يوما بعد الآخر ينهار سعى دراويش الإخوان في الوصول إلي «أستاذية العالم»، وفق مباديء شيخهم حسن البنا، وتتساقط «كيانات» مصطفى مشهور، وروابطها الدولية بعدما أصبحت «جيتوهات» وسيوفا مسلطة على رقاب الأنظمة العربية. فقد أعلن «إخوان الأردن» انفصال جماعتهم عن «إخوان القاهرة»، وأنها لم تعد تابعة ل«مكتب الإرشاد» نهائيا كما كانت تنص اللائحة المنظِّمة لعملها منذ عام 1946، وذلك بعد قرارات «مجلس شورى الإخوان» بالأردن مؤخرًا، بتعديل بعض بنود اللائحة، التى شملت حق الأعضاء فى الانتخابات الداخلية للجماعة دون التقيد بشرط دفع الاشتراكات السابقة التى كانت تُسمى «بند المال السياسى». وهو القرار الذي جاء محاولة من قيادة «إخوان الأردن» الحالية لامتصاص الغضب المتراكم داخليًا، والذي أدى إلى انشقاق عدد من القيادات التاريخية، سواء داخل الجماعة أو داخل حزبها «جبهة العمل الإسلامي». وقد اشتعلت الأزمات بين قيادات «إخوان الأردن» على مدار العامين الماضيين، عقب احتدام المعركة بين «تيار الحمائم» و«تيار الصقور» على سلطة التنظيم. ما دعا قيادات «إخوان الأردن» إلى التفكير فى الانفصال عن«إخوان القاهرة» منذ عام تقريبا، نتيجة انحرافهم عن أهداف التنظيم واختلافهم على المستوى الفكرى، وخشية أن يلاقوا نفس المصير، لكن تم تأجيل القرار، ولم يتم البت فيه إلا مؤخرا. علاقات ودية وبالنظر إلى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي تأسست عام 1945 بالتنسيق مع الإخوان المسلمين في مصر، بمبادرة من عبد اللطيف أبو قورة، ظل التنظيم في الأردن مختلف نسبيًّا عن نظرائه في البلدان العربية الأخرى؛ إذ إن العلاقة بين الإخوان والنظام الملكي في الأردن طيلة العقود الماضية لم تشهد تدهورًا بنفس درجة السوء التي وصلت لها علاقة الإخوان بالأنظمة العربية الحاكمة الأخرى. فمعظم قيادات التنظيم ومراقبوها ينتمون إلى قبائل شرق الأردن، الأمر الذي أبقى دومًا على نوع من العلاقات الودية مع «النظام» الحاكم، حيث لم يحدث في أي فترة منذ تأسيسها إلغاء تصريح الجماعة، وطالما حرص «النظام» دومًا على عدم إبعاد الإخوان عنه كليًّا، مُبقيًا على خيط يربطه به، وذلك من خلال دخولهم «مجلس النواب». كما أنهم شاركوا في فترات كثيرة بالحكومة، فضلًا عن أن «ملك» الأردن كان دائمًا ما يعين أحد أبرز قيادات «الإخوان» الذين ينتمون لقبائل شرق البلاد في «مجلس الأعيان الأردني». الصقور والحمائم وتنقسم قيادات «إخوان الأردن» إلى جبهتين ؛ الأولي يسيطر عليها «تيار الحمائم»، الذي يميل إلى العمل السياسي السلمي وينحدر غالبية قياداته من القبائل المقربة من «النظام الأردني»، وأبرزهم عبد المجيد ذنيبات وسالم الفلاحات، والجبهة الثانية يقودها «تيار الصقور» الذي يميل بشكل أكبر إلى العنف، وهم من ذوي «الأصول الفلسطينية»، مثل همام سعيد مراقب الجماعة الحالي، وزكي بن إرشيد. وبهذا الشكل ظلت الجماعة تشهد حراكًا وصراعًا داخليًّا، يفصل فيه «مجلس شورى التنظيم بالأردن» و«إخوان القاهرة»، حتى عام 2008، الذي شهد تحولًا كبيرًا، عندما انتقل الخلاف إلى العلن، بعد تولي المراقب العام الحالي، همام سعيد، قيادة الجماعة عام 2008. مبادرة زمزم وقد سعى همام ومعه زكي بن إرشيد، الأمين العام السابق لحزب «جبهة العمل الإسلامي»، والنائب الحالي للمراقب العام، إلى فرض سيطرتهما على الجماعة والحزب، بشكل أثار استياء من يُعرفون ب«تيار الحمائم» داخل الجماعة. في الوقت نفسه، انعكس فشل الجماعة في الاستفادة من الحراك الشعبي والشبابي، إبّان موجة الربيع العربي في 2011 على الوضع