توافد آلاف المصلين على ساحة مسجد السلطان لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    توافد المصلين لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بساحات الجيزة.. صور    الألاف يصلون صلاة عيد الأضحى في مجمع أبو العباس بالإسكندرية    عيد الأضحى 2024| توافد أهالي وزوار مطروح على الساحات لأداء صلاة العيد.. صور    القنوات الناقلة لمباراة إنجلترا وصربيا في كأس أمم أوروبا يورو 2024    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباراة المقاولون العرب وطلائع الجيش    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم على طريق بحيرة قارون السياحي بالفيوم    بالصور.. الآلاف من أهالي الإسكندرية يؤدون صلاة العيد في أكثر من 200 ساحة    بالصور والفيديو.. توافد الآلاف من المصلين على مسجد خاتم المرسلين بالهرم لأداء صلاة العيد    عاجل - بث مباشر شعائر صلاة عيد الأضحى المبارك 2024 من مسجد السيدة زينب    بسبب صلاة العيد، زحام مروري بمصر الجديدة (فيديو)    بدء توافد مواطني الأقصر على ساحة أبو الحجاج لأداء صلاة عيد الأضحى (بث مباشر)    محمد رمضان يحقق 80 ألف مشاهدة بأغنية العيد "مفيش كده" في ساعات    الاحتلال يمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى قبيل صلاة عيد الأضحى (فيديو)    الرئيس السيسي يشيد بحسن تنظيم السلطات السعودية لمناسك الحج    الأرصاد: درجات الحرارة على محافظات الصعيد أول أيام العيد تصل إلى 48    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى فى مشعر منى    حماس: نتنياهو يراكم كل يوم العجز والفشل.. والحقائق تؤكد انهيار جيش الاحتلال    قوات الاحتلال تمنع مئات الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    محافظ جنوب سيناء يشارك مواطني مدينة الطور فرحتهم بليلة عيد الأضحى    ريهام سعيد: «أنا عملت عملية وعينيا باظت ومش محتاجة حد يصدقني» (فيديو)    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    الجمعية المصرية للحساسية والمناعة: مرضى الربو الأكثر تأثرا بالاحترار العالمي    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    ننشر موعد صلاة عيد الأضحى المبارك لعام 1445ه‍    تعرف على سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم في السعودية الاحد 16 يونيو 2024    متلازمة الصدمة السامة، ارتفاع مصابي بكتيريا آكلة اللحم في اليابان إلى 977 حالة    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في القاهرة والمحافظات    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة جرائم إسرائيل    «الغرف التجارية»: زيادة الاحتياطى يزيد من ثقة المستثمرين    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    أثناء الدعاء.. وفاة سيدة من محافظة كفر الشيخ على صعيد جبل عرفات    «التعليم العالى»: تعزيز التعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الإمارات    تأسيس الشركات وصناديق استثمار خيرية.. تعرف علي أهداف عمل التحالف الوطني    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    استقبال تردد قناة السعودية لمشاهدة الحجاج على نايل سات وعرب سات    عاجل.. رد نهائي من زين الدين بلعيد يحسم جدل انتقاله للأهلي    دعاء النبي في عيد الأضحى مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة كان يرددها الأنبياء في صلاة العيد    تشكيل غرفة عمليات.. بيان عاجل من "السياحة" بشأن الحج 2024 والسائحين    طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي    غرامة 5 آلاف جنيه.. تعرف علي عقوبة بيع الأطعمة الغذائية بدون شهادة صحية    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    خوفا من اندلاع حرب مع حزب الله.. «أوستن» يدعو «جالانت» لزيارة الولايات المتحدة    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأهرام تستطلع مسار الثورة في تونس‏
