وزارة العدل الأمريكية: اعتقال عالمة روسية بتهمة "تهريب أجنة الضفادع"    أمير قطر يفاجئ ترامب بهدية غير متوقعة بعد توقيع اتفاقيات تاريخية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    بزشكيان ل ترامب: أمريكا تصف من يقاوم احتلال إسرائيل لفلسطين أنه يُهدد أمن المنطقة    إيران تحدد شروطها للاتفاق النووي مع الولايات المتحدة    إعلام إسرائيلي: مباحثات جادة بين إسرائيل وعدة أطراف لوقف إطلاق النار في غزة    وصل سعره ل 6800 يورو.. يسرا تتألق في «كان» بفستان لامع من توقيع إيلي صعب    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    كيف تتخلص من ارتفاع ضغط الدم؟ 3 طرق فعالة دون أدوية    يبدأ التسجيل اليوم.. المستندات المطلوبة للتقديم بوظيفة معلم رياضيات بالأزهر    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الخميس 15 مايو 2025    هبوط كبير في أسعار الذهب الفورية اليوم الخميس.. أدنى مستوى منذ 30 يومًا    إيران تُحدد شروطها للاتفاق النووي مع أمريكا.. ما هي؟    قناة مفتوحة نتقل مباراة مصر والمغرب في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للشباب اليوم    الحماية المدنية تسيطر على حريق كورنيش النيل بالمنيل    لايف.. تليفزيون "اليوم السابع" يكشف حقيقة فيديو حريق كورنيش مصر القديمة    لأول مرة، جيتور تستعد لإطلاق X70 Plus المجمعة محليا بالسوق المصري    مصر.. أمة السينما العربية الناجحة، سميح ساويرس وعمرو منسي في ندوة بمهرجان كان السينمائي    تباين آراء الملاك والمستأجرين حول تعديل قانون الإيجار القديم    نائب رئيس جامعة دمنهور تفتتح معرض منتجات الطلاب ضمن مبادرة «إنتاجك إبداعك»    السيطرة على حريق النخيل بكورنيش مصر القديمة    الكشف عن نظام المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    صام "مو" وفاق مبابي، حلم الحذاء الذهبي يتلاشى عن محمد صلاح    مصرع وإصابة 17 شخصاً في حادثي سير بالفيوم    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    موجة شديدة الحرارة يعقبها انخفاض.. بيان مهم من الأرصاد يكشف طقس الأيام المقبلة    رسميا.. رابطة الأندية تدعو الفرق لاجتماع من أجل مناقشة شكل الدوري الجديد قبل موعد اتحاد الكرة بيومين    وزير الخارجية: الرئيس السيسي يقود جهودًا دبلوماسية لوقف العدوان على غزة وإيصال المساعدات    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    عدد أيام إجازات المرأة وفقًا لقانون العمل الجديد    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    قطر: إسرائيل غير مهتمة بالتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    خبير لوائح: من حق الزمالك اللجوء ل الفيفا بسبب أزمة القمة    بريمونتادا +90 أمام مايوركا.. ريال مدريد يؤجل احتفالات برشلونة في الدوري الإسباني    مصرع بطل مصر في كمال الأجسام إثر حادث تصادم بالتجمع الخامس.. ماذا حدث ؟    