بسام راضي: الاستراتيجية الإثيوبية في التعامل مع السد أصبحت مكشوفة للجميع    تضامن الإسماعيلية يشارك في الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة    أسعار الذهب اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 بالتعاملات المسائية    غرفة المنشآت الفندقية تتوقع وصول أعداد السياح لمصر إلى 18.5 مليون بنهاية 2025    إعلان أول نموذج قياسي للقرى الخضراء الذكية بجهود مشتركة بين جامعة طنطا ومحافظة الغربية    الصين تضخ 80 مليار دولار في استثمارات الطاقة النظيفة بالخارج لفتح أسواق جديدة    ستارمر وقادة أوروبا يبحثون دعم أوكرانيا واستخدام الأصول الروسية المجمدة    معهد الفلك: زلزال تركيا وقع في منطقة بعيدة.. وبعض المصريين يثيرون بروباجندا    نجم الإنتر يشيد بمحمد صلاح رغم استبعاده: "واحد من الأفضل في العالم"    أمريكا.. وإسرائيل ووقف إطلاق النار    كأس العرب| المغرب يضرب موعدا مع سوريا.. والسعودية وفلسطين وجها لوجه    علي السعيد يعلن رحيله رسميًا عن تدريب الكرة النسائية بنادي الزمالك    وصول حمدي فتحي لمعسكر منتخب مصر استعدادا لأمم أفريقيا    المنيا تشيّع قضاة ديروط في جنازة عسكرية مهيبة بحضور المحافظ    مجلس الوزراء: القطاع الخاص سيتولى إدارة حديقتي الحيوان والأورمان بالجيزة.. والافتتاح التجريبي عام 2026    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    رمضان 2026| تفاصيل دور كريم عفيفي في «قبل وبعد»    أسرة عبدالحليم حافظ تفجر مفاجأة سارة لجمهوره    فرقة الكيبوب تتصدر قائمة بيلبورد للألبومات العالمية لعام 2025    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    بعد طرح فيلم «الست».. محمد فراج يرد علي منتقدي شخصيته في العمل |فيديو    كوندي يكشف حقيقة خلافاته مع فليك بسبب تغيير مركزه    الجمعية العمومية لاتحاد الدراجات تعتمد خطة تطوير شاملة    ارتفاع مؤشرات بورصة الدار البيضاء لدى إغلاق تعاملات اليوم    اتعلم باليابانى    نيجيريا تتحرك عسكريا لدعم حكومة بنين بعد محاولة انقلاب فاشلة    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن وفاة ضابط شرطة بسبب مادة سامة    الأسهم الأمريكية تفتتح على تباين مع ترقب الأسواق لاجتماع الاحتياطي الفيدرالي    ظريف يتلاسن مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    سفير اليونان يشارك احتفالات عيد سانت كاترين بمدينة جنوب سيناء    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    وزير الصحة يبحث مع الأوروبي للاستثمار إطلاق مصنع لقاحات متعدد المراحل لتوطين الصناعة في مصر    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    أمين الأعلى للمستشفيات الجامعية يتفقد عين شمس الجامعي بالعبور ويطمئن على مصابي غزة    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    نادي قضاة المنيا يستعد لتشييع جثامين القضاة الأربعة ضحايا حادث الطريق الصحراوي    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    السفير الأمريكى فى لبنان: اتصالات قائمة لزيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن    «هجرة الماء» يحصد أفضل سينوغرافيا بمهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لاهيري: لا أقرأ الكتب للتسلية.. بل لتعمق فهمي للإنسان
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 04 - 2015

منذ انتهت جومبا لاهيري من كتابة "الأرض المنخفضة"، التي كانت تتخيل أحداثها قبل كتابة أي من كتبها الثلاثة المنشورة، نري أنها قد تكون بالفعل متممة لحلقة سردية لها أسلوبها المتفرد. تقول لاهيري، التي نشرت روايتها الأخيرة في سبتمبر 2013، "يتراءي لي أن الرواية تسير في اتجاه مختلف بطريقة ما، إنها الرواية التي كنت أتوق لكتابتها منذ البداية".
