«أنا وحيد في عالم لا يرى نفسه مذنبًا في حق أحد» هكذا يبدأون حديثهم عندما يتراجعون عند آخر لحظة تفصلهم عن الموت، لا يوجد أرقام محددة لعددهم، ويتم التعامل مع تلك الحوادث باعتبارها حوادث عادية، رغم أنهم يزدادون كل يوم، وتتعدد طرقهم في التخلص من الحياة، ورغم أن جميهم لا ينجحون في الانتحار فعليًا لكنهم يقدمون عليه بطريقة ما. والانتحار هو نوع من أنواع العنف، لكنه موجه ضد النفس، وقد يرجع لأسباب بيولوجية ونفسية واجتماعية، بداية من التلوث مرورًا بالضوائق الاقتصادية، ووصولًا إلى القمع وكبت الحريات. «إحصائيات واهية» رغم ارتفاع عدد حالات الانتحار، والتي ازدادت خلال الفترة الأخيرة خاصة في مصر، فإن الدولة تعتبرها حوادث عادية مثلها مثل حوادث الطرق، وتُقدّر منظمة الصحة العالمية أن عدد المنتحرين كل عام 800 ألف شخص، وأن عدد محاولات الانتحار تساوي عشرين ضعف ذلك العددK وفي عام 2012، صنفت منظمة الصحة العالمية مصر من بين أقل الدول في معدلات الانتحار، بأقل من خمس حالات بين كل 100 ألف شخص. غير أنه لا توجد إحصائية موثوقة عن عدد المقدمين على الانتحار الذين ينجحون في فعليًا، غير أن الأخصائيين النفسيين، يرون أن هناك صعوبة شديدة في تحديد أرقام حالات الانتحار، لأن أهل الشخص المنتحر يرفضون الإعلان عن ذلك، وبالتالي لا يتم توثيق أغلب الحالات. «أسباب الانتحار» يرى علماء النفس، إنه في معظم الأحيان تتعدد أسباب الانتحار فلا يشترط أن يكون سبب الانتحار واحد، كما يؤكد المتابعون لحالات الانتحار أن من تلك الأسباب في الفترة الأخيرة الإحباط الشديد عند الشباب، خاصة تغير الأحوال السياسية، وحالة الركود الاقتصادي، وغموض المستقبل، وصعوبة الزواج، هذا فضلًا عن المشاكل الأسرية والخواء الثقافي والديني. ويرجع متخصصوا علم النفس أن مرض الاكتئاب العقلي، وهو ذلك المرض النفسي الذي يشعر بمقتضاه المريض أنه السبب في كل المآسي التي يعانيها ما يجعله يعتقد بأن وضع حد لحياته سيضع حدًا أيضًا لتلك المآسي أيضًا، ويرى أطباء علم النفس أن هناك مرضًا يعرف ب«فقدان العقل» الذي يدفع المنتحر لإنهاء حياته كي يلفت نظر الناس لقضية يتبناها، ويريد أن ينتصر لها لدرجة تفقده عقله، وتجعله يقرر إنهاء حياته، الذي كان بمثابة شرارة ثورة الياسمين هناك في يناير 2011. فيما يعد «الانتحار العاطفي» الذي يُقدم عليه أشخاص مرورًا بتجربة عاطفية مؤلمة، وتكونت لديهم قناعة نفسية بأن حياتهم انتهت مع انتهاء التجربة العاطفية. وتنتشر ظاهرة الانتحار، بين الفئات العمرية ما بين 15 و 25 عام، فيما تقل النسبة في الفئة العمرية ين 25 إلى 40 عام، فيما تزداد نسبة الذكور المنتحرين أكثر من نسبة الإناث، أما في الفئة العمرية من 7 إلى 15 عامًا، يزيد عدد الإناث المنتحرات عن الرجال. «أشكال الانتحار.. آخرها المترو» منذ أن عرفت ظاهرة الانتحار ارتبط تنفيذها بالانتحار باستخدام السم، أو الشنق "وغالبًا ما كان يحدث في المنزل"، إلا أنه لأسباب تعد سياسية، ظهر نوع جديد من الانتحار لم يكن متشلاًا بكثرة وهو الانتحار حرقًا، والتي تعد أشهر حوادثها احتراق "بو عزيزي" في تونس، ومنها أعادت هذه الحادثة الطريقة غير المألوفة من الانتحار إلى الأذهان في مصر. لتبرز بعدها طريقة جديدة في الانتحار وهي أن يقوم المنتحر بإلقاء نفسه أسفل عجلات قطار مترو الأنفاق، وهي الطريقة التي سجلت عددًا كبيرًا من الحالات خلال الفترة الأخيرة، فيما لم تعد تنتشر طريقة الانتحار شنقًا أو بترجع السم، ورغم أن جميعها تعد مأساة، إلا أن المواطنين يرون أن إلقاء شخص بنفسه تحت عجلات القطار شيئ مؤذ نفسيًا لكل من يرى المنظر، أو من يشهده، كما يرى البعض أن خطر على الأطفال والذي من الممكن أن يصابو بأمراض نفسية بسبب مشاهدة موقف كهذا أو حتى محاولة تقليده أو تجربته فيما بعد. «الإيمان وإنهاء الحياة» ومن الناحية الدينية، فإن الدين الإسلامي يفرق بين المنتحر عن عمد والمنتحر الذي يعاني من أمراض نفسية، فمن يصاب بمرض نفسي يؤثر على كيانه ويقدم على الانتحار فهو في هذه الحالة يتمنى رجال الدين ألا يقع عليه العقاب الذي يناله المنتحر عن عمد، وذلك وفًقا لحديث الرسول الكريم : «من تردى من فوق جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا ومن ضرب نفسه بحديدة ليقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا، ومن تعاطى سُما فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا» ما يعني أن المنتحر عن عمد بأي وسيلة كانت سيلقى هذا المصير". ويربط عدد من الداعية الإسلاميين بين تنامي ظاهرة الانتحار في صفوف الشباب من ناحية وبين رواج الإلحاد من ناحية أخرى، حيث يرون من وجهة نظرهم، أن مفهوم الإيمان الصحيح لم يعد متمكنًا من نفوس عدد لا بأس به من الشباب المصري، وذلك بسبب غياب لغة الخطاب الديني المتزنة القادرة على الوصول لهذا الشباب". ويرى بعض المتابعين، إن تعاطف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يلقاه المنتحر، وكذلك تراجع سلبية النظرة الدينية التي تحرم هذا الفعل، فلم يصبح كثيرون ممن يفعلون ذلك يشعرون بالخزي كما كان في السابق. ورفض أساتذة الطب النفس الربط بين انطباع التدين السائد عند الشعب المصري وبين تنامي حالات الانتحار، وبحسب شهادة طبيب نفسي :«معظم حالات الاكتئاب التي أشرف على علاجها ولديها أفكار انتحارية تمتنع عن تنفيذ هذه الأفكار؛ بسبب الوازع الديني : «يكفينا عذاب الدنيا، لا نريد أن نعذب في الآخرة أيضا».