الداخلي. وهو ما دفع قيادات عديدة إلى المطالبة بالإصلاح الداخلي، وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي للجماعة؛ وقد تُرجمت هذه المطالب في إطلاق مجموعة من قيادات الجماعة مبادرة للإصلاح، أطلقوا عليها «المبادرة الأردنية للبناء»، والتي تُعرف في الإعلام بمبادرة «زمزم»، وقادها الدكتور إرحيل غرابية، رئيس الدائرة السياسية في جماعة الإخوان، ومعه القياديان، نبيل الكوفحي وجميل دهيسات. وعلى الرغم من أن هؤلاء القادة لم يعلنوا انشقاقهم عن الجماعة، إلا أن الجماعة عقدت محاكمة داخلية لهم، وفصلتهم. جماعة موازية ثم جاءت الأزمة الكبري في تاريخ الجماعة، عندما أنشأ المراقب العام الأسبق للجماعة، عبدالمجيد ذنيبات، جماعة أخرى موازية، تحت مسمى «جمعية الإخوان المسلمين»، بحجة أن الجماعة الأصلية غير مرخص لها قانونيًا، كما أنها تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وليست جماعة محلية. وقد لعب النظام الأردني على وتر هذه الخلافات الداخلية، فقام بالترخيص ل«جمعية ذنيبات»، في مارس 2015، ما أدى إلى حالة من الفزع والتوتر داخل «إخوان الأردن». مبادرة الشراكة ومنذ ذلك الوقت، والجماعة تمر بأزمات عديدة، والتي انتقلت بدورها إلى حزب «الجبهة» الذي استقال منه عدد كبير من القيادات التاريخية، منهم، مثلًا، الشيخ حمزة منصور، الأمين العام السابق للحزب، وسالم الفلاحات، المراقب العام الأسبق للجماعة، وعبدالحميد القضاة، والقيادي جميل أبو بكر، والذين حاولوا إصلاح الأوضاع في الحزب، من خلال مبادرة طرحوها، وسميت «مبادرة الشراكة والإنقاذ»، لكنهم فشلوا في ذلك، ما اضطرهم إلى الاستقالة، اعتراضًا على عدم الاستجابة لمطالبهم. الجمود الفكري خلافات «إخوان الأردن» وانقساماتهم تعود إلى أسباب عديدة، أولها الجمود الفكري والتنظيمي للجماعة، والتي رفضت قيادتها، ومعها «تيار الصقور»، تعديل اللائحة الداخلية، من أجل السماح بضخ دماء جديدة في التنظيم، والسماح بمشاركة أكبر للشباب والنساء في صناعة قرارات الجماعة. وهي المشكلة نفسها التي تواجه «إخوان مصر»، وخرجت للعلن في الشهور القليلة الماضية. ثانيًا: الخلاف بين الطرح الأممي والطرح القُطري أو المحلي للجماعة، حيث يتهم «تيار الحمائم»، «تيار الصقور» بأنه يحمل أجندة غير أردنية، ويسعى إلى ربط الجماعة بالخارج، سواء ب«إخوان القاهرة» أو ب«حركة حماس»، ولعل هذا الاتهام هو ما يقف في خلفية قرار الجماعة مؤخرا بفك الارتباط مع «قيادات القاهرة». ثالثًا: مسألة العلاقة بين الجماعة والحزب، فعلى الرغم من الفصلين، التنظيمي والإداري، بين الكيانين، إلا أن قيادات الجماعة، خصوصًا من «تيار الصقور»، تمارس دورًا مهيمنًا على الحزب، بشكل جعله يقف عاجزًا عن الحركة ككيان مستقل، وهو ما جعله رهينة للصراعات الداخلية في الجماعة، وساهم في تذكية حالة الخلاف التي يمر بها. رابعًا: طبيعة العلاقة مع الدولة الأردنية، والتي وصلت إلى درجة عالية من التوتر والاحتقان، في السنوات الأخيرة، وزادت بعد موجة «الربيع العربي» التي حاولت الجماعة ركوبها، وتحقيق مكاسب خاصة بها، وهو ما أثار غضب النظام ودوائره المتنفذة التي سعت، بدورها، لتذكية الخلافات الداخلية في الجماعة، وإضعافها داخليًا. التحدي بدوره نفى معاذ الخوالدة، الناطق باسم «إخوان الأردن»، أن تكون هناك أزمة داخل الجماعة، بعد انفصالهم عن التنظيم الدولى، وأشار، فى تصريحاتٍ له، إلى أن «إخوان مصر» يمرون بأزمة عميقة، لكن الأمور مختلفة فى الأردن، حيث لا يرقى الأمر هناك إلى درجة الأزمة ومن الممكن تسميته تحدى. وأضاف