مصرع رجل وزوجته في حادث تصادم سيارتين أجرة ونقل على طريق طنطا- كفرالشيخ    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    وصول حسام البدري والفوج الأول من الرياضيين المصريين إلى القاهرة    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    وكيل صحة الدقهلية يشيد بجهود الآطقم الطبية والإدارية في شربين    أخبار × 24 ساعة.. مجلس الوزراء: رسوم عبور قناة السويس تُحصل بالعملات الأجنبية    وكيل تموين الإسماعيلية تتفقد صوامع القمح بالقنطرة شرق    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    الخارجية الأمريكية: ترامب يريد تحسن الوضع الإنسانى المتفاقم فى قطاع غزة    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    «الرقابة الصحية» تشارك بالنسخة الأولى من المعرض العربي للاستدامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين مقتضيات الفن وثقافة الاستهلاك
مأزق الرواية الرائجة
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 04 - 2015

طرأ علي الوسط الثقافي المصري والعربي إلحاح بعض الظواهر التي كانت موجودة بالفعل من قبل، لكن لم يكن لها مثل هذا الحجم من الاهتمام والحشد الإعلامي الذي يدفع بها الي صدارة المشهد ويسلط عليها الأضواء، ففيما يتعلق بالرواية، النوع الأدبي
وبالطبع ليس من المعقول في المعطيات الطبيعية أن كل رواية رائجة غير ذات قيمة فنية عالية، هناك روايات أصابت رواجا وطبع منها الكثير وكانت تحمل قيما جمالية وفكرية عالية، أي أن مفردة الرائجة هذه تتضمن تدرجا في المستويات الفنية، لكن الملاحظة التي تشد انتباه المتابع للمشهد الروائي المصري في الآونة الأخيرة أن الروايات التي يقال عنها أنها الأكثر مبيعا هي غالبا التي تختص بسمات محددة لا تتوافر فيها قيم فنية رفيعة، كما تستند علي موضوعات مشوقة فقط تضمن لها الانتشار وسط فئة سنية معينة.
تتبدي في الروايات الأكثر مبيعا قيم الاستهلاك فهي ملونة وصارخة الانفعالات، فيها تتواري القضايا الوجودية التي ظلت تمثل أسئلة الإنسان الملحة والمتجددة بصيغ متغايرة في الزمن البشري، حيث الأدب الحقيقي هو التمثيل الجمالي للحياة بأسئلتها الأزلية، حالة الموازاة الرمزية للواقع.
يبقي الاستهلاك السريع هو سمة الرواية الرائجة لسهولة قراءتها وبساطة الموضوعات التي تتناولها، ومن ثم المتعة اللحظية غير الغامضة، وسرعة الانتهاء منها، لغتها شبة تقريرية تعالج في معظم موضوعاتها اللعب علي الغرائز لا القيم الوجودية والفلسفية، سريعة التناول، ومن ثم ينتهي المتلقي منها بلا جهد، كثوب يبلي بمجرد الارتداء، ويحتاج المستهلك أو القارئ لما بعدها من نصوص، وهو مايدير ماكينات طباعة دور النشر، ويروج لمبدعي أنصاف المواهب، والقراء الباحثين عن وجبات سريعة للتسلية ودغدغة المشاعر، علي الغالب تشبه رواية ال Best seller الموجودات الهشة والمسطحة التي لا تصمد في الزمن، ولايستمر جمالها متدفقا عند كل قراءة متجددة في التاريخ.
ربما ما اكسب الرواية الرائجة سمعتها التحقيرية أن أغلب ما يتصدر قوائمها روايات للاستهلاك السريع تلعب علي قيمة التشويق لدي المتلقي، بل تبدو أحيانا كأنها تعيد تدوير ألعاب "البلاي ستيشين" وبرامجه في منحي أدبي، كما أنها تجاري الموضات والتقاليع عند هذه الفئات القرائية، كأن نسمع عن الكتاب التفاعلي الذي يُترك به فراغات ليستكملها المتلقي بنفسه، أو المدونات الخفيفة التي تتحول بعض نصوصها إلي روايات مطبوعة، أو ضرورة أن تكون الرواية باهظة الثمن، فاخرة الطباعة، وتعرض بالمولات وسط الكافيهات الشبابية لطبقة معينة وفئة عمرية فيها.
