كلما مررت من فوق كوبري أكتوبر ورأيت مبني الحزب الوطني المحترق يطل علينا بوجهه القبيح اشعر بأن الزمن قد توقف عند82 يناير بالرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر علي ذكري حريقه, ومن كثرة مروري علي الكوبري اشعر وكأن المبني يخرج لنا لسانه ويقول أكملوا نظرة التشفي وتوقفوا عن التقدم. فنحن مازلنا محلك سر.. بنسأل عن السر في تخلفنا وفي تفوق غيرنا.. واعتقد ان الاجابة تكمن في قدرتنا علي التحرك والعمل فالذين ينجزون الاعمال هم من يتحركون. فقد استغرقتنا المحاكمات بل كان العمل يتعطل يوم محاكمة المخلوع وقد رأيت الكثير من الموظفين في البنوك والاماكن العامة يتركون اعمالهم ويتفرجون. ولذلك أتعجب من الذين يريدون ان يبقي مبني الحزب المحترق كما هو ليكون عبره علي حد قولهم. ونحن نقول ان الثائر لابد ان يهدأ ويبدأ في البناء أو علي الاقل جزء من الثوار فما نحتاج اليه هو انتاج وتقدم وهذا هو بالفعل الاسقاط الحقيقي للنظام, نريد معماريين يقومون بتصميم المبني الجديد, ومهندسين يقومون بتنفيذه وشركات ادارة تدير, وعمال وموظفين يعملون في المبني, نريد طاقة انتاج ونور. نريد ان نبرهن ان مبني الحزب والحزب نفسه كان صرحا من خيال فهوي كما يقول ناجي في قصيدته الرائعة الاطلال. ويقول مايكل انجلو ان عدم بلوغنا قمة النجاح ليس لان أهدافنا هائلة ولا نستطيع تحقيقها بل اننا نحلم بأهداف متواضعة ونحققها. بمعني آخر اننا يجب ان نضع اهدفا عالية لكي نصل الي نتائج هائلة والا سوف نحقق نتائج عادية تجعلنا دائما ما نشعر بثبات الوضع. ولعل أبسط الافكار كبديل للمبني المحترق هو أقامة فندق عالمي بارتفاع001 دور( وهو ليس بالرقم الكبير الان اقل من نصف ارتفاع برج خليفة بدبي) ليكون أعلي مبني في مصر ويمكن اطلاق اسم فندق التحرير حيث يمكن رؤية الميدان ونهر النيل في الوقت نفسه من خلال مجموعة من المطاعم في القمة, كما يمكن عمل قاعة خاصة في الدور الارضي يعرض بها صور وفيديوهات عن الثورة وصور المبني المحترق. بل ويمكن طرح مشروع تصميم الفندق في مسابقة عالمية علي غرار مشروع مكتبة الاسكندرية لكي يكون دعاية لمصر كلها واعلان دخولنا في مرحلة البناء. فمن الناحية العقارية فأن قيمة الارض قد تصل الي مئات الملايين وذلك بحسب المسطح الذي سوف يخصص وبحسب الارتفاع الذي سوف يسمح به. كما يمكن ان يتم طرح المشروع بحق الانتفاع وليس بالبيع ولكن الاهم من القيمة المادية هو الشعور بأننا قد بدأنا مرحلة البناء الفعلي ليس فقط علي المستوي الحرفي للفظ بل وايضا علي المستوي الرمزي وكلما رأينا البناء الجديد يتصاعد سوف نشعر بأن صفحة من الماضي قد طويت وبأننا قد بدأنا صفحة جديدة مملوءة بالامل الذي يصل الي عنان السماء. ويثور السؤال طالما ان ازالة المبني واقامة مبني جديد له مميزات عديدة لماذا لا تقوم الحكومة بتبني المشروع والجواب لانه يحتاج الي مجهود وجرأة في اتخاذ القرار ومعظم الناس لا يريدون بذل مثل هذا المجهود. فتغيير الحال بشكل عام غير مريح والافضل بالنسبة لمعظم الناس بقاء الوضع علي ما هو عليه ولكن لن تصل الي غايتك بالمشاهدة بل بالعمل الجاد. ولذلك فان هدم المبني يجعلنا ندفن الي غير رجعة الذكريات الأليمة ونقيم بناء جديد علي اساسات سليمة ويعطينا شعورا بأننا بدأنا في وضع الطوبة الاولي في المشوار الطويل وبأننا تركنا الماضي خلفنا ولم نعد ننظر الي الخلف لان الناظر الي الخلف لايري ما أمامه.. ولكي يكتمل مشوار ثورتنا الطويل فلابد وان نبدأ ومشوار الالف ميل يبدأ بمبني.