كيف يجري الانتقال إلي الديمقراطية
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 10 - 2011

قبل أن تدخل من‏'‏ باب البحر‏'‏ الي المدينة القديمة بأزقتها الضيقة العتيقة ومعمارها الإسلامي المميز‏,‏ ينتهي نهج‏(‏ شارع‏)'‏ الحبيب بورقيبة‏'‏ العصري الرحب , بتمثال ل' عبد الرحمن ابن خلدون' مؤسس علم العمران البشري( الإجتماع), و الذي ولد في تونس بلد جامع' الزيتونة' عام1332.وعاش بها قبل أن يرتحل الي الجزائر و فاس بأقصي المغرب ويتوفي في القاهرة بلد' الجامع الأزهر' عام.1406 وأمام التمثال بإمكانك علي وقع تونس2011 التي تتغير إستعادة عبر ودروس مقدمة صاحبه في تاريخ الأمم والممالك. تماما مثلما أجابتني' نزيهة رجيبة'( أم زياد) الصديقة و الكاتبة المعارضة لحكم الرئيس المخلوع' زين العابدين بن علي في عنفوانه وأوانه' عن السؤال:' كيف حدث.. والجميع لم يكن يتخيل.. وحتي أنت في زيارتك الأخيرة للقاهرة لم تتوقعيه ؟'
فقد إستشهدت بتشبيه إبن خلدون صاحب عبارة الظلم مؤذن بخراب العمران عن تألق دولة الظلم والإستبداد عشية زوالها بشمعة يزيد إحتراقها قبل أن تخمد شعلتها. والمنطق نفسه في تفسير الإنهيار السريع المفاجئ لسلطة بن علي تجده بين صفحات كتاب إنها الثورة يامولاي الصادر للتو من المطابع التونسية للمعارض العائد من المنفي المنصف المرزوقي. وقد إستشهد بدوره بعبارة للكاتبة الألمانية المناهضة للنازية والصهيونية حنا آرندت القائلة بأنه في الدكتاتورية يبدو كل شئ علي مايرام حتي ربع الساعة الأخيرة ولا أدل علي تحولات تونس بعد الثورة من أن' مختار جلالي زوج أم زياد والذي طالما لاحقته الدولة البوليسية و أستهدفته بالتشهير والمضايقات هو الآن وزير للفلاحة في الحكومة المؤقتة وأن المرزوقي أصبح يترأس حزبا شرعيا المؤتمر من أجل الجمهورية من بين111 حزبا حصلت علي الترخيص القانوني و تخوض إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي المكلف بوضع دستور جديد, والمقرر لها23 أكتوبر الجاري. وإن كان هذا العدد من الأحزاب في بلد يتجاوز تعداده بالكاد العشرة ملايين نسمة مثارتندر. بل وشكوك وإرتياب مراقبين يعتقدون بأن ثمة تدبير جهنمي في تصريح وزارة الداخلية لكل هذا العدد من الأحزاب للتشويش علي الإختيارات الإنتخابية لأغلبية المواطنين الذين يعانون أصلا من أمية سياسية, بعد سنوات الديكتاتورية الطويلة و حزب واحد يحكم منذ55 عاما وسبعة أحزاب كومبارس. وعلما بأن المهتمين بالشأن العام يتداولون تقديرات تذهب الي أن أربعين من بين الأحزاب المجازة بعد الثورة مجرد واجهات لرجال الصف الثاني من الحزب الحاكم المنحل التجمع الدستوري, و يدعمها رجال أعمال كانوا مرتبطين بنظام بن علي وعائلته ممن يطلق عليهم رأسمالية المحاسيب.
شارع الحبيب بورقيبة الأكثر شهرة في تونس العاصمة منذ عهد الحماية الفرنسية(1881 1956) لحقت به هو الآخر تحولات الثورة الأولي الملهمة فيما بات يعرف ب الربيع العربي. فمقابل مبني وزارة الداخلية رمز القمع الرهيب في عهد زين العابدين, شاهدت تونسيين في أحد المقاهي التي تشغل الرصيف في نقاش حر. يتبادلون في الهواء الطلق ميكرفونا محمولا مع أمانيهم عن مكونات الدستور الجديد. دستور الجمهورية الثانية الذي سيخلف دستور عام1959, والذي طالما تعرض لتعديلات في عهد( بورقيبة بن علي) زادت من سلطة الحاكم الفرد شبه المطلقة و منحت البلاد تعددية حزبية شكلية ليس إلا.