ظاهرة الرواية الأكثر مبيعا أو الرواية الرائجة ليست حديثة الظهور عربيا بل هي ظاهرة قديمة، فروايات إحسان عبد القدوس في الخمسينيات والستينيات كانت تحظي بالنسب الأعلي قراءة لتحررها في مجتمع تخطو المرأة فيه لنيل حقوقها، هذا فضلا عن ما أحيط بموضوعاتها الاجتماعية الشائكة من صراعات دائمة مع الموروث الثقافي، جمعت روايات "إحسان" بين قيم مجتمعية ناهضة وقيم فنية رفيعة، في المقابل كانت هناك نصوص "خليل حنا تادرس" التي يُذكر أنها حققت مبيعات وصلت لخمس عشرة ألف نسخة، وروايات محمود عبد الرازق، كما كان هناك دائما أدب خفيف مثل نصوص د. نبيل فاروق، وأحمد خالد توفيق، وهو ما كان يمثل حلقة وصل بين مرحلة أولية من القراءة تنضج بعدها الذائقة وتتعمق الرؤية لتنتقل لمرحلة قرائية أخري، لذا كانت هذه الروايات متوازية دائما مع النص العالي القيمة الجمالية والفكرية.
غالبا ما تلعب موضوعات الرواية الرائجة في السنوات الأخيرة علي التابوهات الثلاثة الجنس والدين والسياسة ففي نصوص أحلام مستغانمي ونوال السعداوي وعلاء الأسواني أمثلة لتلك التنويعات بأشكال مختلفة، ويزداد هذا الانتشار مع فرص الترجمة للعديد من اللغات الأوربية؛ وحبذا لو وصلت الرواية للمنع أو المصادرة، هنا تصبح الدعاية السلبية لمصلحة انتشارها وكثرة عدد طبعاتها وذيوع تداولها في ما يشبه الخفاء.
وتنهض روايات أخري علي عنصر التشويق: الحبكة البوليسية والمطاردات، أجواء الرعب والظواهر الغرائبية، رواية الغيبيات التي تتناول عالم السحر والمخدرات والدعارة، النصوص التي تعالج فوضي المجتمعات العشوائية بعلاقاتها وغرابتها وذيوع عوالم الجريمة، أوالعوز المذل لكل معني إنساني نبيل.
كما أن الحاجات اليومية والأحداث العادية التي تمر بحياة هذه الفئة الشبابية التي تقرأ هذه النصوص هي التي تشكل موضوعات وأحداث السرد في هذه الأعمال؛ ولذا يجد الشباب لغتهم الخاصة التي يتداولونها وذواتهم بهمومهم المباشرة مجسدة في هذه النصوص فتنشأ علاقة تعاطف ما معها كما في نص "هيبيا" لمحمد صادق، اذ يرون اللغة حارة تتشكل عيونا تحاكيهم لتنقل ملامح يومياتهم وأوجاعهم المباشرة وكأنها مصورة في مشاهد حريفة " سبايسي" في مواجهة لاوعيهم المتمرد. وهي من هذه الناحية تشبه المسلسلات الدرامية التركية والمكسيكية التي يعرف منتجوها لمن يتوجهون بها من مشاهدين؛ لتزكية أوقات الفراغ وتسليتهم.
تبقي ظاهرة "الدعاية السلبية" ودورها الفعال في انتشار النصوص التي تقع تحت طائلة المنع أو المصادرة من قبل أي جهة دينية أصولية، أو ما تنتقده أية جماعات أو تيارات إسلامية أو مسيحية متطرفة في أحد النصوص الروائية سببا جوهريا لذيوع التداول شبه السري لهذه الأعمال ، فكل ما يتعرض للمنع يقع عند القاريء في شرك الفضول الذي يستدعي الحصول عليه بكل الطرق لعبا علي حقيقة أن كل ما يمنع يرغب فيه.
هناك ايضا الدعاية غير الحقيقية التي تقوم بها دور النشر والتي غالبا ما تحشد لها ما يسمي الأن ب (ألتراس) الثقافة تلك المجموعات الشبابية التي تتعامل مع مواقع الفيسبوك والمواقع الألكترونية الأخري، وتروج فيها لأحد الأعمال أو المبدعين وتصوّر النص علي أنه أفضل ما كتب، وحقق أفضل نسب من التوزيع.
