الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    محافظ أسيوط يوجه بسرعة إصلاح كسر خط مياه حى شرق والدفع ب 9سيارات    وزير الإسكان: زراعة أكثر من مليون متر مربع مسطحات خضراء بدمياط الجديدة    خطوات شحن كارت الكهرباء بالموبايل خلال إجازة عيد الأضحى    جيش الاحتلال يزعم: اعتداءات حزب الله المتزايدة تدفعنا نحو التصعيد    كييف: روسيا تصعّد هجماتها العسكرية خلال قمة السلام الأوكرانية في سويسرا    ثنائي بيراميدز يحجز مكانه في قائمة المنتخب الأولمبي بأولمبياد باريس    العفو عن 4199 من نُزلاء «الإصلاح والتأهيل»    حفلة منتصف الليل| إقبال كثيف للشباب على سينمات وسط البلد.. صور    بعد طرح أحدث أغانيه.. محمد رمضان يوجه رساله لجمهوره| فيديو    عبير صبري: لم أخذ حقي في الوسط الفني وأخذته عند الجمهور    شروط تناول اللحوم في العيد حفاظا على الصحة    عادة خاطئة يجب تجنبها عند حفظ لحمة الأضحية.. «احرص على التوقيت»    مراكز الشباب تحتضن عروضا فنية مبهجة احتفالا بعيد الأضحى في القليوبية    صائد النازيين كلارسفيلد يثير ضجة بتعليقاته عن حزب التجمع الوطني بقيادة لوبان    الرئيس الأمريكى: حل الدوليتين السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم للفلسطينيين    متى آخر يوم للذبح في عيد الأضحى؟    وفاة حاج رابع من بورسعيد أثناء رمي الجمرات بمكة المكرمة    أجواء رائعة على الممشى السياحى بكورنيش بنى سويف فى أول أيام العيد.. فيديو    أكلات العيد.. طريقة عمل المكرونة بالريحان والكبدة بالردة (بالخطوات)    إريكسن أفضل لاعب في مباراة سلوفينيا ضد الدنمارك ب"يورو 2024"    الحج السعودية: وصول ما يقارب 800 ألف حاج وحاجة إلى مشعر منى قبل الفجر    بوفون: إسبانيا منتخب صلب.. وسيصل القمة بعد عامين    موعد مباراة البرتغال والتشيك في يورو 2024.. والقنوات الناقلة والمعلق    «البالونات الملونة» فى احتفالات القليوبية.. وصوانى الفتة على مائدة الفيومية    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    الغندور ينتقد صناع "أولاد رزق" بسبب "القاضية ممكن"    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    ريهام سعيد تبكي على الهواء (تعرف على السبب)    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    وزير الداخلية الباكستاني يؤكد ضمان أمن المواطنين الصينيين في بلاده    التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    قصور الثقافة بالإسكندرية تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال بشاير الخير    موراي يمثل بريطانيا في أولمبياد باريس.. ورادوكانو ترفض    وفاة ثانى سيدة من كفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    ما الفرق بين طواف الوداع والإفاضة وهل يجوز الدمج بينهما أو التأخير؟    قرار عاجل في الأهلي يحسم صفقة زين الدين بلعيد.. «التوقيع بعد العيد»    تقارير: اهتمام أهلاوي بمدافع الرجاء    هالة السعيد: 3,6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعًا تنمويًا بالغربية    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    «سقط من مركب صيد».. انتشال جثة مهندس غرق في النيل بكفر الزيات    منافذ التموين تواصل صرف سلع المقررات في أول أيام عيد الأضحى    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برنس عمي مصباح
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 05 - 2015

يعرف عمي مصباح أن برنسه قد أصبح ذا شهرة واسعة في بلدته المنجمية، يتحدث عنه الناس في مجالسهم فيثنون علي مهرية بنت صويلح التي لم تسترح طيلة شهرين قضتهما في اختيار مكوناته من وبر الابل الأصهب الممزوج بصوف الغنم المجزوز في أواخر شهر مايو المائل الي الشقرة التي قل وندر أن تغطي أجسام الأكباش والنعاج.
عندما اكتملت صدرة البرنس حمله الي منزله فتلقفته منه زوجته مهرية وأسدلته علي كتفيه فانحدر أسفله الي أعلي قدميه لينا كأنه الحرير وفاهرا كأنه لباس أمير من أمراء الدولة الحسينية قبل أن يسيء اليهم الزمن بعد استقلال البلاد.
- لا تذهب الي السوق أو الي أي مجلس من المجالس الا وهو فوق كتفيك يا سي مصباح!
قالت مهرية هذا الكلام ثم نادت أبناءها لمشاهدة برنس أبيهما الذي لم تصنع امرأة في المتلوي مثيلا له.
- أعجب الأولاد والبنات ببرنس والدهم وقال صغيرهم وهو يفرك عينيه من أثر النوم:
- أريد أن تصنعي لي برنسا كبرنس أبي يا أمي!
لاطف عمي مصباح الصبي وخاطبه:
- بعد ختانك في الشهر المقبل نفكر في طلبك يا كبدي.