المشهد الإعلامي يتغير
في الشوارع الجانبية المتفرعة من الحبيب بورقيبة تطالع لافتات تحمل أسماء صحف جديدة عديدة حملتها رياح الثورة و أولها يومية المحرر. وكما يقول الدكتور ز أعداد الصحف اليومية أو الأسبوعية التي صدرت بعد الثورة أو تلك التي في طريقها الي الصدور يفوق بكثير أعداد تلك التي كانت تصدر بحلول نهاية عهد بن علي. كما جري الترخيص لإصدار13 إذاعة وخمس قنوات تليفزيونية جديدة. لكن الحيزاوي وسط أصوات مرحبة لكنها تخشي من فوضي إعلامية يتحفظ علي بقاء جانب كبير من وسائل الإعلام تحت أيدي من اسماها القوي القديمة التي تجاهد للحفاظ علي إمتيازاتها. ويتحدث الحيزاوي بإستفاضة في ندوة الإعلام التونسي: التركة الثقيلة وكيف نؤسس للمستقبل والتي كنت الصحفي المصري الوحيد الذي دعي إليها عن صعوبات الإنتقال من الإعلام الحكومي إلي الإعلام العمومي بالنسبة لتلك الوسائل المملوكة للدولة وبخاصة الإذاعة والتليفزيون.
إلا ان هذه التحفظات يجب ألا تخفي بريق التحولات الجارية في المشهد الإعلامي الصحفي خلال هذه المرحلة الإنتقالية, ومن ملامحه أن القوي السياسية التي ظلت محجوبة عن الشرعية أصبح لها منابرها مع رفع القيود والرقابة. ومثال ذلك صحيفة الفجر الأسبوعية الناطقة بلسان حزب حركة النهضة( الإسلامية). والأهم أن السلطة الإنتقالية ممثلة في الحكومة برئاسة الوزير الأول الباجي القائد السبسي ورئيس الجمهورية فؤاد المبزع ودون إنتظار إنتخاب برلمان وتأسيس شرعية جديدة منتخبة أصدرت مرسوما يتيح الحصول علي المعلومات من الجهات الإدارية وبسبيلها الي إعتماد مرسوم آخر بقانون جديد للصحافة يلغي الحبس في قضايا النشر, وهذه القوانين الجديدة التي تعد بحق تطورا إيجابيا في تاريخ وواقع الصحافة العربية بأسرها تقدمت بها الهيئة المستقلة لإصلاح الإتصال والإعلام برئاسة الصحفي والحقوقي المخضرم كمال العبيدي. والهيئة بالأصل إحدي خمس هيئات ولجان جري إستحداثها بعد الثورة. تشكلت وعملت تحت ضغط التظاهرات والإعتصامات الجماهيرية لهندسة عملية التحول الي الديموقراطية خلال مرحلة الإنتقال الأولي التي تنتهي بممارسة المجلس التأسيسي المنتخب لصلاحياته. والهيئات الخمس تؤدي مهامها وفق ما اسماه الدكتور فتحي النوري الأستاذ بالجامعة التونسية ب الشرعية الوفاقية في دولة بلا دستور و سلطات منتخبة. وتتقدمها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة, وتقوم بمقام برلمان غير المنتخب وتضم ممثلين عن المجتمع المدني و القوي السياسية, بما في ذلك التي كانت محظورة ومحجوبة عن الشرعية. وهناك أيضا اللجنة العليا للإشراف علي الإنتخابات و لجنتان لمكافحة الفساد وتقصي الحقائق في أحداث الثورة. واللافت أن إثنتين من هذه الهيئات يتولي رئاستها مثقفان عائدان من المنفي: العبيدي للإعلام وكمال الجندوبي للإنتخابات. ولكن كيف تعمل هذه المؤسسات إلي جانب السلطة المؤقتة التي تجمع التشريع والتنفيذ معا ممثلة في حكومة السبسي و رئاسة المبزع؟
لقاء القصبة
الإجابة قد تتلخص في الشرعية الوفاقية التي حددت أمام التونسيين خريطة طريق الي ديموقراطية الجمهورية الثانية تتكون من مرحلتين إنتقاليتين تفصلهما إنتخابات المجلس التأسيسي هذا الشهر. ولأن الشرعية الوفاقية مجرد عنوان للمرحلة الأولي فقد إجتهدنا للتعرف علي مفاتيحها من خلال حوارات مطولة بمواقع عدة بالعاصمة التونسية. و في مقر الوزارة الأولي( رئاسة الوزراء) ب القصبة الذي يعود الي القرن السابع عشر بدهاليزه الضيقة المراوغة وجدرانه الداخلية المبطنة بقطع الموزاييك الأندلسية المنمنمة, إلتقيت بالوزير رضا بالحاج(50 عاما) والمكلف بملف الإنتقال الديموقراطي. وهو بالأصل محام و حقوقي مستقل لم يترشح في أية إنتخابات أو ينتم الي أي حزب في عهد بن علي كما قال. وقد زودني مشكورا بصور المراسيم التي تنظم العلاقة بين السلطات وتنشئ هيئات المرحلة الإنتقالية بعد إنهاء العمل بدستور الجمهورية الأولي. ويتبين منها أن مرسوم23 مارس الماضي الخاص بالتنظيم المؤقت للسلطات ينص علي مواصلة رئيس الجمهورية المؤقت لرئاسة الدولة حتي تاريخ مباشرة المجلس التأسيسي لمهامه, و يقضي بجمع الرئيس والحكومة بين سلطتي التنفيذ والتشريع وبالإبقاء علي السلطة القضائية و سريان القوانين القائمة. و اللافت ان هذا المرسوم( الأم) يحظر علي الرئيس وكافة أعضاء الحكومة الترشح لعضوية المجلس التأسيسي أو لأية إنتخابات أخري بعد وضع الدستور الجديد. ولا يتضمن المرسوم أي إشارة الي المؤسسة العسكرية. تماما كوثيقة إعلان المسار الإنتقالي المنظمة لملامح المرحلة الإنتقالية الثانية التي تستغرق عاما واحدا. تبدأ بممارسة المجلس التأسيسي لصلاحياته و إختيار رئيس جمهورية وحكومة جديدين, وتنتهي بوضع دستور الجمهورية الثانية في غضون العام الواحد. وهذا الإعلان صدر الشهر الماضي بإتفاق القوي السياسية الرئيسية وبرعاية رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة الدكتور عياض بن عاشور. والجيش التونسي وهو محل تقدير بين المواطنين والنخبة السياسية لإنحيازه الي جانب الثورة يكتفي بحراسة عملية التحول الديمقراطي عن بعد. كما يتولي حاليا حراسة أبرز المنشآت العامة والسيادية, بما فيها ساحة القصبة, وفضلا عن ذلك فلا ثقل خاص داخل السلطة الإنتقالية يتمتع به وزير الدفاع الجديد عبدالكريم الزبيدي, والذي خلف رضا قريرة المسجون منذ20 سبتمبر الماضي والمتهم بالفساد وبمساعدة الرئيس المخلوع علي الهرب الي السعودية.
ويقول الوزير بلحاج إن مرسوم تنظيم السلطات المشار اليه أشبه ب إعلان دستوري أصدره مجلس الوزراء ووقعه الرئيس المبزع. ويوضح: قبل وضع المرسوم تشاورنا مع الأحزاب والقوي السياسية الرئيسية حول بنوده وكيفية القطيعة مع المنظومة السابقة, ويضيف قائلا: المرسوم يمنح الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة دورا إستشاريا.. لكن يظل لرأي الهيئة طابع الإلزام المعنوي.. ولنا حق في إدخال تعديلات علي مشاريع المراسيم التي ترفعها الهيئة الينا, بما في ذلك تلك المراسيم التي تعتمدها بعدما تتقدم بها إليها الهيئات الإنتقالية المستحدثة الأخري كتلك الخاصة بالإنتخابات أو الإعلام, لكن في الممارسة العملية كانت كل تعديلات الحكومة ورئيس الجمهورية جد محدودة.
ولأن رئيس الوزراء السبسي(85 عاما) ينتمي الي البورقيبية وقد دلل علي وفائه لزعيمه بكتاب صدرت ترجمته العربية هذا العام بعنوان الحبيب بورقيبة المهم فالأهم ولأن المبزع(78 عاما) رئيس الجمهورية ظل رئيسا لمجلس النواب( البرلمان) في عهد بن علي قرابة12 عاما فقد سألنا الوزير بلحاج كيف تسير الأمور بين الرجلين وفي ظل نظام حكم موروث يمنح رئيس الدولة سلطات شبه مطلقة, فأجاب: جري تعديل العلاقة المختلة لصالح رئيس الجمهورية وتم منح سلطات أوسع لمجلس الوزراء.. لكن الرئيس يحتفظ بسلطة إصدار المراسيم بعد دراستها من جانب الحكومة. ويضيف: في كل الأحوال فإن النظام الحالي إنتقالي توافقي.. ورئيس الدولة أحيانا ما يترأس مجلس الوزراء.. والمناقشات تدوم أحيانا لسبع ساعات في الجلسة الواحدة.
حورات خير الدين باشا
تشغل هيئة أهداف الثورة و لجنتا تقصي حقائق الفساد وأحداث الثورة ثلاثة طوابق في عمارة بنك الإسكان بشارع خير الدين باشا بتونس العاصمة. وهو مثقف وسياسي إصلاحي وعنوان علي مشروع الحداثة في تونس بل والدولة العثمانية في القرن التاسع عشر. كما شارك عام1860 في وضع أول دستور بتونس يصدره بلد إسلامي في العصر الحديث, وفق وصف ألبرت حوراني في كتابه الفكر العربي في عصر النهضة. ويقول عبدالفتاح عمر رئيس لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد لقد قمنا بالكثير لكن ينتظرنا الأكثر, وهو يشير الي تلقي اللجنة نحو عشرة آلاف ملف( بلاغا) من المواطنين وثلاثة آلاف أخري من وزارات ومصالح عامة. ويكشف عن أن اللجنة وضعت يدها علي وثائق مهمة في مقر قصر الرئاسة بقرطاج, فضلا عن أموال ومجوهرات وقصر خاص شيده الرئيس المخلوع بضاحية سيدي بوسعيد علي أراض الدولة إشتراها بأسعار زهيدة. ومن بين الملفات المشار اليها يصف عبدالفتاح226 منها بأنها ثقيلة ومتشعبة وجري الإنتهاء من فحصها وإحالتها الي النيابة العامة. وهي تتعلق ب800 شخصية يتقدمها الرئيس المخلوع وعائلته وكبار مسئوليه ورجال أعمال. وكان رئيس الجمهورية المؤقت قد أصدر في14 مارس الماضي مرسوما بمصادرة الأموال والممتلكات المنقولة والعقارية حصلت الأهرام علي صورة منه لقائمة تضم122 شخصية, وعلي رأسها الرئيس المخلوع وزوجته وأبناؤه وأقاربه واصهاره.
لكن هل هذا يكفي لتهدئة الرأي العام؟.. يجيب رئيس اللجنة بالنفي, قائلا: توقعات الناس مشروعة.. والإجراءات المتخذة ليست علي مستوي هذه التوقعات.. وكم كان بالود أن نأخذ بمنطق العدالة الإنتقالية فننشئ لجنة للتحقيق والعدالة و المصارحة ثم المصالحة.. كان المطلوب هيئة خارج القضاء تعمل بصورة علنية. إلا ان الرجل يؤكد ان غالبية الإدارات بما في ذلك الأمنية والعسكرية تتعاون مع عمل اللجنة وتمدها بالوثائق. ويضيف: أمدنا الجيش بوثائق مهمة تتعلق بالتفريط بصورة غير سليمة في أراض كانت تتبعه وبمصاريف صحية أنفقتها وزراة الدفاع علي الرئيس المخلوع وعائلته بما في ذلك تجهيز مستشفي بقصره الخاص ب( سيدي بو زيد) و التكفل بمصاريف يخت كان يمتلكه. وكلها ملفات أحلناها للنيابة العامة.
وفي مقر لجنة تقصي حقائق أحداث الثورة, يقدم لنا توفيق بو دربالة رئيسها المحامي والمدير السابق لأقدم المنظمات الحقوقية العربية الرابطة التونسية لحقوق الإنسان قائمة بضحايا قمع ثورة الياسمين نتبين منها ان عدد الشهداء بلغ244 شهيدا و الجرحي.1489 ويقول: أعددنا تقريرا أوليا حول أحداث الثورة سنصدره بعد إنتخابات23 أكتوبر لأننا نتجنب أن نعطي لأي طرف سياسي فرصة إستغلال التقرير. لكن أبرز ما توصلت له اللجنة من خلال زيارات لمختلف المدن والإستماع لشهادات ذوي الضحايا ورجال الأمن والإدارة والسياسة أن اللجنة قد تيقنت بأن الرئيس المخلوع لم يترك خلفه أي وثيقة تفوض أيا كان بسلطاته, وأن الجيش رفض أوامر بن علي قصف مدينة القصرين يومي26 ديسمبر و6 يناير وتونس العاصمة عندما إنتفضت في13 و14 يناير, ويضيف: تأكدنا من أن الفرنسيين أرسلوا سفينة محملة بقنابل الغاز أثناء أحداث الثورة. كما إنتهت اللجنة الي حدوث عمليات قنص للمتظاهرين رغم نفي الجهات الأمنية وجود فرق للقناصة. واللافت في تشكيل لجنة تقصي الحقائق في أحداث الثورة أن أغلبية أعضائها من السيدات(9 إجمالي17 عضوا).
