.. ما إن أعلن في أنقرة أن رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الأشهر سيزور مصر.. إلا وقامت الدنيا ولم تقعد, فمن قائل أن تركيا تريد أن تهيمن علي الشرق الأوسط, وأن تجعل دوله أمصارا تابعة للدولة العلية وأنه جاء لينتقم للرجل المريض الذي كان ويفرض وصاية تركيا مجددا علي الدول العربية والإسلامية, ومن قائل أن تركيا أردوغان لا علاقة لها بالتتريك لا من قريب أو بعيد. وأنها انما جاءت لتمد يدها الي العالمين العربي والإسلامي وتبني معهما جسور صداقة وتقيم تحالفا استراتيجيا جديدا.. فلماذا نصدها ونهجر أفكارها الطيبة؟!. .. أيا كان الأمر لقد ظل هذا الجدل قائما حتي الآن خصوصا أن أردوغان زار بلاد الربيع العربي خصوصا تونس التي بدأت الثورة التي انتقلت الي مصر, واليوم في ليبيا وغدا في بلاد أخري سيما أننا نتابع مايحدث في سوريا واليمن والبحرين.. وكأن الثورة العربية أشبه بكرة الثلج التي تكبر وتكبر ولا يعرف أحد أين تقف هذه المرة. لقد خرج الشعب المصري من تلقاء نفسه يرحب بأردوغان في مطار القاهرة لأنه يترأس وزراء دولة اسلامية كبري وعضو في حلف الناتو, ولها كلمة مسموعة عند القوي الكبري.. ثم هي تترأس منظمة المؤتمر الإسلامي.. ويري أردوغان أن الحوار الاستراتيجي مع الجنوب أجدي بالنسبة لتركيا, وأنها أي مصر بوابة تركيا علي افريقيا بينما تركيا بوابة مصر علي أوروبا.. ولذلك جاء الرجل ومعه داود أوغلو وزير خارجيته الذي يؤمن بالحوار الاستراتيجي مع الدول الإسلامية, فقد أعد أطروحة للدكتوراة حول ذات الموضوع وأصدر, كتابا قبل فترة بهذا المعني.. كما جاء ومعه ستة وزراء وأكثر من 200 من رجال الأعمال وهذا معناه أن الرجل لم يأت الي مصر من أجل سواد عيون الشعب المصري, وانما جاء من أجل المصلحة التي ستعود علي شعبه من وراء هذه الزيارة. .. والمؤسف أن هناك من يقول إن أردوغان قام بزيارته الي دول الربيع العربي انما ليغضب إسرائيل أكثر وأكثر وللضغط عليها لأنها لم تعتذر عن قتل تسعة أتراك في السفينة مرمرة داخل أسطول الحرية الانساني الذي كان يريد كسر الحصار علي غزة العربية!! أيا كان الأمر, فالمحقق أن الدرس الأول الذي يتعلمه الطلاب في العلاقات الدولية أنه لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة.. وحدها المصالح هي الدائمة!! ولذلك فإن أردوغان حتي لو كان يريد الضغط علي إسرائيل فإن زيارته الي مصر مرحب بها لأن وزن الأمور بمكيال إما..أو لا يفيد, بمعني إما نحن العرب أو إسرائيل هو مكيال خاطئ, والمهم أن نبادل تركيا نفس الشعور, فتجربتها في الحكم والحياة لا بأس بها ومكانتها الرفيعة دوليا لا غبار عليها. فقط علينا أن نبادل الشعور بشعور والمصالح بمصالح أخري, أما أن نطلب منها إما نحن أو إسرائيل فهو معيار خاطئ! وما أندهش له أننا في الشرق الأوسط قد أقمنا الأفراح والاهازيج طربا عندما عينت الصين مندوبا لعملية السلام أسوة بأوروبا, والشيء نفسه حدث مع اليابان التي أعلنت أنها بصدد تعيين أحد سفرائها ليكون مبعوثا لعملية السلام.. لكننا نتحفظ وتقشعر أبداننا عندما تعلن تركيا عن رغبتها في أن يكون لها دور في الشرق الأوسط, وكأن المطلوب من تركيا أن تظل بعيدة عن المنطقة وإلا حكمنا عليها أنها تريد ان تنتقم للرجل المريض الدولة العثمانية التي كانت وتحدثنا عن العثمانية الجديدة التي تريد أن يكون الجاه والصولجان بيدها.. وبيدها فقط! وللإنصاف هذه نظرة بعيدة تماما عن السياسة باعتبارها لغة المصلحة, إذ تستدعي الموروث الثقافي العام الذي نختزنه في عقولنا ونستبعد من الذهن العربي جملة المواقف التركية من المظلومين الذين لا هدف لتركيا كما قال أردوغان سوي رفع الظلم عنهم وتخفيف أعبائهم سواء في غزة التي لم تكن السفينة مرمرة هي آخر المواقف وإنما كان الموقف من إسرائيل وشيمون بيريز في مؤتمر دافوس من قبل ثم المظلومين في موريتانيا والصومال, حيث أوفد أردوغان اليهما من ينوب عنه ويقدم العون للفقراء بهما! إن النظرة الضيقة لأردوغان والتحفظ علي تركيا عندما تتجه جنوبا.. بل الحساسية المفرطة من دولة إسلامية تقترب منا في الجغرافيا والديموغرافيا هي أمر خاطئ مائة في المائة لأن تركيا دولة تعرف ما لها وما عليها, ولا تقدم علي خطوة سواء كانت غربا بالانضمام للاتحاد الأوروبي, وجنوبا, حيث عمقها الاستراتيجي الإسلامي, إلا وتعرف ماذا ينبغي عليها أن تفعل! والمشكلة تكمن حسبما يري البعض فينا بمعني أن علينا أن نعيد تركيب البيت العربي من الداخل وأن نرسم علاقة مصر بالدول الإقليمية الكبري حسبما تقضي بذلك المصلحة العليا للأوطان, أما الانغلاق علي الذات وترديد عبارات مؤسرته, تروجها الأبواق الإعلامية الإسرائيلية في الداخل أو الخارج, فهو أمر ليس من السياسة في شئ, وبه من الانفعال والعاطفة الكثير والكثير.. ومن ثم فإن الحساسية من الموقف التركي لا معني لها, وعلينا أن نثق في المجلس العسكري الأعلي وحكومة الدكتور عصام شرف, وهما قادران علي تشخيص مصلحة الوطن مصر واستقبالهما لرجب طيب أردوغان لا يخرج عن هذه القاعدة; قاعدة المصلحة. الساكت عن الحق لقد أتيح لي أن أقترب من بعض العمداء في معهد البحوث والدراسات التربوية.. وقرأت الدراسة التي قام بها الدكتور سامي نصار عميد المعهد الذي يرجح فيها الانتخاب التي يبدأ برؤساء الأقسام, وينتهي برئيس الجامعة مرورا بالعمداء.. لكن للانتخاب محاذيره التي يجب أن نضع عليها عيوننا, هذا إذا كنا نريد أن نكون أوفياء لشهداء ثورة 25 يناير!!. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي