المسخرة التي نُصبت طوال الأسبوع الماضي حول حق الإضراب، هي في حقيقتها نوع من الواقعية السحرية التي وصفت بها روايات أمريكا اللاتينية، تلك التي لهج بذكر محاسنها عشرات النقاد، بينما هي مرطرطة عندنا، بل ولايكاد يمر يوم علينا دون واقعية سحرية. أليس حديث الرئيس المخلوع، الذي خلعه الشعب في ثورة، كما لعلكم تذكرون، في التليفزيون عندما استضافه الإعلامي البارز أحمد موسي، ضرب من ضروب الواقعية السحرية، وهل هناك أكثر رقة من الحديث الأبوي الذي تبادلاه، فهاهو أحمد موسي يتباسط مع المخلوع ويقول له يا أبوعلاء، والمخلوع يقول له ياأحمد!. أليس ذهاب نجلي المخلوع للعزاء في جامع عمر مكرم وتأمينهما ضرب من ضروب الواقعية السحرية؟ أليس تنازل حبيب العادلي عن مقاضاة الحكومة بسبب سجنه دون وجه حق، واكتفائه بالبراءة والعودة، ألا يعد هذا ضرب من ضروب الواقعية السحرية؟ ناهيك بالطبع عن براءة كل رجال النظام وأزلامه جميعهم بلا استثناء، أي أنه لم يحدث شئ مطلقا منذ 25 يناير قبل أربع سنوات. أليس اصطحاب الأستاذ جمال مبارك أسرته، والفسحة في منطقة الأهرامات دون حراسة- كما نشرت الصحف- بجاحه مابعدها بجاحه، الي جانب أنها واقعية سحرية، والأكثر سحرا هو تصريح الأستاذ الديب (الديب وحده واقعية سحرية مابعدها واقعية سحرية) الذي قال مامعناه إن الأستاذ جمال عاد الي الشعب. ويستطيع الواحد أن يعددأطنانا من مظاهر وأشكال الواقعية السحرية، مثل استمرار سجن الذين قاموا بالثورتين علي مبارك ومرسي وغيرها وغيرها، أي أننا نحن المصريبن- تعودنا علي الواقعية السحرية، ولم تعد بالنسبة لنا واقعية سحرية ولاحاجة. أما ما لا يمكن السكوت عليه، ويشكل عودة مظفرة وتجديدا للواقعية السحرية، أو مابعد الواقعية السحرية، فهو مسلسل حق الإضراب، ناهيك عن حكم الإدارية العليا الذي لم أفهمه في الحقيقة إلا أنه يمكن اعتباره واقعية سحرية، التجديد الذي أقصده هو موقف اتحاد العمال الذي طالب رئيسه العمال الذين يمثلهم بالتخلي عن هذا الحق معلنا أمام رئيس الجمهورية إن العمال في انتظار توجيهات الرئيس، فقد تفوق علي السيد راشدرئيس اتحاد العمال زمان وغيره من الرؤساء الذين سيذكرهم التاريخ، ويعيد إلينا العصور الزاهرة السابقة، عصور الواقعية السحرية الكبري. والمذهل والذي يمكن وصفه بحق مابعد الواقعية السحرية، هو المقترح الذي قدمه نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء بوقف الإضرابات لمدة عام، أي أن الدستورالذي نص في مادة منفصلة منه علي أن الإضراب حق لهذا الشعب هو مجرد ورقة يمكننا أن نبّلها ونشرب مائها. أليس اصطحاب الأستاذ جمال مبارك أسرته، والفسحة في منطقة الأهرامات دون حراسة- كما نشرت الصحف- بجاحه مابعدها بجاحه