و قد تدعي بعض دور النشر أنها طبعت لأحد الروايات أكثر من عشرات الطبعات في حين أن كل طبعة لا تتجاوز المئتين نسخة ويمكن أن توزع علي أصدقاء المؤلف فقط ، هذا إن كانت هذه الإدعاءات صادقة من الأساس فهناك طبعات لا يدري عنها القارئ أو المتابع شيئا سوي أقاويل دور النشر وتصريحاتهم.
وفي ظل غياب ثقافة الإحصاءات وتوافر المعلومات والمراقبة من الجهات المؤسسية المنضبطة التي تضطلع بتقارير صادقة عن حركة الإصدارات والطبعات وأعدادها وما وزع منها في فوضي التصريحات الدعائية لدور النشر لا مجال للتيقن من هذه التقولات .
يعد ايضا تحويل بعض النصوص الروائية إلي أعمال درامية سينمائية وتلفزيونية من أهم الأسباب التي تسهم في زيادة توزيع النص كما حدث مع رواية "عمارة يعقوبيان" و"الفيل الأزرق" أو "فيرتيجو".
كما تسهم حركة الترجمة إلي عدد من اللغات الأجنبية في رواج أحد الأعمال الروائية علي حساب مالم يترجم منها رغم احتمال كونه أقل قيمة من الناحية الجمالية والفنية.
تسهم الجوائز أيضا في الزيادة من نسبة توزيع أحد النصوص الروائية، رغم أن حصول النص علي جائزة لا يعني أنه الأفضل فنيا في بعض التصفيات؛ فلجان التحكيم قد توجهها بعض المصالح والتوازنات السياسية أو الثقافية.
تبقي الإشكالية الرئيسية أن الكثير من هذه الأعمال التي تتصدر قوائم الأعلي مبيعا في الثلاث سنوات الأخيرة تترك المتلقي وهو خواء، لا تضيف له شيء تقريبا إلا التسلية، فهي لا تحتفظ في وعي قارئها أولا وعيه بأي قيمة تجعله أكثر إدراكا للعالم من حوله وفهما له، فما زلت أري أن الكتب العظيمة هي التي تصنع اختلافا بذواتنا بعد قراءتها، فلا نعود كما كنا قبلها. إشكالية أخري تتمثل في الغياب النسبي لدور النقد الجاد وندرة المنابر المقدمة له في الصحف والمجلات اليومية، هذا بالإضافة إلي الأجواء الإحتفائية التي توسم المجال فلا يتوافر مناخ نقدي حقيقي يواجه هذه الظواهر الروائية ويتصدي لها لتبيان امكاناتها الفنية الفعلية .
يبقي التساؤل الأهم لماذا إلحاح هذه الظاهرة القرائية الجديدة لتلك النصوص الروائية متوسطة القيمة أو المتدنية، ولا سيما مع فئات عمرية معينة ؟
تحتمل الإجابة علي هذا التساؤل في ظني بعض التكهنات أو كلها مجتمعة:
أتصور أن فكرة "الهروب" من وراء هذه الظاهرة، الانسحاب من واقع ينضح باليأس عند فئات عمرية في مرحلة المراهقة والشباب قد يكون سببا رئيسيا خاصة بعد ثورتين لم تزل الأوضاع المجتمعية بعدهما كما هي، الهروب لعوالم بديلة بعد اليأس من اللاتحقق واللا عدالة، الهروب إلي العلاقات الجنسية بما فيها الشاذة، والعلاقات العاطفية، والقصص البوليسية التشويقية أو العوالم الغيبية أو تدمير الواقع وتصوير عنفه، فليس مصادفة علي سبيل المثال أنك لو نزلت لأقرب مكتبة أو دار نشر ستجد الأكثر مبيعا من الرويات يدور معظمها عن قصص الحب التي تشبة روايات عبير وقصص زهرة المترجمة، حتي إن اختلفت عنها بعض الشيئ، وهي روايات تعالج قصص الحب وأضلاعها الرئيسية بتنويعات مختلفة.