غضب قاضية
في تونس ما بعد ثورة14 يناير يمثل كبار المتهمين بقتل المتظاهرين أمام المحاكم العسكرية التي جري تعديل قانونها ليسمح بدرجة ثانية من التقاضي. لكن هناك جانبا من التونسيين لا يثق بجدية المحاكمات, وتعبر عن ذلك قاضية التحقيق كلثوم بن كنو والتي أبلغتني انها إستقالت من عضوية الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وقالت: إستقلت لأن الهيئة تجاهلت فتح ملفي القضاء والإعلام. ولأنها بدت ضعيفة أمام الحكومة. وتضيف: حتي الآن لم يصدر حكم واحد علي قتلة المتظاهرين من محكمة مدنية أو عسكرية.. وهذا تباطؤ يجعل الناس تفقد الثقة في القضاء. وتذكر بأنه في أغسطس الماضي إندلعت مظاهرات تطالب بتطهير القضاء فرقتها الشرطة بالغاز..
إنقلاب قصر أم ثورة
ورغم ملامح التغيير والإنتقال نحو الديموقراطية في تونس, فإن هناك من يتجاوز حدود النقد والغضب إزاء ما يراه تباطؤا في مسار التحولات الي التشكيك في الثورة ذاتها. ومثال ذلك عبير شقرون الإذاعية الشابة براديو صفاقس والتي تقول: بالنسبة لي ولقطاع يمثل أقلية بين الرأي العام فإن ما حدث في البلاد لم يكن سوي إنقلاب قصر أجهض إنتشار الإنتقاضة وتحولها إلي ثورة
وتوضح قائلة: داخل أروقة السلطة جري صراع بين العائلات الإقتصادية السياسية أسفر عن التخلص من الرئيس نفسه وزوجته وعائلات مقربة منهما لصالح عائلات متنفذة أخري تجاهد للتحكم في مسار المرحلة الإنتقالية من خلف الستار, وتضيف: بالأصل كانت هناك رغبة أمريكية في التخلص من بن علي لأنه بات عبئا عليها, ووثائق ويكليكس التي تسربت قبل الثورة بأسابيع تؤكد هذا التوجه. ومع ذلك تقر شقرون بأنها كإعلامية أصبحت تتمتع بحرية أكبر بكثير مما كان عليه الحال قبل14 يناير.لكنها تستدرك قائلة: لدي تخوف بأن تنتكس الأمور وتعود الديكتاتورية لأن البلاد مازالت في قبضة قوي إقتصادية سياسية مرتبطة بالأمريكيين والفرنسيين والخليجيين.. وهؤلاء لن تسعدهم كثيرا تونس ديمقراطية.
إلا أن أم زياد لا تستسيغ ما تعتبره نظرية المؤامرة. وقالت و نحن نفترق أمام مقر نقابة الصحفيين: الإدعاء بأن ما جري مجرد التخلص من بن علي كي يستمر النظام نفسه إهانة كبري للحراك الشعبي. وتضيف: نعم كان نظام بن علي في عنفوانه وكأنه التوهج الأخير لشمعة إبن خلدون. لكن كيف لنا أن ننكر إرهاصات الثورة بين النخب والناس البسطاء, كحركة( يزي) التي تأسست استلهاما ل( كفاية) المصرية, وهي بالمناسبة ذات الكلمة بالعامية التونسية وحتي سباب مشجعي كرة القدم في المدرجات لأسرة بن علي وإضراب الحوض المنجمي الذي قمعته قوات الأمن بالرصاص في ولاية قفصة بالجنوب عام2009 وغيرها. وتضيف لاأنكر أن الغرب وحلفاءه يلعبون في الساحة.. لكن هذا ليس كل شئ بكل تأكيد.. ولننتظر ما ستسفر عنه إنتخابات المجلس التأسيسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.