والسؤال اذن: ماذا حدث إثر انتهاء الحرب العالمية الأولي؟ توارت عظمة فيينا في3 ابريل1919 عندما أعلنت جمهورية النمسا إلغاء ألقاب النبلاء, وعندما سادت المجاعة وحدثت أزمة في الوقود وشاع وباء الانفلونزا, وكانت من ضحاياه صوفي ابنة فرويد. وحدثت فوق هذا وذاك قطيعة مع الماضي. وحدث في بودابست عاصمة المجر ما حدث في فيينا ولكن بصورة مفرطة, إذ أصابت البطالة جماعة من العلماء المرموقين في الفيزياء والرياضيات فارتحل البعض إلي بريطانيا وإلي أمريكا للعمل في مجال القنبلة الذرية. أما البعض الآخر فقد بقي في بودابست وأسس ما يعرف باسم حلقة يوم الأحد برئاسة الفيلسوف المجري جورج لوكاتش, وهي حلقة تشكلت بفضل عاملين: الحرب العالمية الأولي والثورة البلشفية, وكان نقد الرأسمالية من حيث هي ظاهرة مرضية بسبب اختفاء روح الجماعة, وشيوع روح الوحدة والعزلة, ومن ثم كان علي أعضاء الحلقة تأسيس ثقافة الجماعة وليس ثقافة الفرد بحيث يكون الفرد معروفا لدي الآخرين, وبالتالي يكون معروفا لدي ذاته. وبغير ثقافة الجماعة يصبح الفرد هامشيا وتزداد هامشيته اذا كان يهوديا. وفي نهاية عام1919 توقفت الحلقة وصودرت أبحاثها لكنها استأنفت نشاطها في فيينا ولكنها توقفت للمرة الثانية. وفي مواجهة الشيوعية والرأسمالية صعد اليمين الراديكالي والسؤال إذن: ماذا يعني اليمين الراديكالي؟ الراديكالي هو الانسان الذي يبحث عن الجذور أو الأسس.واليمين الراديكالي هو الذي يريد المحافظة علي الجذور في نقائها, وهذه المحافظة تولد ذهنية الجيتو, وذهنية الجيتو تولد الاحساس بالعظمة. ومعني ذلك أن اليمين الراديكالي يشتمل علي ثلاثة مكونات: الجذور والجيتو والعظمة. وكان المعبر عن هذا الصعود لليمين الراديكالي هو الفيلسوف الألماني أزفلداشبنجلر(1880-1939) في كتابه العمدة انحلال الغرب إثر صدوره في جزءين في الفترة من1918 إلي.1922 وإثر نشره صدر عنه ما يقرب من أربعمائة كتاب ورسالة وذلك بسبب أن أفكاره كانت صادمة, والصدمة واردة بحكم مقصد اشبنجلر وليس بحكم منطق أفكاره. والسؤال اذن: ماذا كان مقصد اشبنجلر؟ الإعلاء من شأن الحرب والتحقير من شأن التكنولوجيا. فالحرب, عنده, هي التجسيد الأبدي للوجود الإنساني, لأن الحرب هي الخالقة لكل حدث عظيم. ولهذا فالدولة هي دولة القوة, والحرب من جوهرها. وبناء عليه فالتاريخ ليس من عمل الشعب إنما من عمل روح الشعب. والتكنولوجيا الغربية سلبت هذه الروح من الشعب الأوروبي لأنها في جوهرها قاتلة ومدمرة.والثقافة الرفيعة تنطوي علي مأساة لأنها, في النهاية, تموت بفضل التكنولوجيا وعلي الرغم منها. والسؤال اذن: كيف حدثت هذه النهاية؟ جواب اشبنجلر أن التكنولوجيا هي السبب في تحكم أوروبا في العالم, ولكنها عندما أصبحت ملكا للشعوب, وبالذات الشعوب المتخلفة, انتصرت علي أوروبا بفضل التكنولوجيا, وبعد انتصارها تنكرت للتكنولوجيا لأن روح هذه الشعوب المتخلفة تنفر من التكنولوجيا. وإثر انتهاء الحرب العالمية الأولي دخلت ألمانيا في حالة فوضي, وما كان علي اشبنجلر إلا أن حاول إحياء الروح القومية وانتزاع الاشتراكية من براثن الماركسية ودمج الاثنين معا, فبزغ منهما الحزب العمالي الألماني الذي انضم إليه أحد الجنود العائدين من الحرب. وكان هذا الجندي هو أدولف هتلر. والجدير بالتنويه أن الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي ألف كتابا عن اشبنجلر في عام1945, وكان وقتها يعد نفسه لكي يكون فيلسوف حزب مصر الفتاة, فقد كان رئيسا لمكتب الشئون الخارجية بهذا الحزب الذي كان منحازا إلي هتلر. والسؤال اذن: اذا كان حزب مصر الفتاة حزبا إسلاميا فهل ثمة علاقة أيديولوجية بين الأحزاب الاسلامية, في مصر, والحزب النازي؟ الجواب في المقالات القادمة. المزيد من مقالات مراد وهبة