لم تصبني الدهشة عندما قرأت ما نقلته وكالات الأنباء عن زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي لمصر وورد فيها أن ملف النيل لن يكون أحد الموضوعات المدرجة علي جدول أعمال هذه الزيارة, ذلك لأن الرجل افاد في أكثر من مناسبة أنه يري ألا يفتح هذا الملف إلا عندما يكون في مصر حكومة منتخبة وبعد انتهاء الوضع الانتقالي الذي تمر به البلاد حاليا لكن ما أدهشني حقا هو أنه إذا كان هذا هو رأي رئيس الوزراء فعلام إذن يتفضل بالحضور لزيارة مصر في هذا الوقت؟ وللإجابة علي هذا السؤال أنقل للقارئ بعض التصريحات التي أدلي بها رئيس الوزراء زيناوي في بعض المناسبات خلال الشهور القليلة الماضية: أن مصر والسودان تتمسكان باتفاقيات ومعاهدات عفي عليها الزمن فيما يخص مياه النيل (يقصد اتفاقيتي 1929 و1959) وأنه علي الدولتين أن تشتركا مع باقي دول الحوض في إعادة صياغة هذه الاتفاقيات بالتوقيع علي الاتفاقية الإطارية التي وقعت عليها ست دول حتي الان. إن مصر قد حصلت فيما مضي علي حقوق تفوق حقوق الاخرين وان هذه الحقوق كان لها الأثر الأكبر في أن تصبح أكثر تقدما عن باقي دول الحوض في مختلف المجالات وانه قد آن الأوان لأن ترد مصر الي هذه الدول بعضا من الجميل الذي حصلت عليه في الماضي. إن السودان ليس لديها مشكلة مائية حقيقية كما أن المشروعات التي تقيمها اثيوبيا لن تؤثر علي حقوق المصريين الحالية في مياه النيل. إن النظام السابق في مصر كان يتصف بالتعنت والصلف والتعالي وانه حتي حين توقف الرئيس السابق مبارك عن حضور اجتماعات القمة الافريقية كان مبعوثه الرسمي السيد عمر سليمان يعاملهم علي نفس الدرجة من الاستعلاء والتكبر. أنه قد آن الأوان أن يتقدم الشعب الاثيوبي ويتطور وأن ينعم بالرخاء والازدهار, وان الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام هذا الشعب هو توليد الطاقة الكهرومائية وتنمية وتطوير الزراعة المروية في البلاد. هذه هي بعض الأفكار التي تشكل في مجملها قناعات رئيس الوزراء زيناوي والتي يترجمها في خطاباته عادة إلي ما يشبه استعادة السيادة الوطنية علي ثروات البلاد والتي تلقي الاستحسان من الشارع الاثيوبي وتصب جميعها في خانة دعم رئيس الوزراء في وجه القوي المعارضة له والمناوئة لسياساته. وأتصور أن رئيس الوزراء الاثيوبي سيطلب من الجانب المصري بعض المطالب التي يقصد بها زيادة أواصر المحبة والصداقة وتحسين العلاقات بين البلدين وأهمها: 1 الحصول علي تأييد مصر ودورها الفاعل في تحسين العلاقة بين اثيوبيا واريتريا وأيضا بين إثيوبيا والصومال. 2 الاستفادة بدور الكنيسة المصرية والأزهر الشريف في خلق علاقات أمتن بين المسلمين والمسيحيين في مصر واثيوبيا. 3 اشتراك مصر في برامج ومشروعات إنشاء السدود وشبكات نقل الطاقة الكهربائية والزراعة المروية في المساحات العملاقة وعلي مستوي المزارع الصغير علي حد سواء. 4 زيادة أعداد المنح الدراسية للشباب الاثيوبي للحصول علي الدرجات العلمية في المجالات المختلفة والزيارات القصيرة للتدريب في هذه المجالات. 5 زيادة التبادل التجاري بين البلدين في مجال الثروة الحيوانية والسمكية والمنتجات الصناعية. كما أري أن تعرض مصر علي اثيوبيا المساعدة في مجالات لم يسبق لها تقديم المساعدة فيها, وأذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي علي مستوي المجتمعات السكانية الكبيرة والصغيرة. المساعدات والتدريب في المجال العسكري وأيضا في مجال الاستخبارات العسكرية والمعلومات. مشروعات الربط الكهربي بين الشبكة الموحدة المصرية والاثيوبية. المعونة الطبية وقوافل الاطباء والممرضين. المعونة الفنية في مجال دراسات وبحوث المياه الجوفية وطرق استغلالها والاستفادة بها للشرب والاستخدام المنزلي والعام. أتمني أيضا أن تضع مصر علي طاولة المفاوضات رأيها الفني في قضية مياه النيل, وهو أن في النيل من المياه ما يكفي للجميع بل وما يزيد عن حاجتهم جميعا إذا أحسن استغلاله وإدارته وان التشاحن والتصارع لا يتفق مع متطلبات المرحلة التي تأمل فيها مختلف الشعوب الاستقرار والتفرغ للتنمية والتحسين والتطلع الي غد أفضل وحياة كريمة يظللها الرخاء والتقدم. كما أرجو أن يعرف رئيس الوزراء أن مصر تقف علي أعتاب مرحلة سيكون فيها طفرات هائلة في مختلف المجالات وأن من مصلحة أثيوبيا وباقي دول حوض النيل بل وكل دول القارة الافريقية أن تشارك كل هذه الدول مصر في طفرتها لصالح الجميع, أما أن يعرقل كل منا مسيرة الآخر هذا لا يمكن الا ان يكون ضد مصالح الشعوب وفي الاتجاه المعاكس لتقدمها وسؤددها وحاضرها ومستقبلها. بل إني استطيع ان أري طفرات حقيقية في مجال إعذاب مياه البحر والمياه الجوفية المسوس (التي تقل ملوحتها عن ملوحة مياه البحر وتزيد في نفس الوقت عن نسبة تركيز الأملاح في المياه العذبة) وسيكون لإعذاب هذه المياه باستخدام الطاقة الشمسية خفض معنوي في تكاليف الإعذاب بما يعني ان مصر سيكون لديها في المستقبل القريب فائض هائل في المياه الصالحة للاستخدامات المختلفة, وينبنئ في نفس الوقت بطفرة هائلة في المجالات الزراعية والصناعية القائمة علي المنتجات الزراعية, ومن المفيد للجميع أن تشارك دول حوض النيل والشقيقات من دول افريقيا في التعاون مع مصر في هذه الفترة الهامة من تشكيل مستقبل هذه الدول وشعوبها لا أن تقف هذه الدول كما كان يحدث في الماضي في وجه تقدم ورخاء شقيقاتها من الدول بما يحول دون تقدم ورفاهية الجميع. المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي