تحديات كثيرة تواجه التأمين الصحي الحالي، منها تعدد قوانينه وعدم قدرته على تغطية العمالة غير الرسمية، وجمع هيئة التأمين بين التمويل والإدارة وتقديم الخدمة والرقابة، وتدني دخل الطبيب، وانعدام حرية الاختيار للمرضى لمكان العلاج أو الطبيب المعالج.. كانت تلك كلمات الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة والسكان في أبريل الماضي، في حديثه عن مشروع التأمين الصحي الشامل الجديد، الذي انتهت الحكومة من إعداده، آملة في سد فجوات القانون القديم وتوفير تأمين صحي لكل مواطن. وليست المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة إلى محاولة تعديل القوانين، لتتوافق مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحالي، فمنذ تأسيس هيئة التأمين الصحي عام 1964، صدرت مجموعة من القوانين المنظمة للتأمين الصحي بمصر، بهدف كفالة الحق في الحياة التأمينية الصحية لكل المواطنين، وحُددت المدة اللازمة وقتها لتنفيذ المشروع بعشر سنوات، يصبح بعدها التأمين الصحي متاحا لكل مواطن، وهو ما لم تستطع أي من الحكومات المتعاقبة تنفيذه حتى الآن، رغم بعض المحاولات، وآخرها مشروع التأمين الصحي الشامل المطروح حاليًا، والذي مازال تحت طائلة المناقشة بمجلس الوزراء. القانون الجديد تسعى الدولة إلى تحسين صورة التأمين الصحي، التي باتت سيئة خلال سنوات طويلة ماضية، نتيجة سوء الخدمات المقدمة، وعدم دمج كثير من الشرائح بالمنظومة، وهم غير المؤمن عليهم مثل ربات المنازل والفلاحين والعاطلين عن العمل، لذا سعى القائمون على مشروع القانون الجديد من خلال بنوده إلى خلق نظام تكافلي اجتماعي، إلزامي على جميع المواطنين داخل مصر، وعلى أسر المصريين العاملين بالخارج المُقيمين داخل البلاد، واختياري للعاملين وأسرهم بالخارج. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن قبيل تطبيق القانون بشكل نهائي.. هل سيصبح المشروع الجديد حصن الفلاحين والفقراء في مواجهة الأمراض فعليا؟ أجاب الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، ل"أهل مصر"، إن القانون الجديد يقوم على الاشتراكات الإجبارية للأسرة كاملة، بموجب اشتراكات جبرية تخصم من عائل الأسرة بطرق لم يتم تحديدها بعد، موضحا أن ذلك سيؤرق الأسر محدودة أو معدومة الدخل. وهو البند الذي علق عليه أيضا القائمون على "برنامج الحق في الصحة" التابعة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في وقت سابق، قائلين في دراسة صادرة في أبريل 2013 –تعليقا على بند الاشتراكات والذي لم يعدل حتى الآن- إن من ضمن سلبيات القانون أنه مبني على اشتراك يمثل نسبة من أجر العاملين، وهو الذي قد يمثل عجزا لدى بعض الأسر ذات الأجور المنخفضة، في الوقت الذي لا تستطيع به الدولة إعادة هيكلة الأجور الأساسية بشكل كبير، نتيجة الإصلاحات الاقتصادية وما تبعها من إجراءات صارمة في الوقت الراهن. دراسة لم تنتهي بعد سببًا في التأجيل وتمثل الدراسة الإكتوارية للمشروع، عنق الزجاجة لخروجه إلى أرض الواقع، وبدء تنفيذه، وحسبما ذكر مدير الحق في الدواء فأنه لا يجب التعليق على نصوص القانون حاليًا، في عدم وجود نص الدراسة الإكتوارية التي تولت إعدادها إحدى الشركات الإنجليزية ولم يعلن عنها بعد، ولا أحد يعرف ما توصلت إليه الدراسة بخصوص تطبيق القانون وتكلفته الكاملة. وبمجرد خروج الدراسة، يستطيع الجميع معرفة آليات تحصيل الموارد من المواطنين بالقطاع غير الرسمي مثل الفلاحين والمتعطلين عن العمل، وهو الأمر الذي لا يستطيع أحد تحديده حاليا قبل إعلان الدراسة. بنود معلن عنها ووفقا لما تم الإعلان عنه حتى الآن، فإن خزينة الدولة ستتحمل اشتراكات غير القادرين، ويمثلون 23.7 مليون فرد، بمتوسط تكلفة الخدمة الصحية 1000 جنيه سنويًا، وعدد غير الخاضعين للتأمين الصحى 17 مليون فرد، ويصبح إجمالى متوسط المتوقع ما تتحمله الخزينة العامة حوالى 40 مليار جنيه تقريبًا. كما أن قيمة اشتراكات العاملون المؤمن عليهم الخاضعين لقانون التأمين الاجتماعى رقم 79 لسنة 1975 تبلغ 1 % و2 % عن الزوجة غير العاملة، و0.5 % عن كل ابن معاق، بينما اشتراكات أصحاب الأعمال -ومن فى حكمهم- الخاضعون لقانون التأمين الاجتماعى رقم 108 لسنة 1976 تبلغ 4 % من صافى الدخل، وفقا للإقرار الضريبى والمعالون 2 % عن الزوجة غير العاملة و0.5 % عن كل ابن. ويستغرق تطبيق القانون 12 سنة تبدأ فى 2017 وتنتهى عام 2028 على 6 مراحل كل مرحلة 5 محافظات، وحسبما أشار مدير مركز الحق في الدواء، فإن التجربة لن تصل مستشفيات القاهرة والجيزة قبل 12 عامًا، حيث تطبق أولا في خمس محافظات هي بورسعيد والإسماعيلية والسويس وشمال وجنوب سيناء، يليها عدة مراحل إلى أن تصل في المرحلة الأخيرة إلى القاهرة والجيزة والقليوبية، مشيرا إلى أنه حتى الآن لم يتضح بعد هل تدخل المستشفيات الخاصة تحت قبة القانون أم لا؟ أو كيف سيتم تنفيذ القانون، داعيًا إلى انتظار نتيجة الدراسة الإكتوارية. وينتظر كثير من أبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل والفئات التي لم يشملها القانون الحالي مثل الفلاحين، ما سيخرج به القانون في نهاية المطاف، للاطمئنان على مستقبل صحي أفضل لهم وذويهم.