الخوالدة، أن «إخوان الأردن» جماعة قادرة على تطوير نفسها فى المجال التنظيمى، وتجاوز التحديات، متابعًا: وهذا يجعلنا نقدم المزيد من المعالجات الإدارية والتنظيمية، لنعود بقوة إلى المشهد الدعوى والسياسى. واعتبر الخوالدة، أن قرار تعديل اللائحة الداخلية ل«إخوان الأردن» بمثابة مؤشر عملى وحقيقى على حالة التوحد والتماسك داخل الجماعة، ويثبت أن لديها قدرة ديناميكية على مواجهة الواقع بشكل معقول. علاقة فكرية تصريحات همام سعيد، المراقب العام ل«إخوان الأردن»، لوسائل الاعلام بأن الجماعة ليس لها علاقة ب«إخوان مصر»، وأن المراقب العام بالأردن لا علاقة له بمرشد جماعة الإخوان الدكتور محمد بديع، وأن العلاقة بينهما فكرية وليست تنظيمية، وأن «إخوان مصر» لن يكون لهم دور فى اختيار القيادات فى الأردن، يكشف حجم الفجوة بين قيادات التنظيم ومحاولة التمرد والخروج من هيمنة الجماعة الأم بالقاهرة. ولم يكن إعلان همام سعيد، بالخروج من عباءة «إخوان مصر»، هو الحادثة الأولى لفرط رباط التنظيم الدولي للإخوان، بل سبقه عدة فروع أخرى تبرأت من علاقتها ب«قيادات القاهرة». أزمة الكويت وكان أول اختبار سقط فيه التنظيم الدولي أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث انحازت قيادات «مكتب الإرشاد» للعراق، وأيدت الغزو الذى قام به الرئيس صدام حسين، وهو ما تسبب في انشقاقات داخل الحركة الإخوانية في الخليج. ورغم محاولات رأب الصدع التي قامت بها قيادات مصرية لها امتداد ومصداقية كبيرة لدى «إخوان الكويت» والخليج عموما، فإنها فشلت في الوصول الي ترضية ل«إخوان الكويت». إخوان السودان ثم تلا انشقاق إخوان الكويت عن التنظيم، «إخوان السودان» حيث استقل مراقبها العام حسن الترابي بتنظيم خاص عن الإخوان «الجبهة القومية الإسلامية»، بعدما رفض توجهات قيادات «إخوان القاهرة»، واتجه إلى تبني المنهج السلفي، وسط خلافات عميقة ضربت الإسلاميين في السودان في فترات طويلة من الصراع على السلطة. إخوان اليمن ثم جاءت أزمة «إخوان اليمن»، وذراعها السياسى حزب «التجمع اليمنى للإصلاح»، والذى كانت معركة «عاصفة الحزم» هى القشة التى قسمت ظهر العلاقات بينه وبين قيادات «إخوان القاهرة»، حيث أعلنت قيادات الحزب الإخوانى أن فرعها فى اليمن ليس له أية علاقة ب«إخوان القاهرة»، وأنه فرع منفصل عن التنظيم الدولى. راشد الغنوشى مرورا ب«إخوان تونس» وانفصالهم عن «إخوان القاهرة»، وخروج حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشى، عن طاعة «مكتب الإرشاد» بالقاهرة، وانتقادهم الشديد للكثير من مواقفهم علي المستوي السياسي والفكري، خاصة عقب قرار «حزب النهضة» بتونس المشاركة فى الحياة السياسية بعد خسارته الانتخابات البرلمانية، وهو ما زاد من حدة التصعيد بين الطرفين. أمام العديد من الاختبارات فشل «التنظيم الدولي» للإخوان في الحفاظ على قوته بسبب سيطرة «إخوان القاهرة» على التنظيم وأفكاره بحكم أنهم الأقدم والأقوى. وطن الإخوان منذ أن أنشأ حسن البنا تنظيم «الإخوان المسلمين» وهو يسعى إلى انتشار التنظيم وأفكاره في كل الدول وأن تكون جماعة الإخوان عابرة للحدود ولها ممثلوها في كل دولة في العالم، وعمل على أن يكون وطن المنتمين للجماعة هو الجماعة وليس الوطن، وحاولت الجماعة نشر أفكارها بين الطلاب الوافدين للدراسة في الأزهر، وهو ما نجحت فيه بالفعل عبر سنوات طويلة من العمل ونقل الأفكار. وقد استفاد «الإخوان» فى محنتهم الثانية إثر صدامهم مع النظام الناصرى عام 1954 لتؤدى إلى زيادة تنظيمهم خارج مصر، حيث هاجر عدد من قياداتها الجماعة