الكتب الثلاثة ذ مجموعتان قصصيتان "مترجم الأوجاع" و"أرض غريبة"، ورواية "السمي" ذ كانت نتاج تجربة مهاجرين من جنوب شرق آسيا إلي شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية. يغطي الكتاب الرابع، رواية "الأرض المنخفضة"، نفس المساحة، لكن بأساليب مختلفة. تحكي عن أخين هنديين يعيشان في كلكتا ثم ينتقل أحدهما إلي الولايات المتحدة. تدور الأحداث عن شبابهما أثناء الانقسام السياسي في الهند خلال ستينات القرن الماضي، حتي الوقت الحاضر في أمريكا. بالكاد يكون الانتقال من أمة لأخري أمرًا يسيرًا. في "الأرض المنخفضة"، تبدو شخصيات لاهيري مصرة علي أن تجعل الأمر أكثر صعوبة. فالرواية حققت فكرتها الرئيسية المتماسكة عن التفكك حتي تطرفها المنطقي
لاهيري نفسها تعيش حياة مفككة قليلا. مستقرة حاليا في روما. حازت علي جائزة البوليتزر الأمريكية المرموقة عن مجموعتها القصصية الأولي "مترجم الأوجاع". ووصلت إلي أرفع الجوائز الأدبية في انجلترا وهي قائمة البوكر القصيرة عن روايتها الأخيرة "الأرض المنخفضة". ورغم مولدها بلندن، لكنها قضت معظم حياتها بالولايات المتحدة، وقالت إنها مثل العديد من شخصياتها: "الشعور بأني أمريكية أو اعتبار نفسي مواطنة أمريكية، كان أمرا شاقا بالنسبة لي في معظم فترات حياتي".
لذلك فإن "الأرض المنخفضة" تبدو بطرق عديدة أوج تجربة مهنية طويلة عن التفكك. إنه الكتاب الأقل اهتماما بالحياة الأمريكية من بين جميع كتابها، حيث أن شخصياتها مشغولون بالتأمل بدرجة استثنائية حتي للاهيري نفسها، مستغرقين في أحداث وقعت منذ أعوام مضت.
أود أن أبدأ من إقامتك في روما، عملك يدور في مساحة جغرافية هائلة، أتساءل إذا كنت ترين عملك الآن في ضوء وجودك في دولة جديدة تماما.
- حسنا، يبدو أن الرواية تسير في اتجاه مختلف عما يمكن إخبارك به. ولكنني عندما انتهيت من الأرض المنخفضة، شعرت بأني في نهاية مرحلة محددة من حياتي المهنية. إذا كان بإمكاني ادعاء معرفة هذا بدون كتابة عمل جديد يسمح لي بالمقارنة. لكنني أري أن هذه الرواية هي ما كنت أود كتابته منذ فترة طويلة، وبدأت بالفعل في تخيل أحداثها منذ عام 1997، قبل أن أنشر أيا من كتبي، وتقريبا بعد كتابة واحد منهما.
شعرت بأنه الكتاب الذي انتظرت كتابته منذ البداية. وبعد أن فعلتها أخيرا، شعرت بالكمال، بشكل لم أشعر به من قبل حتي بعد انتهائي من أي من كتبي، من ناحية موضوعات تلك الكتب وشخصياتها ومن أين أتوا، حرفيا ومجازيا. ما أريد قوله إن فكرة الاغتراب مستمرة في جذبي للغاية، مع الأخذ في الاعتبار أني أعيش الآن في بلد كأجنبية بشكل كامل أكثر من أي وقت مضي. ولازلت مهتمة بتلك التجربة. ولكن الآن، كل المتغيرات تبدلت بالنسبة لي من حيث ما يحيط بي بشكل يومي.
