الغازي أردوغان! افرحي يا فلسطين.. أردوغان صلاح الدين.. موتي غيظا يا إسرائيل.. أردوغان في أرض النيل.. هكذا استقبل مصريون يتقدمهم أنصار الإخوان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مطار القاهرة. ولم يكن ترحيب السياسيين به أقل حفاوة, ولما لا وهو البطل المغوار الذي تصدي لإسرائيل ودافع عن الفلسطينيين والعرب في المحافل الدولية. لكن هؤلاء المحتفين لم يتوقفوا قليلا عند الأهداف الحقيقية لزيارة الزعيم التركي ورؤية أنقرة لدورها في المنطقة, وكذلك رؤيتها لدور مصر في إطار المشروع الإمبراطوري التركي الذي يمتد من آسيا الوسطي والقوقاز إلي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, والذي صاغه وزير الخارجية أوغلو, ومفاده أن تركيا دولة عظمي وليست إقليمية فقط, ويجب أن تتحرك علي هذا الأساس. كما أننا, لم نضع الزيارة سوي في الجانب الودي المتعلق بعلاقات مصر وتركيا فقط, مع أنها حسب محللين سياسيين- تأتي في إطار السباق الذي تخوضه الآن تركيا مع الغرب وخاصة فرنسا وبريطانيا لزيادة نفوذها في المنطقة. وفي هذا السياق, لم يكن غريبا ما قالته صحيفة زمان التركية من أن ساركوزي وكاميرون سبقا أردوغان وزارا طرابلس معا الخميس الماضي لتقسيم النفوذ في ليبيا. بل إن أردوغان لم يراع اللياقة الدبلوماسية, وتحدث في شأن مصري ناصحا بتطبيق نظام علماني. ورغم أن الاقتراح ينادي به بعض من النخبة المصرية إلا أن صدوره عن رئيس الوزراء التركي يعد تدخلا مرفوضا, وهو محاولة لترويج النموذج التركي. ثم إن كثيرين منا يعرفون مواقف حكومة أردوغان المتذبذبة من سوريا, فمرة ترفع صوتها مطالبة بوقف القمع وتصدر ما يشبه الإنذارات لبشار الأسد, ومرات تتحدث بلغة ملتبسة لا تدرك منها حقيقة موقفها. لكن اتهام جماعة منشقة عن الجيش السوري لتركيا بتسليم قائدها إلي دمشق الأربعاء الماضي, يثبت أن كلام أردوغان وغيره عن الدعم المطلق للربيع العربي ولشعوبه ليس سوي كلمات من أجل دغدغة مشاعر المواطن العربي. فالمهم هو المصالح. الخلاصة أن أردوغان ووزير خارجيته داود أوغلو قدما إلي مصر ولديهما رؤية لدور تركي متعاظم في دول المنطقة وبينها مصر, وطرحا أفكارهما ومشاريعهما علي نظرائهما المصريين وعلي النخب السياسية والدينية والثقافية التي التقيا معها, بينما كان موقفنا هو الانبهار بهذا الزعيم المفوه الذي سمعنا منه كلاما لم يتحدث أحد بمثله منذ عبدالناصر. لا أحد يدعو لمعاملة تركيا كعدو أو خصم بل من المهم أن ننظر إلي أنفسنا علي أننا لا نقل نفوذا وتأثيرا عن تركيا, وألا نشعر بالضآلة ونحن نتعامل مع زعيم بحجم أردوغان, فالثورة أعطت لمركزية الدور المصري فعالية علينا أن نستغلها بدلا من الانشغال بالمعارك الصغيرة الدائرة حاليا, والتي لا تختلف كثيرا عما كان يجري قبل الثورة. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام