سلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على ما عرف ب"وثائق بنما"، وتمت إزاحة الستار عن تفاصيل هذه الوثائق، وكشفت أنها وثائق مُسَرَّبَة من شركة "موساك فونسيكا" التى تتخذ من بنما مقرًا لها، وقالت وسائل الإعلام إنها وصلت لأكثر من 11.5 مليون وثيقة تتعلق بعمليات "إخفاء الثروات"، وتمس أكثر من 214 ألف جهة من مؤسسات وشركات عالمية، فى أكثر من 200 دولة حول العالم. وكشفت الوثائق أسماء 140 شخصية سياسية، وشخصيات عامة، ومشاهير، متورطين فى عمليات إخفاء ثروات، وتهرب ضريبى بطرق غير مشروعة أدت لتضخم ثرواتهم. وكشفت الوثائق أيضًا أن 12 من زعماء العالم الحاليين والسابقين متورطون فى عمليات إخفاء ثرواتهم، بمساعدة الشركة البنمية، من بينهم الرئيس الأرجنتينى، ورئيس وزراء جورجيا، ورئيس وزراء أيسلندا السابق، ورئيس الوزراء العراقى السابق إياد علاوى، ورئيس الوزراء الأردنى السابق، والأمير القطرى السابق، ورئيس الوزراء القطرى السابق، ورئيس السودان السابق، ورئيس وزراء أوكرانيا، والرئيس الأوكرانى السابق، والعقيد الليبى معمر القذافى، ونجل أمين عام الأممالمتحدة كوفى عنان. وشملت الوثائق المسربة أسماء مصادر مقربة من رؤساء دول، من بينهم أحد أقرباء ملك المغرب، ورئيس الحكومة الباكستانية، ومقربون من الرئيس الروسى فلادمير بوتين، وأبناء عم الرئيس السورى، وأفراد من أسرة رئيس أذربيجان، وابنة رئيس الوزراء الصينى السابق، ونجل الرئيس السابق لغانا، ونجل رئيس وزراء ماليزيا، ومقربون من رئيس ساحل العاج السابق، وابن شقيق رئيس جنوب أفريقيا، ووالد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، والرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك ونجله علاء، وشقيقة ملك إسبانيا، ومساعد الرئيس الأرجنتينى السابق، وأحد أقرباء رئيس المكسيك. واللاعب الأرجنتيني ميسي. وأشارت الوثائق المسربة، إلى تحويلات سرية لبنوك وشركات بحوالى 2 مليار دولار، ورصدت أبرز 10 شركات ومنطقة حول العالم، سَهَّلَت عمليات التهرب من الضرائب لعملائها بطرق غير شرعية، وهى شركة "جزر فيرجن" البريطانية بمنطقة البحر الكاريبى، وشركة "بنما" فى أمريكا الوسطى، وجزر الباهاما فى منطقة البحر الكاريبى، وجزر "سيشل" فى المحيط الهندى قبالة سواحل أفريقيا، وجزيرة "نيوى" غرب المحيط الهادئ بأستراليا، وجز "ساموا" فى المحيط الهادئ، وجزيرة "أنجيلا" البريطانية، وولاية "نيفادا" بالولايات المتحدةالأمريكية، وهونج كونج. وكشفت وثائق بنما التى تم تسريبها مساء أمس الأحد، عن قيام كثير من القادة والمسئولين فى العالم بإخفاء ثرواتهم والتهرب من الضرائب وتكوين ثروات عبر شركات وهمية. لكن الكثيرون لا يعرفون معنى "الملاذات الضريبية" أو الشركات الوهمية أو المراكز المالية فى الخارج. وقدم جونتى بلوم، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" شرحا مبسطا لتلك المصطلحات لفهم تداعيات ما كشفت عنه تلك الوثائق الهامة. حيث إن الملاذات الضريبية على الرغم من وجود طرق مشروعة لاستخدام الملاذات الضريبية، إلا أن الكثير مما يحدث يتعلق بإخفاء أصحاب الأموال الحقيقيين، وأصل هذه الأموال وتجنب دفع ضرائب على هذه الأموال. فلو كنت شخصا ثريا صاحب أعمال فى ألمانيا قرر أن يتهرب من الضرائب، أو تاجر مخدرات دولى أو رئيس لنظام وحشى، فإن الطرق كلها متشابهة. وتقول شركة موساك فونسيكا للمحاماة إنها التزمت دوما بالبرتوكولات الدولية لضمان أن الشركات التى تعمل معها لا تستغل للتهرب من الضرائب وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب أو أى أهداف أخرى غير مشروعة. الشركات الوهمية الشركة الوهمية هى مظهر خارجى لمشروع، لكنها شركة خاوية. لا تفعل شيئا سوى إدارة المال داخلها مع إخفاء من يملك الأموال. وتتشكل إدارتها من محامين ومحاسبين وحتى عامل التنظيف بالمكتب الذين لا يفعلون أكثر من توقيع الوثائق والسماح بظهور أسمائهم على الورق. وعندما تحاول السلطات معرفة من يملك الأموال، يقال لهم إن الإدارة هى من تفعل ذلك. لكنها تكون مجرد واجهة. ويدفع لهم شخص آخر حتى يستطيعوا إخفاء أموالهم من السلطات وفى بعض الحالات عن زوجاتهم السابقات. ويمكن أن يطلق على الشركات الوهمية أيضا اسم شركات الرسائل، لأنها لا تتكون إلا من عنوان بإرسال الوثائق منه وإليه. وعن المركز المالى فى الخارج أو "الملاذ الضريبى" فإنه لو أن شخصا ما يملك شركة وهمية، فإن صاحبها لن يرغب أن يكون مقرها فى لندن أو باريس، حيث تستطيع السلطات عادة أن تكتشف من يملكها، لو أرادت ذلك حقا. ومن ثم يحتاج صاحب الأموال إلى مركز مالى فى الخارج أو ما يسمى بالملاذ الضريبى. وتكون تلك الملاذات عادة فى الجزر الصغيرة التى يتمتع نظامها المصرفى بسرية كبيرة وضرائب بسيطة للغاية أو عدم وجود ضرائب على الإطلاق على التحويلات المالية. وهناك الكثير من تلك الدول أو السلطات التى تقوم بها حول العالم مثل جزر فيرجين البريطانية وماكاو والباهاما وبنما. وحتى فى مثل هذه الأماكن، فإن أغلب الخدمات المالية تكون قانونية تماما، لكنها تتمتع بسرية تجعلها جذابة للغاية للمتهربين من الضرائب والمحتالين حول العالم، لاسيما لو كان المنظمون ضعفاء أو يغضون الطرف. واتضح أن "الأسهم والسندات لحاملها" توفر الإجابة الواضحة. لمزيد من عدم الكشف عن الهوية ليمكن المرء من نقل كميات أكبر من الأموال بسهولة، فإن الخمس جنيهات الاسترلينى مكتوب عليها "أعد بأن أدفع لحاملها عند الطلب خمس جنيهات"، وهذا يعنى أنها لو كانت فى جيبك، فهى ملكك. فالشخص الذى يحمل الأموال يملكها ويمكن أن ينفقها أو يفعل ما يحلو له بها. وبنفس الطريقة، يعمل حامل الأسهم والسندات، فالشخص الذى تكون فى جيبه أو فى حقيبته أو فى صندوق ودائعه يملكها. لكن بالنسبة للأسهم والسندات لا يكون المبلغ خمس جنيهات فقط، ولكن حوالى 10 آلاف جنيه استرلينى. وهذا مفيد جدا لو أردت أن تنقل كميات كبيرة من الأموال، ومفيد أيضا لو أردت أن تنكر ملكيتك لها. فلو كانت السندات موجودة فى مكتب محام فى بنما، من يعرف أنها ملكك أو أنها موجودة بالأساس؟ وهذا يساعد فى فهم لماذا توقفت الحكومة الأمريكية عن بيع السندات لحاملها فى عام 1982. حيث كان من السهل جدا على المحتالين استخدامها. وانتقل البحث إلى قضايا غسيل الأموال، حيث ينطوى غسيل الأموال على عملية تطهير الأموال القذرة حتى يمكن استخدامها بدون إثارة الشكوك. فلو كنت تاجر مخدرات أو مزورا أو سياسيا فاسدا سيكون لديك الكثير من الأموال ولا سبيل لإنفاقها أو إخفائها. فالأموال تحتاج لتنظيف ومن الممكن شحنها لشركة مراوغة فى مركز مالى بالخارج، وربما يساعدون فى تحويلها إلى سندات لحاملها، تملكها شركة وهمية لا يعرف أحد عنها شىء. ويمكن أيضا أن تستخدمها لشراء مكان آمن فى لندن أو جنوب فرنسا فى حال حدوث انقلاب، وربما تقوم بدفع رسوم مدارس الأطفال أو تمويل رحلات تسوق كبيرة لأحد أفراد العائلة. وكان أحد السبل لمعاقبة الأنظمة سيئة السمعة ومحاولة الحد من قوتها هو فرض العقوبات عليها. ويمكن أن يشمل هذا وضع حدود على استيراد المعدات العسكرية أو الذخائر، أو فرض الحظر على النفط والبضائع الأخرى. أما العقوبات الشخصية، فتشمل إغلاق حسابات بنوك للحكام المستبدين وأصدقائهم وعائلاتهم وأنصارهم. وتفرض الحكومة البريطانية حاليا آلاف العقوبات على دول وأعمالها وبنوكها والكثير من الأفراد. لكن كلما كانت العقوبات مرهقة لنظام ما، كلما أمكن جنى الأموال باختراقها أو خرقها من خلال تقديم حسابات سرية لمن يمارسون التعذيب أو القتل الجماعى، تقديم أسلحة لطرف أو آخر أو طرفى حرب أهلية أو تمويل طموحات نووية لانظمة معزولة. الفوائد هائلة بالطبع، كثير من الحسابات البنكية السرية والشركات الوهمية فى أجزاء من العالم يغض فيها المسئولون الطرف، وهى أفضل وسيلة لجعل خرق العقوبات مربحا. وتجلت الجهود الأوروبية لوقف إخفاء الأموال، وفى محاولة لوقف إخفاء الأموال عن سلطات الضرائب، قدم الاتحاد الأوروبى اتفاقا يعرف باسم "توجيه الادخار الأوروبى". فالبنوك فى دول الاتحاد الأوروبى تجمع الضرائب المستحقة على الحسابات البنكية التى يملكها مواطنين من دول أخرى بالاتحاد. فلا يمكن أن تكون أيرلنديا ولديك حساب بنكى فى هولندا وتأمل ألا تستطيع السلطات فى إيرلندا أن تكتشف أمرك أو تجمع الضرائب المستحقة عليك. وهذا الكيان الأوروبى زاد من صعوبة إخفاء الأموال فى أوروبا. وهو أمر لافت، لأنه عندما تمت مناقشة هذا الكيان كان هناك زيادة مفاجئة فى الأشخاص الذين أرادوا أن يفتحوا حسابات بنكية خارج أوروبا، ومن ثم زاد الاهتمام بأماكن مثل بنما وجزر فيرجن البريطانية. ومن المتوقع أن تتضح تفاصيل أكثر خلال الأيام القامة قد تكون بمثابة فضائح لمشاهير ومسئولين كبار حول العالم كافة.