قد لا أغالي لو قلت أن هناك حالة من الملل العام لدي الجميع، سأم الشباب من الضجيج الناتج من برامج (التوك شو) الفضائية، أصابته الحيرة واللايقين والتشكك الذي أصبح يطال أي معني وقيمة وأي إنسان، فربما يكون ذهاب الشباب لهذه النصوص الروائية بديلا للشك الذي أصابه من التضارب الحاصل في الفضائيات وكل ما يطرح بها من موضوعات، ولما يرونه من تلون الخبراء الاستراتيجيين، والنشطاء، والمحللين، والإعلاميين ولا سيما بعد استفحال دورهم في تكوين الرأي العام عند البسطاء من الشعب المصري والعربي، فهي حالة من التهميش المتعمد من قبل الكثير لكل هذا الضجيج الإعلامي . وقد يذكرنا هذا بظاهرة الروايات الرائجة المعتمدة علي قصص الحب التي ظهرت بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التماسا للدفء والعواطف والأمان الذي افتقد من جراء هذه الحروب الدامية .
من الواضح ان حالة الاحباط التي عاشتها المجتمعات العربية علي نحو عام قد القت بظلالها علي الأدب ونوع مايقرأ، وطبيعة مايقرأ، والهدف من قراءته ايضا. ثمة حالة من اليأس والركود تغلف الواقع العربي بكل أشكاله. وكأن القارئ في مرحلة سنية معينة شعر بعجز الأدب في مجتمعنا عن تغيير الواقع والتصدي للطموحات، واستشعر فيه عدم الجدوي، فأخذ يتعامل معه بوصفه نظرية عليا تمثل مظهرا من مظاهر الكمال الذي لا أثر له في الحياة الفعلية. وكأن الأدب الرفيع وفلسفة الوجود والقضايا العظمي تنتصر علي الورق فقط. والنتيجة لم يعد هناك قراء كثر يقرؤون ليتلمسوا فكرا او يجيبوا عن اسئلة عظيمة او يتأملوا اعماق الوجود الإنساني وإشكالاته وتناقضاته. هناك من يقرا للتسلية فقط او ارضاء لنزوات معينة. كما يبدو ان الأوضاع الاجتماعية المتأثرة بأعباء المعيشة والضغوط الاقتصادية المنهكة ووطأة الفقر والجهل قد اسهمت بدورها في تردي مزاج فئة أخري من القراء في وقت اصبحت فيه الثقافة والمعرفة العميقة لاتغني اقتصاديا ولا تعود بمكافئ مادي يذكر فلا يمكن في رصد هذه الظاهرة وتحليلها سوي الوعي بمستويات القراء واختلاف مشاربهم هم فقط يريدون ما يؤكد سخطهم وسخريتهم من هذا المجتمع بكل ما يتضمنه من مفارقات وتفاوت طبقي، فيبحثون عن هروب من هذا الواقع العبثي وهم لا يدركون خواء هذا البديل الأدبي.
ومع تردي المستوي المعرفي والثقافي تردت الذائقة الأدبية ايضا وتراجع مستوي المتلقي، وغاب عن اطار الأدب القارئ العارف الحاذق القادر علي استكناه فنون الأدب والتقاط اشاراتها الفلسفية والوجودية الصعبة.
وفي ظل هذا الغياب لقاعدة حقيقية من القراء القادرين علي الارتقاء الي مستوي النص الأدبي وفنونه ظهرت اعمال ادبية وروائية تنزل الي مستوي ادني بعملية عكسية واضحة.
كل هذا يجعلنا نقول ان نوعية الرائج، ووقت رواجه، ربما يعكس حالة جيل في مرحلة من مراحل الأمة التي نعيشها، وهي باختصار (غياب الهدف) والتلقي السلبي الذي ليس له موقف مما يقدم اليه، اذ لا تتعدي المسألة غالبا حدود الإلهاء ودائرة التسلية. وهو ما لايمكن ان تلبيه ببساطة الا اعمال ذات طبيعة استهلاكية ترتبط للأسف بالقاعدة العريضة والنسبة الأكبر من القراء في مجتمعاتنا العربية المترنحة تحت وطأة التطرف الديني والحروب والفقر والجهل بكل اشكاله وصوره.