اصطحب ولديه الكبيرين الي سوق البلدة واشتري ما طلبت منه زوجته شراءه لاعداد وليمة حفل ختان طفلهما الصغير ووضعه في بعض الأكياس وصناديق الورق المقوي والقفف وطلب من أحد الحوذيين حمله علي عربته المجرورة الي بيته مصحوبا بإبنيه، واختار لنفسه مكانا في المجلس المسائي لأصدقائه بدكان عبدالقادر بالغوار.
مال الكلام الي الحديث عن البرنس فقال جليس انه سمع عن صالح "المينور" عن بلقاسم "البيزور" عن عبدالسلام حارس مستودع المفرقعات المنجمية أن أحد المقربين من عمي مصباح صرح، في غياب وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة، وهو يقسم بالله العظيم ويحلف بسيدي ابراهيم الشارف وسيدي عبود بن عطية وسيدي عيسي بن عمارة وبشهداء اضراب 4 مارس 1937 بالمغازة المركزية لشركة الفسفاط، بأنه، بعينيه اللتين سيملؤهما التراب ويأكلهما الدود وقد رأي ذات مساء عمي مصباح يفتح جناحي برنسه ويطير في علو مائة وخمسين قدما من بيته في حي المزيرعة الي بيت أخته بوادي الأرطة علي بعد ثمانمائة متر.

نعود الي ما جري للحوذي.. فقد أوصل ما حملته عربته الي بيت عمي مصباح وعندما انهمك أبناء الرجل في ادخال القفف والأكياس والصناديق طلب من فتاة صغيرة أن تسعفه بشربة ماء، فاختفت داخل البيت لتحقيق طلبه، وفجأة برز البرنس وهو يحمل اناء مملوءا ماء وقدمه للكرارطي الذي سقط مغشيا عليه من غرابة ما شاهده.

في اليوم الموالي أحس مصباح المكلف بمهمة توجيه القاطرات أنه في وضع مستعجل الي قضاء الحاجة البشرية فدخل غربة الأمتعة التابعة لمرصد مراقبة عربات السكك الحديدية وعلق برنسه ثم نط الي بيت الراحة وأغلق وراءه باب المرحاض.
كان علي يقين كعادته من أن موعد حلول القطار المرسل من المغسلة عدد 3 سوف لن يحين قبل ربع ساعة من تلك اللحظة، غير أنه، بمجرد شروعه في التغوط تناهي الي سمعه صياحا متكررا ومتواصلا تطلقه قاطرة لا يعرف من أين وكيف جاءت في تلك اللحظة فأنهي قضاء حاجته البشرية بسرعة وخرج ليحول دون وقوع كارثة قد تنتج عن اصطدام القطار القادم بالقطار الواقف فوق خط حديدي لم يغلق الاتجاه المؤدي اليه.
يا للعجب.. القطار يمر في اتجاه مفتوح.. من حول مساره؟!.
ظل يبحث عن جواب لسؤاله الي أن توقفت العربات الفسفاطية ونزل من القاطرة سائقها وهرول نحو عمي مصباح ليقول له:
شيء لا يصدق.. كدت أواصل مساري في اتجاه القطار الواقف لولا تدخل برنسك الذي جذب الذراع المعدني لفتح الخط الحديدي يسارا.

عاد عمي مصباح الي غرفة الأمتعة فوجد البرنس معلقا في مكانه..

كان ختان الابن الأصغر حدثا مشهودا أعجب بكرم ولائمه كل من دعي الي الأكل في موائده، وكان عمي مصباح هو النجم البارز طيلة أيام الفرح ببرنسه الذي لم يفارق قامته الممدودة وهو يصافح هذا ويستقبل ذاك ويرحب بثالث ويوجه رابعا نحو مكان مريح للجلوس فتحدثت بعض النسوة عن براعة مهرية في حياكة البرانيس عموما وفي تفانيها أكثر في سبيل انجاز برنس زوجها الذي تفننت في صنعه.. وقيل ان بعض نساء الجن قد ساعدنها علي نسجه والدليل علي ذلك هو أنها كانت تؤجج الموقد لحرق البخور كلما تضاءلت رائحته وهي جالسة خلف المنسج.. وقيل أيضا ان وبره وصوفه مجزوزان من أنعام جانية.. والله أعلم.
أما العمة - الراهمة - وهذا اسمها الحقيقي - فإن عينيها مازالتا تلتقطان النظر بوضوح رغم تقدمها في السن واعتمادها في السير علي عكازتين.. عندما تنضم الي مجلس نسوي تستعيذ صاحباته من وجودها ومن حرارة عينيها اللتين شبهتهما تلميذة من بنات الحي ببندقية صيد لأنهما لا تخطئان في اصابة هدفهما.
اقتربت مهرية مرحبة بالوافدات علي ختان ابنها أمسكت عجوز ما بعد الثمانين خريفا بصانعة البرنس من احدي يديها وفركت أصابعها وهي تقول:
- هذه المرأة لها أصابع تصنع العجب تصنع الحرير.
لم تكن مهرية تعرف عن خطورة سهام عيني الراهمة شيئا، لذلك انسحبت للترحيب بأخريات بينما تمتمت امرأة بقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا ستار أستر المخلوقة من العين فهي زوجة رجل طيب وأم صغار مازالوا محتاجين الي رعايتها.

انتهي حفل الختان في ظروف منعشة لم يستطع أن يتطاول عليها بالنقد أو الانتقاد ذكر أو أنثي، فعمي مصباح رجل كريم ومهرية قل وندر أن تضاهيها امرأة في حسن التنظيم، غير انها شعرت بعد اسبوع بحساسية مفرطة في أصابع يديها أجبرتها علي حكها كثيرا.
وبعد ثلاثة أيام امتدت الحساسية الي ذراعيها وزنديها الي أن شملت صدرها وظهرها ورقبتها، فلم تتمكن من اطفائها والتخلص منها بدهن أماكنها بزيت الزيتون الي أن بدأ التهابها يخفت في اليومين اللاحقين، لكنها لم تنعم بالاطمئنان الذي توقعته لأن انسحاب الحساسية من الأماكن المذكورة بجسدها قد فسح المجال لظهور حبيبات صغيرة كثيرة الاحمرار سرعان ما كبرت وأصبح الدم ينز منها، فسارع عمي مصباح بنقلها الي مستشفي البلدة التابع لشركة الفسفات أقام الحكيم الفرنسي "شيفير" بفحصها فحصا متأنيا ودقيقا سجل لها علي اثره مجموعة من أدوية الحقن والشرب والبلع.
بدأ الدمل ينطفيء تحت تأثير الأدوية، ف"شيفير" طبيب بارع ومشهود له بالشهرة وهو متحصل علي شهادة الدكتوراة في طب الأمراض الجلدية من احدي أهم الجامعات الفرنسية في أوائل خمسينيات القرن العشرين، لذلك تخلت شركة الفسفاط عن اطاراتها العليا من الفرنسيين الذين غادروها بعد استقلال البلاد وحرصت علي ابقاء الطبيب في وظيفته بموجب عقد مدته خمس سنوات قابلة للتجديد.
فكر عمي مصباح في ذبح علوش لتوزيع لحمه علي أسر الحي اذا شفيت زوجته مما حل بها الا أنه سوف لن يفعل ذلك لأن مهرية قد عاودها التوجع والصراخ الذي قض مضاجع أبنائها ذات ليلة مظلمة ولولت فيه الرياح وكأنها تنذر بحدث جلل سيحل قريبا.
شرع الأطفال في البكاء عندما انزعجوا من الوضع الخطير الذي شاهدوا عليه أمهم فبدأ الجيران يتجمعون في فزع، وقبل أن يتوجه أحد الشبان الي منزل الطبيب للاستنجاد به مما تعاني منه مهرية رفعت المسكينة سبابتها اليمني وتمتمت بكلمات غير مسموعة الي أن انقطعت أنفاسها رحمها الله.

قال مؤدب الحي و هو يسير في مقدمة جنازة المرحومة مهرية:
"إنا لله وإنا إليه راجعون" صدق الله العظيم.. منذ أيام قريبة كان منزل عمي مصباح قد استقبل الناس بمناسبة ختان ابنه الأصغر، وها هو اليوم يستقبلهم وقد ارتحلت زوجته الي جوار ربها تعالي.

في اليوم الثالث من الوفاة ذبح عمي مصباح العلوش، الذي نوي ذبحه سابقا لو شفيت زوجته، وكلف أخته وزوجة أخيه بإعداد عشاء الميتة فحضر القراء من المسجد القريب للقيام بختمة قرآنية ترحما علي الفقيدة، ووضع مصباح برنسه من علي ظهره فوق حبل الغسيل الأمامي للتخلص من ثقله وهو يهييء الموائد لتوزيع الطعام علي المعزين.. في تلك الأثناء أقبلت العمة الراهمة تتوكأ علي عكازيها لتعزية أهل البيت فوقعت عيناها علي البرنس فاقتربت منه وجسته بأصابع يديها فانزلق أحد عكازيها ولامس البرنس الذي سقط فوق رأسها ففقدت توازنها ووقعت علي الأرض تتخبط للتخلص مما التف حول وجهها ورقبتها.
تفطن الحاضرون الي ما حدث فهرع بعضهم لمساعدة المرأة علي الوقوف فوجدوا صعوبة في تخليصها من البرنس الذي التف بإحكام حول أنفها وفمها وخنق رقبتها غير انهم عندما رفعوه عنها وجدوا جثة بلا حراك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.