تعددت وتكاثرت وتنوعت المطالب الفئوية لدرجة يصعب حصرها منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتي الآن, ولايكاد يمر اسبوع دون أن نشاهد مجموعة تخرج وتتظاهر معلنة انها لن تنهي إضرابها قبل أن تتحقق مطالبها. وشملت هذه الاضرابات قطاعات من العمال والموظفين والأطباء والمهندسين وسائقي القطارات والميكروباصات وعمال البريد والنقل العام وغيرهم, وكان آخرها تظاهر مجموعات من المدرسين واعلان اضرابهم في اليوم الأول للعام الدراسي الجديد وامتناع مجموعة محدودة منهم عن دخول الحصص في بعض المحافظات, بينما اكتفي آخرون بالحضور ودخول الفصول دون القيام بأي عمل, وتفاوتت نسبة المشاركة في هذه الاضرابات من محافظة إلي أخري, ورفضت مجموعات كبيرة الانخراط فيها مفضلين تقديم المصلحة العليا للوطن والقيام بأداء رسالتهم التعليمية وأداء واجبهم المهني وتلبية نداء هذا الواجب, وشهدت مدارسهم انتظاما ملحوظا في الدراسة من اليوم الأول بكل جدية والتزام, في الوقت الذي أعلن فيه وزير التربية د. أحمد جمال الدين موسي عقب زيارته لمدرسة المتفوقين في أكتوبر ان القائمين بالإضراب قلة ولا يمثلون جموع المدرسين ورفض بعضهم تصريحاته, مؤكدين انهم الأغلبية المدافعة عن حقوق زملائهم, مما أضطر الوزارة إلي اصدار توجيهاتها إلي المديريات التعليمية بالاستعانة بالموجهين ومدرسي المتابعة والاخصائيين الاجتماعيين والتربويين لسد أي عجز في هيئات التدريس بالمدارس في حالة الاستمرار في الاضراب ومطالبهم التي تتركز في صرف حافز المائتين في المائة كاملا واعادة هيكل الأجور بالوزارة. ونعرض في هذا المقال بعض ملاحظاتنا علي هذه المطالب المتكررة وتفاوت نسبتها في بعض المحافظات والتزام بعضها بالرسالة التعليمية حماية لمستقبل تلاميذهم وتفضيل المصلحة العامة علي المطالب الفئوية بوجه عام, حتي لا تكون لها أي تأثيرات سلبية علي العملية التعليمية, ونعرض أيضا لمدي استجابة الدولة في مجلس الوزراء والوزراء لهذه المطالب في ضوء الامكانيات المتاحة خاصة في هذه الظروف التي تمر بها البلاد مع بعض مقترحاتنا لوقف هذه التظاهرات والاضرابات والتوجه للعمل وزيادة الانتاج ودعم الاقتصاد المصري لحل كل هذه المشكلات. في البداية نقول ان الدولة لم تدخر جهدا رغم هذه الظروف لتلبية مطالب عديدة لمختلف فئات المجتمع حتي لو كانت في أقاصي البلاد, نذكر منها الزيارة السريعة التي قام بها رئيس الوزراء عصام شرف لأهالي النوبة والجلوس مع شيوخهم وشبابهم والاستماع إلي مطالبهم التي كانت معطلة طوال السنوات الماضية والاستجابة لحلها علي أرض الواقع, باعتبارهم الأهل والأقارب الذين يمثلون جزءا حيويا من نسيج الشعب المصري الذي يكن لهم كل تقدير واعزاز واحترام, وقد لقيت هذه الزيارة الاستجابة الفورية لمطالب أهل النوبة استحسانا كبيرا من كل المصريين حكومة وشعبا, خاصة انهم تحملوا كثيرا من المعاناة في الماضي, وقد جاء الوقت بعد الثورة ليحصلوا علي حقوقهم الكاملة. وزارة المالية جاءت موافقتها المبدئية علي اعتماد مبلغ 500 مليون جنيه لحل مشكلات المدرسين بناء علي طلب وزير التربية والتعليم كتأكيد جديد لرعاية الدولة للقائمين علي مهنة التعليم ودورهم الوطني في تربية النشء واعداد الأجيال الجديدة من شباب مصر الذين يبنون المستقبل, والاعتراف بأن بناء هذه الأجيال أصعب من بناء المصانع, ومنح المعلمين حافز ال75% من أول يوليو الماضي, بحيث يصرف لهم مع راتب شهر سبتمبر وبأثر رجعي ثلاثة أشهر. وهو نوع من التقدير الأدبي للمدرسين, إلي جانب التقدير المادي لهم والذي أتمني أن يكون دافعا جديدا لوقف ظاهرة الدروس الخصوصية التي يشتد لهيبها من اليوم الأول للدراسة دون أن يرحم حتي صغار السن في المراحل الابتدائية. ولنا بعض المقترحات الآتية: ضرورة اعطاء فرصة للحكومة لكي تلتقط أنفاسها لحل باقي المطالب الأخري للمدرسين في مرحلة لاحقة, كما أعلن رئيس الوزراء وقوله إن هناك مليونا ونصف مليون مدرس وستة ملايين موظف لهم مطالب ويصعب علي الحكومة الاستجابة لكل هذه المطالب مرة واحدة في ظل اقتصاد يعاني من مشكلات عديدة ويحتاج إلي جهود مضاعفة لكي يتعافي منها. وأخيرا: ومع اعتراف جموع الشعب المصري بمخاطر هذه الاعتصامات والمطالب الفئوية المتكررة التي أصبحت غير مستحبة وزادت علي حدها نهيب بكل القوي السياسية ورؤساء الأحزاب وكبار المثقفين الغيورين علي بلادهم ان يتكاتفوا جميعا لوقف هذه الظاهرة ولو لبعض الوقت, حتي تتمكن الدولة من حل كل هذه المشكلات خاصة انها مثقلة بكثير من الأعباء والتحديات الداخلية والخارجية, فليس بالاعتصامات والمليونيات والمطالب الفئوية نبني مصر المستقبل. المزيد من مقالات مصطفى الضمرانى