يظل هناك تساؤل علي قدر كبير من الأهمية: هل نعد ظاهرة الرواية الرائجة بكل أبعادها لصالح المشهد الثقافي أم ضده ؟ مع التقدير الواعي للمستوي المتواضع فنيا وفكريا لأغلبها؟ في تصوري أن للظاهرة وجهين فجذب أكبر عدد من القراء في مجتمع غير قارئ بطبيعته يعد كسبا للعالم القرائي، لماذا لا نتوقع مثلا ان تترسخ عادة القراءة عند من يتلقي اليوم هذه الأعمال الروائية فيبحث لاحقا عن الأجود والأعلي قيمة فنيا وفكريا؟ فعادة ما يربي الذوق ويتطور مع التكرار وزيادة الوعي التراكمي في المراحل الزمنية الأعلي، فلنعد هذه الظاهرة إيجابية من حيث ترسيخ عادة القراءة وكسب أكبر عدد من القراء.
وفي هذا الصدد هناك اقتراح بالتفاعل الإيجابي مع معطيات هذه الواقع حيث لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي أمام بعض الظواهر التي يمكن تحويل جوانبها السلبية لإيجابيات، لماذا لا يُعد لهؤلاء الكتاب الجدد ورش عمل تناقش عوالم نصوصهم من خلال مناقشات مفتوحة مع مبدعين ونقاد لإثراء ثقافتهم وتقنياتهم الكتابية وبلا تدخل في حرية إبداعهم بالطبع ؟ ومن ثم استثمار قدرتهم وتنمية جوانبها، والاستفادة من إقبال شباب القراء علي نصوصهم.
وتبقي دائما قضية التعليم محورا جوهريا ألح علي تكرار أهميته في كل القضايا الثقافية المصرية والعربية؛ لكونه منوطا به تربية ذائقة سليمة، والقدرة علي كشف المسطح من العميق في الفنون والأنواع الأدبية، كما أن اختيار المناهج المقدمة للطلبة والنماذج الأدبية المتميزة في مستواها الفني والفكري هي التي تعطي مثالا جيدا للنشئ وهو ما يعد أساسا محوريا للخروج بذوات قادرة علي إدراك القيم الأصيلة في الفن واكتشافها سريعا، ذوات مبدعة أو متلقية.
ربما بقيت السلبية والوجه الآخر من الظاهرة التي تقلق المعنيّ بالشأن الثقافي تتمثل في ذيوع هذا النموذج، ومن ثم سيطرته علي المنتج الروائي بحجة رواجه، وهو ما قد يشكّل ذائقة فئة عريضة من القراء علي هذا النمط ، وهنا ندق نواقيس الخطر، فنحن نسعي لتنمية العقل الناقد القادر علي تقييم ما يقدم له والارتقاء به لا النزول للنموذج الأسوأ والركون إليه، لذا يجب الإلحاح من النقد علي أن هذه النماذج الروائية ليست هي النموذج الأفضل ولا المميز، هي فقط مستوي من الكتابة لا ينبغي أن تصور أنها الأفضل لأنها الأعلي مبيعا، ولا يسلط عليها الأضواء علي هذا النحو.
لكن يظل المشهد الروائي المصري والعربي من الثراء والتنوع الذي يدعو للثقة في غني مستويات الخطاب الروائي وتعدده، فبجانب ظاهرة ال Best seller هناك أعمال روائية رفيعة المستوي الفني والفكري تسعي لتجسيد توق الإنسان لفهم ذاته والوجود من حوله، وإضفاء لمساتها الفنية الرفيعة للموروث البشري رغم كونها لا تتصدر قوائم الأعلي مبيعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.