انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح مؤشر جودة الحياة بين خبراء البيئة والمهتمين بها, والاعتماد عليه للوقوف علي مدي التقدم الذي تحققه الدولة في الموازنة بين الموارد البيئية والاقتصادية والإدارة الرشيدة وبين حاجات الإنسان الاجتماعية بما يحقق سعادته ورفاهيته. ويقول الخبير البيئي حمدي هاشم إن مؤشر جودة الحياة يعني حالة مستمرة ومتصلة من التكامل بين الإنسان ومعايير الصحة والسلامة علي المستويين الجسدي والوجداني, وتنمية البيئة بأهداف حضارية تعظم مفهوم الاستمتاع بالحياة, ويعكس النظرة المتعمقة لدرجة نوعية الحياة, ومشكلات البيئة بين طغيان الحضور البشري ومعطيات المكان, والتعريفات المختلفة لهذا المصطلح, تدور حول الدرجة التي يستمتع بها الفرد في حياته ونوعية مخرجات التفاعل بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تؤثر علي الإنسان, وكذلك مقدار السعادة والرضا عن البيئة الخارجية, ويصل إلي كونه تعبيرا شعبيا عاما يعني احساسا بعموم الرفاهية التي يشعر بها الأفراد التي تدعمها البيئة المحيطة للمجتمع. والسؤال الآن.. كيف نستفيد من تطبيق هذا المصطلح في مصر؟ يقول د. حمدي هاشم: في مصر أعدت الهيئة العامة للتخطيط العمراني, خريطة التنمية والتعمير في مصر 2017 م بهدف الاستخدام الأنسب للموارد البشرية والاقتصادية والطبيعية, بما يحقق إعادة توزيع السكان, والتكامل بين الحضر والريف, وذلك رهن بإيجاد أولوية لتوفير مصادر تمويل استثمارات رفع الكفاية الإنتاجية في الريف, بمشروعات متوافقة مع اقتصاديات المكان للارتفاع بدخل سكان الريف وإرساء حقهم في تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية, والارتقاء بالمرافق والخدمات في الريف والعمل علي كفايتها لتقليل الهوة الحضرية ومجابهة تيار الهجرة الريفية السلبية للمدن, وما يتلازم معها من معضلات ومشاكل بيئية تعود علي الدولة بخسائر اقتصادية فادحة, خاصة وأن التقارير الاقتصادية القومية أكدتا تحول مصر إلي موقف خطير نتيجة غياب استراتيجية زراعية سليمة, حيث إن حجم الاستيراد من المواد الغذائية تعدي55 06% من إجمالي قيمة الواردات, إذا أصبحنا نستورد55 0 6 % من احتياجاتنا من القمح,50% من الفول90% من العددس والزيتون,40% من الذرة,35% من السكر. ولاشك أن الخروج من حالة عدم التوازن بين النمو السكاني الكبير( حيث بلغ عدد سكان مصر58 مليون نسمة عام 2010ومتوقع 100مليون نسمة عام2025) ومشاكل قضية مياه النيل وندرة المياه, وتلك المحاولة المصرية في الحفاظ علي ما تبقي من الأرض الزراعية, مع وجود قصور شديد في مراكز الجذب الحضري القادرة علي إعادة توزيع السكان بما يخدم الأمن القومي, في ظل تفشي أمراض الاقتصاد السياسي نتيجة العجز في الموازنة العامة للدولة( حيث بلغ صافي الدين العام المحلي76 4 مليار جنيه مصري في شهر يونيو2009) وانخفاض معدل زيادة رأس المال المحلي بما في ذلك ضعف الاستثمارات الإنتاجية وسوء توزيع الدخل الذي يركز الثروة بين الأغنياء ويزيد حجم الفقراء( سجل معدل التضخم وفقا لأسعار المستهلكين بحضر الجمهورية2و16% للعام المالي20092008, أي زاد بمقدر أربع مرات عن مثيله في العام المالي2006/2005) ولا يتأتي هذا الخروج إلا بالفراغ من ضبط عدالة نوعية الحياة في العمران, ومن ثم الولوج إلي تحقيق جودة المعيشة في البيئة بأقاليم الدولة. كما بدأ المعهد القومي للجودة في إعداد أول مؤشرات قومية للجودة بعد ثورة 5 2 يناير لقياس الانجازات التي يتم تحقيقها في مجالات جودة الحياة وأثر ذلك علي الصناعة, ومن ثم دعم أهداف الصناعة والتجارة في مجال الصادرات ومعدلات النمو الاقتصادي, بما في ذلك قطاع الزراعة والصناعات الزراعية وقد تم الاسترشاد بتجربة الصين التي تقيم مؤشراتها, السنوية وتستخدمها في قياس التنافسية بين القطاعات الاقتصادية ومنها المدن الصناعية التي تشمل 70 مدينة صناعية كبري في الصين. ومع وجود مؤشرات مصرية متفق عليها سيمكن تحقيق مستويات أعلي من الجودة عن طريق تدعيم القطاعات التي تظهر المؤشرات أنها ضعيفة وتحتاج لمجهود اكبر في مجالات الجودة. ويقوي الاعتماد علي مؤشرات جودة الحياة عند التفكير في أي تحسينات اجتماعية ومادية تهدف لمنفعة الناس. وقد أظهرت الأبحاث في مجال العمران البيئي, وجود أربعة مجالات رئيسة تمثل أركان جودة الحياة وهي: المجال الاقتصادي, والاجتماعي, والعمراني, والبيئي, تضم فيما بينها مجالات وأهدافا فرعية تشمل باقي مجالات جودة الحياة, لتحديد بوصلة قياس التنمية من خلال مؤشرات وأهداف المعيار( زيادة الأنشطة الاقتصادية, زيادة الدخل السنوي تقليل معدل البطالة, توفير فرص العمل). أما المعيار الاجتماعي فأهدافه( الاندماج الاجتماعي, الأمان في المجتمع, التعليم مدي الحياة, التمتع بصحة جيدة), بينما أهداف المعيار العمراني فهي( توفير الخدمات, سهولة الانتقال, توفير السكن الملائم توافق استخدامات الأراضي), ثم المعيار البيئي وأهدافه( تحسين جودة الهواء, تحسين جودة الماء, إدارة رشيدة للموارد, إدارة كفء للمخلفات), الأمر الذي يؤكد العلاقة بين جودة الحياة والتنمية المتواصلة في مصر, والحاجة إلي دمج المؤشرات العالمية لجودة الحياة المتمثلة في: تكلفة المعيشة والواقع الاقتصادي, والوضع البيئي والصحي والثقافة والترفيه, وواقع الحريات, والبنية التحتية, والسلامة والأمان ثم حالة المناخ مع تقييمها المستمر واستخدامها في قياس وتوجيه عمليات التنمية الحضرية والريفية علي مستوي الدولة, وذلك من خلال الأخذ بالأهداف في مجالات تطوير الخدمات العامة بما في ذلك أسلوب ونظم تقديم الخدمة للسكان, وقضايا البيئة وإزالة مسببات التلوث في المناطق السكنية, وتقليل كمية النفايات والملوثات عن طريق التوعية بالموضوع ووضعه في مناهج الدراسة وزيادة برامج إعادة التدوير والمعالجة في المدينة, وكذلك تحسين استهلاك المياه وأسلوب مراقبة كيفية الاستهلاك.