ذات خريف ساعي البريد القادم من الشمس يضع بطاقات الدفء الصغيرة في صناديق المنازل وأيدي المارة ولا يري الرجل.. الرجل يعبر الطريق يحمل الجريدة واللعبة الصغيرة التي علي شكل قطة بيضاء ينظر إلي شرفة منزله في آخر الشارع الشرفة التي علي شكل ابتسامة ولا يري الطفلة.. الطفلة تلامس أرضية الشرفة بقدمين حافيتين تشد طرف الحبل وتعاود النظر لأعلي فلا تري طائرتها الورقية.. الطائرة الورقية تتمني لو تجد مخرجا من هذه الغيمة الكبيرة التي غمرت الكوكب هذا الصباح.. الخوف في كل مرة يضع طاقم أسنانه، يأخذ قرص ارتفاع الضغط، يتعكز كي ينتظرك في الظلام.. حسنا ليس ضروريا أن يكون المكان شديد العتمة فهو يخاف أو لنقل: يريد أن يراك بوضوح.. في كل مرة يقف طويلا أمام المرآة يقول: أشعر أنني بصحة جيدة اليوم يتذكر بطولاته القديمة القلوب التي كسرها وأفرغ ماءها علي الإسفلت والأجساد الضخمة التي كانت ترتمي تحت قدميه يتجاهل ندبة تحت عينه اليسري تبدو حديثة.. هو لم يعد متجهما كما كان في السابق لم يكن يسمح لك بأن تنظر إلي عينيه مباشرة، أو تناديه باسمه.. الآن يمكن أن تتحدثا طويلا، أو يقرضك كتابا، أو يشاركك بعض القهوة في حديقة مفتوحة.. لكنك ترفض دائما وتصر علي أن يقوم بعمله بالطريقة القديمة ذاتها التي تبعث علي الملل.. أنت أيضا تغيرت لم تكن تسمح له بأن يداعب أطفالك أو ينظر من نافذة شقتك المطلة علي البحر أو يتأمل ألبومات صورك ويشير إلي أحدهم بفضول: مين دة؟ أصبح يشاركك غرفة المعيشة، والمكتبة، والفراش، يختار لك ألوان ستائرك، ودرجة حرارة ماء الاستحمام، وعدد ملاعق السكر التي تضيفها إلي الشاي.. في كل مرة تقلب كوب الشاي في المطبخ بينما تنظر إليه من بعيد وهو يشاهد التلفاز كزوجة بدينة وتتمني أن تتذكر في أي لحظة بالتحديد توقفت عن الصياح في وجهه وإغلاق باب الشقة أمامه بعنف.. في كل مرة ينتظرك حتي تنتهي من قراءة هذه القصيدة ثم تأخذ بيده ليكسر قلبك ويفرغ ماءه علي الإسفلت البارد..