هناك بعض الاستعارات التي يربطها القراء والنقاد بكتبك ضمن ما أطلقتِ عليه مرحلتك الأولي، تلك المرحلة التي بدأت بمترجم الأوجاع وختمت بالأرض المنخفضة. في اعتقادك ما المشترك بين كتب تلك المرحلة؟ وهل ترين أن بداية مرحلة جديدة تتطلب بالضرورة ترك أي عناصر للحبكة وراءك؟
- أنا لا أعرف ماذا يقول النقاد. لكن أري أن العمل نوع ما تجربة ثنائية الثقافة، تجربة هجرة شخصيات من الهند، إلي الولايات المتحدة في وقت محدد وهو نهاية الستينات وبداية السبعينات، وفي مكان محدد وهو الشمال الشرقي. لذلك أعتقد أن كتبي الأربعة تشترك في هذا معا. فجميعهم ينظر ويعيد النظر إلي نموذج الهجرة، من خلال ما يفعله الشخصيات. هذا أمر لم أعد أهتم باكتشافه الآن. أشعر بأني أريد النظر إلي مكان آخر، وإلي شيء مختلف.
الأرض المنخفضة ممتدة زمنيا، وتغطي مساحة شاسعة في كل الاتجاهات، كما أنها تختلف عن القصة القصيرة، ذلك النموذج الذي يسرد عادة فترة مميزة من الوقت. أي نموذج يعد أكثر طبيعية؟ وهل الهدف من كتابة أي رواية أن تكون ممتدة زمنيا مثل روايتك الأرض المنخفضة؟
- لا أعتقد ذلك أبدا. أري أن الرواية يمكنها أن تكون علي أي صورة ويمكنها أن تكون انسيابية للغاية، ولديها تركيز مؤقت كثيف وهذا يجذبني. وأحب أن أقرأ الروايات التي تركز علي حدث أو زمن محدد للغاية. أما الأرض المنخفضة، فإنها كانت في حاجة للامتداد زمنيا لعدة أسباب. اعتقد أنها نتيجة مباشرة لمجموعتي القصصية السابقة "أرض غريبة"، التي كانت ممتدة لفترة زمنية أطول، كنت أشعر خلالها بالحاجة لاكتشاف طرق لعبور الزمن بسرعة.
بمعرفة ان فكرة روايتك الأخيرة راودتك منذ فترة طويلة، هل كنت بحاجة إلي كتابة "أرض غريبة" لتستعدي لكتابة "الأرض المنخفضة"؟
- لا أعرف. لا يمكنني قول هذا. عندما كتبت تلك المجموعة القصصية، كتبتها فحسب. لم أفكر في أنها مادة تمهيدية لروايتي التالية. لم أكن أعرف من الأساس أني سأكتبها. راودتني فكرتها لعقد من الزمن، غير أني لم أكن أعرف أن بعد انتهائي منها سأعود إلي الفكرة التي تحولت مؤخرا للأرض المنخفضة. لقد كانت مجرد فكرة رئيسية. بالنسبة لي، عندما أنخرط في العمل، لا أفكر فيما سيتبعه أو ما سبقه. أعني أني أغرق تماما في العمل وأواجه تحديات العمل قبل أن أفكر فيه، وأشعر بأن هذا هو كل ما علي التفكير به. لذلك لا أملك إجابة علي ذلك التساؤل.
حصولك علي جائزة البوليتزر شيء استثنائي ذ تلك الجائزة التي تعبر عن توجهات أمريكية ذ والآن وصلت لقائمة جائزة البوكر، الجائزة المخصصة للكتاب من دول الكومنولث. كيف تصنفين نفسك وفقا لجنسيتك وهل تفعلين؟
- لا أعرف. لدي جوازا سفر، لأنه كان عليّ أن أحمل علي الأقل واحدا، ولا أعرف حقا كيف أعرَف نفسي. وكلما كبرت، شعرت بأني محظوظة للغاية لأني حاصلة علي جنسية مزدوجة وفقا للأوراق الرسمية. فلقد كان الشعور بأني أمريكية أو اعتبار نفسي مواطنة أمريكية أمرا شاقا بالنسبة لي في معظم فترات حياتي. إنه موضوع معقد يتطلب محادثة طويلة. وهذه إجابة مختصرة.