واستقروا فى بعض دول الخليج والدول الأوربية، وأقاموا عددًا من الجمعيات والشركات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التى كانت بمثابة الركائز التى مارسوا من خلالها نشاطهم الدعوى. وكانت ألمانيا وسويسرا من أوائل الدول الأوربية التى استضافت مهاجرى الإخوان وكان سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا قد حصل على الجنسية السويسرية وأصدر مجلة «المسلمون» الشهرية وأسس «الجمعية الإسلامية التى ترأسها من 1958 إلى 1968، ورابطة «مسلمى العالم» وأيضًا أسس «المركز الإسلامى» فى جينيف الذى مارس تأثيرًا على مسلمى أوروبا ونجح فى نشر الفكر الإخوانى فيها وامتد إلى أمريكا وتم أنشأ مؤسستى «ماس» و«كير» اللتين تمثلان القوة النفسية والمركزية للجماعة داخل المجتمع الأوروبى. ومن مركز جينيف انتشرت شبكة المراكز والمؤسسات الإخوانية أهمها «المركز الإعلامى» فى لندن و«المركز الإسلامى» فى ميونيخبألمانيا الذى شهد المرحلة الأولى لإعلان «التنظيم الدولى» رسيمًا فى 1982، على يد مصطفى مشهور الذى لعب دورا رئيسيا فى تأسيسه عقب خروجه من السجن عام 1973، مع عدد من قيادات «التنظيم الخاص» مثل كمال السنانيرى وأحمد الملط ونفيس حمدى. الانهيار والسقوط من جانبه أكد الدكتور كمال حبيب، الخبير فى شئون الحركات الإسلامية، أن جماعة الإخوان بالأردن أرادت أن لا تتحمل أوزار ما تفعله جماعة الإخوان فى مصر، ما جعلها تطالب بالانفصال عن التنظيم الدولي ويكون لها فرع خاص بنفسها. وأوضح هشام النجار الباحث الإسلامى، أن هذه الخطوة فى الاتجاه الصحيح وتعكس وعى الإسلام السياسى فى الأردن بكارثية المستجدات على الساحة، سواء داخل مصر بعد تبنى العنف بشكل معلن وشامل وفق الهيكلة الجديدة لجماعة الإخوان، أو فى الخارج بتحالفات خارج السياق الوطنى وبخطاب إعلامى لقيادات الجماعة يحرض على الصدام والعنف. وأضاف النجار: "ليس ما فعله إخوان الأردن هو أول خطوة فى هذا الإطار فقد سبقتهم نهضة تونس المحسوبة على الإخوان وكان لقادتها نشاط فى التنظيم العالمى، واتخذ قادتها مؤخرًا خطًا فكريًا وسياسيًا مستقلًا ومختلفًا عن خط الإخوان فى مصر، فى محاولة لإنقاذ امتدادات الإخوان فى الخارج من الانهيار والسقوط والإقصاء من المشهد السياسى". الهَبَل السياسي ويرى المحلل السياسي الأردني حلمي الأسمر رئيس تحرير صحيفة «الرباط» الناطقة باسم الإخوان سابقا، أن الإخوان يعانون مما سماه «الهَبَل السياسي»، مؤكدا أن نزعة الاستحواذ بكل الكعكة، ووهم التمكين واعتقادهم بأن الشعب موقّع لهم شيكا على بياض جعلهم خارج اللعبة السياسية، وبل وخارج التاريخ، لا سيما بعد هزيمتهم في مصر التي فجّرت قنابل موقوتة كانت في حالة كمون، مثل الصراع بين الأجيال. ويقول الأسمر إنّ ثورات «الربيع العربي» التي ضربت الأنظمة، ضربت أيضا تنظيم الإخوان، وأحدثت نوعًا من المراجعة الجذرية لكل المسلّمات التي حكمت الحركة، بما في ذلك، طبعًا، الطاعة العمياء للقيادة، بحجة مقتضيات البيعة. علي حين يشير سامح عيد، القيادي السابق بالإخوان، إلى أن الجماعة بشكل عام تمر بمرحلة حساسة في تاريخها سواء في مصر أو الأردن أو باقي فروع التنظيم، موضحًا أن السبب في ذلك هو ضعف «التنظيم الدولي» للجماعة في لندن مما أغرى فروعه بالبحث عن الاستقلال وعدم العودة له في القرارات. وتابع أن «التنظيم الدولي» الذي يديره محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، غير متفرغ الآن لمتابعة شئون التنظيم حول العالم، نظرًا للأزمة الراهنة التي يواجهها مع شباب الجماعة في مصر.