد جزء لا يتجزأ من تركيبة النظم السلطوية, أما في الدول الغربية فنجد أن نسبة الفساد أقل لأسباب عدة, أهمها الديمقراطية والمحاسبية, وهو ما قد يشكك في تطور التجربة الديمقراطية في الكويت, حيث شهدت البلاد علي مدي السنوات الأربع الماضية استقالة ست حكومات متتالية برئاسة الشيخ ناصر المحمد نتيجة إصرار نواب في مجلس الأمة الكويتي علي استجواب الوزراء, فضلا عن حل مجلس الأمة ثلاث مرات, مما أدي إلي حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلاد. ج مواجهة جذور الفساد. برز الاتجاه الداعي إلي محاربة الفساد في شعار المحتجين حيث أصبح الفساد أحد العناصر الرئيسية في التأثير سلبا علي مسار التطور السياسي في الكويت وذلك من خلال إفساد بعض أساليب الممارسة الديمقراطية كالانتخابات النيابية والعملية التشريعية وأداء الأجهزة التنفيذية, فيما يطلق عليه ب فساد التربح, وهو ما أوضحته قضية الإيداعات المليونية. وقد تم التعبير عن ذلك في عبارات من قبيل الفساد بلغ حده ونواجه بيع الكويت وشراء النواب بالجملة والشعب يريد إسقاط الفساد وإسقاط الراشي والمرتشي وضد فلسفة الحكومة مالي وأنا حر فيه وفزعتكم مطلوبة ضد الفساد والعبث بمقدرات وطنكم ونطالب بإغلاق قنوات الفساد ومحاسبة سراق المال العام ووقف الرشوة الخاصة والمناقصات. كما تطرقت الشعارات إلي تصاعد تأثير المال السياسي في الانتخابات البرلمانية الماضية ويتوقع استمرار هذا الملمح في الانتخابات القادمة وهو ما برز في شعارات مثل نريد محاكمة من قدم الرشوة واشتري مجلس الأمة والمجلس الحالي لا يمثل الشعب.. بل يمثل من اشتراه بالرشوة ولن نطوي الملف ولن نفتح صفحة جديدة قبل محاكمة المفسدين خلف القضبان في المحاكم وكل أموال الشعب سيعيدها الشعب وسنفتح كل الملفات. ولم تكن هذه الشعارات عفوية أو تلقائية, بل هي أقرب إلي الواقع حيث تراجع ترتيب الكويت في مؤشرات الفساد, وفقا للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية ومؤشر مدركات الفساد ومؤشر دافعي الرشوة والتقرير العالمي عن الفساد. ومن هنا, جاء قرار مجلس الوزراء إنشاء هيئة مكافحة الفساد( بشرط تضمنه كشف الذمة المالية) تمهيدا لعرضه علي مجلس الأمة. د- اعتماد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة. يدور جدل واسع النطاق داخل الكويت في المرحلة الحالية حول مسألة مدي دستورية اعتبار الكويت دائرة انتخابية واحدة بدلا من خمسة دوائر انتخابية المطبق حاليا, بحيث يتم اختيار النواب علي أساس الأفكار والبرامج وتتراجع الولاءات القبلية والنزعات الطائفية كمحددات حاكمة من جانب المرشح الكويتي في اختياره للنائب, وهو ما برز في شعارات حكومة منتخبة ودائرة واحدة والدائرة الواحدة ونظام القوائم النسبية ضد الطائفية والقبلية. فضلا عن ذلك برزت في شعارات المحتجين المطالبة بتشكيل هيئة مستقلة للانتخابات وعدم إشراف الحكومة عليها. خلاصة القول إن التحدي الذي يواجه الكويت حاليا هو استيعاب رسالة الربيع العربي الذي يطرق أبواب ونوافذ دول المنطقة, من خلال إعطاء الديمقراطية الاولوية لكن في إطار من الخصوصية بما يجنبها الهزات الحادثة في بنية النظم السياسية وأجهزتها الأمنية وأوضاعها الاقتصادية وهياكلها الاجتماعية من جانب. كما أن وصول قطار الربيع العربي إلي الكويت مرهون بمواجهة احتكار السلطة والاستئثار بالثروة وإنهاء ملف الفساد من جانب أخر, إلا أن قوي البقاء والاستمرار تبدو أقوي من قوي الإصلاح والتغيير, وهي المعضلة الحقيقية التي يتعين التعامل معها.