لكن في نفس الوقت لم أشعر أبدا بأني من جنوب الهند، أنا لم أعش هناك قط. أشعر بأني مجموعة هوامش لهويات متعددة، وليس هوية واحدة أبدا. وهو أمر لم يعد يعنيني بشكل شخصي الآن. لكني أعتقد بشكل ما أن مسألة الهوية والنشأة، أو كون المرء لديه هوية محددة أو غير محددة، يمكننا أن نطلق عليها هوية منقسمة، لم تعد تشغلني علي المستوي الشخصي والعملي. غير أني مازلت لا أعرف ذ رغم أنه امر يسير الآن أن أقول عن نفسي إني أمريكية، لأني أعتقد أن أمريكا تطورت وفكرة أني أمريكية تطورت معها كذلك. أعتقد أن أثناء سنوات نضجي العصيبة، كان واضحا لي تماما أني لست أمريكية الهوية، لأني لم أكن أُعتبر مثلهم، وقد نشأت علي ألا أكون، لذلك كان الوضع كله بمثابة عبء.
هل شعرتِ بمسئولية زائدة وأنك متحدثة رسمية بشكل ما؟ لأنك ربما تكونين الكاتبة الأمريكية ذ الهندية الوحيدة التي لاقت أعمالها رواجا؟
- لا. أعني أن من الجنون أن يكون الأديب متحدثا رسميا عن أي شيء بوجه عام. لم أفكر مطلقا هكذا. انا أحاول أن أعبر عن تجربة محددة لشخصيات محددة، وهذا كل ما أحاول تجريبه. لم أحاول كثيرا أن أفكر في تمثيل ثقافة ما، لأنه مستحيل، وسيعرضني للنقد. كما أن هذا لا يهمني فحسب. لم أفكر في العالم علي هذا النحو ولم أتخيله كذلك أثناء عملي. أنا غير قادرة علي التفكير في تلك الشروط العامة.
هناك نقاش مستمر في الصحف الأدبية الأمريكية حول نقاط القوة والضعف فيما يسمي بالشخصيات المحببة. وبعض تلك المناقشات تستبعد شخصيات من روايتك الأخيرة. ما رأيك في حاجة الشخصية لجوانب محببة من عدمه لتجذب القاريء؟
- لا أعتقد في هذا. فأنا أكتب عن الشخصيات التي تجذبني بشكل خاص. ولا أري كتاباتي مادة للتسلية. أنا لا أقرأ الكتب للتسلية والمتعة. أنا أقرأها لتعمق فهمي للظروف الإنسانية. أعتقد أن بعض الشخصيات معقدة للغاية. وأن البشر مخلوقات مركبة، لذلك لا أفكر علي هذا النحو، ولن أفعل.
هل تعتقدين أن لكتاباتك حسا فكاهيا؟
- لا، ليس كثيرا.
هل تتضمن أعمالك القادمة بعضا منها؟
- لا يمكنني التأكيد، فأنا كقارئة أحب الأعمال الكئيبة. ربما لأن هذا ما أنا عليه. أعتقد أن روعة الأدب تكمن في امكانية وجود العديد من الطرق المختلفة للتعبير، من الأخف والأكثر فكاهة حتي الأعمال الدرامية السوداوية. فالمساحة الخيالية واسعة تماما، وهذا ما شدني.
أو ممتطيا حصانًا، أو بستاني ليمسك بهما. بدآ في الاسترخاء والبحث عن الأعلام المغروسة بطول الملعب. تشير الحفر التي كانت مثل سرات في الأرض إلي حيث يجب أن تذهب كرات الجولف. هناك حفر ضحلة من الرمال منثورة هنا وهناك. البرك حول الحفر لها شكل غريب، مثل القطرات تحت الميكروسكوب.
بقيا بعيدا عن المدخل الرئيسي. لم يغامرا بالاقتراب من مبني إدارة النادي، حيث الأجانب المحبين يتنزهون وأذرعهم متشابكة، أو يجلسون علي كراسي الخيزران تحت الأشجار. أخبرهما بسم الله أنهم يقيمون أحيانا حفل عيد ميلاد لأطفال إنجليز مازالوا يعيشوا بالهند. يتناولون المثلجات ويركبون المهور، ويلتفون حول تورتة بها شموع مشتعلة. رغم أن نهرو كان رئيس الوزراء حينها، لكن كانت صورة الملكة إليزابيث الثانية تتصدر حجرة الاستقبال.
في ركنهما المهمل، بصحبة الجاموس الذي ضل طريقه للداخل، تمايل أودين بقوة رافعا ذراعيه فوق رأسه، متظاهرا باللعب وملوحا بالمضرب الحديدي مثل سيف. خرب العشب البكر، وقذف ببعض كرات الجولف في برك الماء. استقرت هناك في انتظار المضارب.
كان سباش حذرا، يسترق السمع لحوافر الأحصنة القريبة علي المسارات الحمراء الترابية العريضة. سمع صوت نقر عصافير. وصوت ضربات منجل بعيد، حيث يتم قص العشب في مكان ما بالنادي باليد.
قطعان من بنات آوي تجلس منتصبة في مجموعات، جلودها ذات اللون الأسمر المصفر أصبحت مبرقشة بالرمادي. حين انحصر الضوء، نهض القليل منها للبحث عن طعام. انتصبت هيئتها الهزيلة سريعا باستقامة. يتردد عواؤها الهائج في أنحاء النادي، في إشارة لتأخر الوقت، وحتمية عودة الأخوين إلي المنزل.
تركا علبتي الكيروسين، واحدة في كل جانب، ليميزا المكان. وتأكدا أنهما أخفيا العلبة التي وراء السور خلف بعض الشجيرات.
في الزيارات التالية، جمع سباش الريش واللوز، ورأي النسور تسبح في البرك، ثم تبسط أجنحتها لتجف.
ذات مرة، وجد بيضة سليمة وقعت من عش أحد الطيور. حملها بحرص شديد لمنزله. وضعها في وعاء طيني اشتراه من متجر حلوي، ثم غطاه بفروع أشجار صغيرة. وعندما لم تفقس، حفر حفرة من أجلها في الحديقة خلف المنزل، أسفل شجرة المانجو.
ذات أمسية، ألقيا المضرب الحديدي من أعلي الجدار، وقفزا للجانب الآخر، لكنهما لم يعثرا علي علبة الكيروسين. قال أودين:
شخص ما وجدها وأخذها.
وبدأ في البحث عنها. كان الضوء ضعيف.
هل هذا ما تبحثا عنه أيها الأولاد؟
كان شرطيًا ظهر فجأة، يقوم بدورية حراسة حول النادي. كان في استطاعتهما تمييز شموخه وزيه. كان ممسكا بعلبة الكيروسين بيديه. خطي بعض الخطي في اتجاههما، ونظر للمضرب الحديدي علي الأرض، ثم التقطه وفحصه. جلس فوق علبة الكيروسين وأضاء مصباحا يدويا ثم أداره نحو وجه كل منهما، نزولا لأجسامهما. سأل:
أنتما أخوان؟
أومأ سباش.
ماذا بجيوبكما؟
أخرجا كرات الجولف وأعطياها له. شاهدا الشرطي يضعها في جيوبه. أبقي واحدة فحسب بيديه، يرفعها في الهواء ثم يلتقطها.
كيف جئتما لهنا؟
لم يتكلما.
هل دعاكما أحدهم اليوم لتلعبا الجولف بالنادي؟
هزا رأسيهما نفيا.
أنتما لستما في حاجة لأخبركما أن هذه الأراضي خاصة.
أراح مقبض المضرب الحديدي قليلا فوق ذراع سباش. وسأله:
هل هذه زيارتك الأولي؟
أجاب سباش:
لا.
هل كانت فكرتك؟ أليس أنت كبير بشكل كاف لتعرف أكثر؟
قال أودين:
كانت فكرتي أنا.
قال الشرطي لسباش:
لك أخ مخلص. يريد أن يحميك. ويرغب في العقاب بدلا منك.
ثم أكمل حديثه:
سأقدم لكما خدمة, لن أذكر ما حدث لإدارة النادي. طالما لن تحاولا العودة مرة اخري.
قال سباش:
لن نعود مرة أخري.
جيد. هل أرافقكما إلي المنزل أم من الأفضل إنهاء محادثتنا هنا؟
هنا.
إذن، استدر. أنت فقط.
أدار سباش وجهه للجدار. فقال له الشرطي:
اخطو خطوة للأمام.
ثم شعر بالمقبض الحديدي يضرب فخذيه، وقدميه. الضربة القوية الثانية كانت علي يديه وركبتيه. أخذت التورمات عدة أيام حتي اختفت.
لم يضربهما والداهما أبدا. لم يشعر بشئ في البداية، فقط بعض الخدر. ثم احساس مؤلم مثل ماء مغلي ينطلق في شرارات من مقلاة علي جلده.
صاح أودين بالشرطي:
توقف.
وانحني بجانب سباش، ملقيا ذراعه علي كتفيه، محاولا أن يغطيه. ضغطا جسديهما معا، وحميا نفسيهما. كانت رأسهما منحنيين، وعيونهما مغلقة، بينما يترنح سباش من الألم. لم يحدث شئ آخر. سمعا صوت ارتطام المضرب الحديدي بالجدار، سقط لمرة أخيرة فوق أراضي النادي. ثم انسحب الشرطي، الذي لم يرد شيئًا آخر منهما.
3-
منذ طفولته، كان سباش هادئا. لم تضطر أمه أبدا للركض وراءه. كان يبقي بصحبتها، يراقبها وهي تطهو علي فحم الموقد، أو تطرز ثياب الساري والقمصان بتكليف من خياط السيدات بالحي. يساعد والده في زراعة زهور الداليا التي يزرعها في أصص في فناء المنزل. الزهور المتوردة تتلون بالبنفسجي والبرتقالي والقرنفلي، وتميل في بعض الأحيان للأبيض. كانت ألوانها الزاهية تترك أثرًا بجانب جدران الفناء الباهتة. كان ينتظر انتهاء ألعاب الفوضي وسكون الصيحات ليستمتع بالهدوء. وقته المفضل دوما عندما يكون بمفرده. مستلقيا بالفراش في الصباح، يراقب أشعة الشمس الوامضة كطائر قلق علي الجدار.
يضع الحشرات تحت الشاشة المقببة ليفحصها. عندما تغسل أمه الأطباق علي أطراف المستنقع بالحي إذا لم تأت الخادمة، يقعر يديه في الماء العكر ليبحث عن الضفادع. يعيش في عالمه الخاص. حتي أن الأقارب في التجمعات الكبيرة كانوا غير قادرين علي استخراج رد فعل منه، أحيانا كان يتحدث معهم.
بينما يجلس سباش في وضع مرئي، كان أودين يختفي: حتي في حجرتهما الخاصة حين كان صبيا، كان يختبيء بشكل لا إرادي تحت الفراش، خلف الأبواب، في الصندوق حيث ألحفة الشتاء المخزنة.
يلعب تلك اللعبة بدون الاعلان عنها. يختفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.