تدور كتابة الكاتبة التشيكية مونيكا في عوالم سحرية، وتنطلق من أرض الحلم. يبدو سردها مخلصًا لتيار الواقعية السحرية اللاتيني، بلمسات ذاتية، كأن السحري ليس ما يدور حولها بقدر ما يدور بداخلها. في روايتها "السفينة الخامسة"، عملها الوحيد المترجم للعربية بتوقيع خالد البلتاجي، تتكيء علي الحلم بشكل أساسي، لكن هل فقط تستخدمه كتقنية سردية أم أنه يشكّل جزءًا من حياتها؟ تقول مونيكا:"بدأت قراءة ماركيز مبكرًا، وأعجبتني هذه الكتابة بواقعيتها السحرية، وعندما بدأت في الكتابة وجدتني أستخدم الحلم كتقنية أعبّر من خلالها عن رؤيتي للعالم". يقوم تيار الواقعية السحرية في الأساس علي الإتكاء علي التراث والثقافة الشعبية، مستخلصًا من هذا المنبع رؤي يمكن من خلالها قراءة الواقع وتأويله، في محاولة لتفسيره. لكن مونيكا لا تتكيء في كتابتها علي القديم، وتقول إنه "لا يعنيها في شيء" معللًة:"كل ما يهمني أن أعبر عن نفسي، عما يحيط بي"، وتحكي:"ذات مرة جاءني ابني يحكي لي عن حلم رآه، فابيضت عيناه بشكل لافت. حينها سألت نفسي عن قوة الحلم وتأثيراته في الواقع. ربما هذا ما دفعني للانطلاق منه لأفهم ما يحدث في واقعي المعتاد". من ناحية أخري، تميل مونيكا للنصوص الغامضة، تري أن الأدب يجب أن يكون ضبابيًا، تقول: "ذلك يمنحك ككاتب حرية ألا تقول كل شيء". أبعد من أن تكون الواقعية السحرية تيارًا أدبيًا، تري مونيكا أنه "طريقة للنظر"، لهذا تؤكد أن كتّابًا تشيكيين في خمسينيات القرن الماضي لجأوا إليه كحل فني دون أن يعرفوا جيل الانفجار اللاتيني، تعلل ذلك بأنهم "انطلقوا من الطبيعة وحاولوا فهمها". عن تلك الفترة تقول مونيكا:"ظهرت هناك أيضًا قصيدة النثر، وكان لها تيار جارف". بدأت مونيكا حياتها كرسامة. مارست هذا الفن في الطفولة، ثم صقلت الموهبة بدراسة الفن التشكيلي بالجامعة. هي لا تعرف تحديدًا لماذا لجأت للكتابة ولا لماذا استمرت فيها، تقول:"كل شيء جاء بالصدفة. في الجامعة أعلنوا عن مسابقة في القصة القصيرة، فكتبت قصة وتقدمت بها، ثم فزت. بعدها واصلت الكتابة ولم أتوقف أبدًا". تصمت قليلًا ثم تضيف:"أكتب لأني أحب الكتابة، لا أقول إني أموت بدونها، لكني أحب أن أكتب. أحب أن أنقل مشاعري وأفكاري للناس ويشاركوني فيها، ثم يقرأونها فيردون لي طاقتي من جديد. هذا حدث بشكل كبير في رواية "السفينة الخامسة"، ردود أفعال الناس منحتني قوة لأواصل". تنتمي مونيكا لنوعية الكُتّاب الذين ينطلقون من حياتهم الخاصة للكتابة، ثم يستخدمون الخيال لصناعة تشكيلات فنية متنوعة ولخلق النص التي تريد كتابته بحسب منظورها للفن، لكنها أيضًا تهتم بالقضايا الاجتماعية، وتري أن الكاتب يجب أن يكون له دور في ذلك، توضح:"ليس بمعني أن أقدم حلولًا للمشكلات، بل بطرحها، فقط طرحها وتناولها". هذه المشكلات ليست القضايا الكبري، بل "أزمات الأسرة"، إذ تري أن الأسرة أساس المجتمع، وهي تحب أن تشارك الناس قضاياهم وتعبر عنهم، في سياق اختيارها الجمالي. مع ذلك، تعتقد أنها ستكتب ما تكتبه لو عاشت في مجتمع مختلف، مدينتها أو برلين أو القاهرة أو باريس لا تحقق معها فارقًا، تقول:"الأسرة واحدة في كل مكان". تحكي مونيكا عن نفسها فتقول:"أنا ابنة عائلة بسيطة من الفلاحين، ولدت في قرية وبقيت فيها حتي سن الجامعة، حينها انتقلت للمدينة". هذا الانتقال للمدينة وصم كتابتها الأولي بالتردد ما بين القرية والمدينة، واستغرقت وقتًا حتي تعودت علي إيقاع حياتها الجديدة. لذلك، كل المدن تتشابه عندها، لأنها ببساطة لا تنتمي إلي أي منها. علي عكس الكثير من الكُتّاب، تكتب مونيكا في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظرف. تبحث فقط عن الوقت، وما إن يتاح حتي تستغله. تقول :"أنا أم لطفلين، ولك أن تتخيل معني ذلك". عملها في الصحافة عوّدها علي اليقظة والاستعداد للكتابة في أي وقت "أحيانًا يطلبون مني كتابة مقال معين في وقت ضيق، ويجب أن أفعل". مع ذلك، تفضّل الكتابة ليلًا بعد أن يحل الهدوء، وتفضّل الكتابة في الظلام. تتميز رواية "السفينة الخامسة" بالتقطيعات السينمائية، تبدو كأن المؤلفة سيناريست محترف، تقول مونيكا:"لم يكن لدي أي نية للاقتراب من السيناريو السينمائي، لكن الحقيقة أن كل مشهد يظهر في رأسي أولًا كصورة، ثم أحول هذه الصورة إلي سرد". الرواية تحولت بالفعل إلي فيلم سينمائي، وعندما شاهدته مونيكا قالت:"هذا ما كان يدور برأسي". تأثرتِ بماركيز ولم تتأثري بكافكا، التشيكي؟ سألتُ مونيكا في النهاية، فقالت:"تأثرت بماركيز في بداياتي، ثم تأثرت بعد ذلك بكاتبة مجرية كانت تكتب بالفرنسية اسمها أجوتا خريستوف، كانت أول من كتب الواقعية السحرية في قصص الأطفال، علي ما أظن". صمتت لحظة وقالت:"ولم أتأثر أبدًا بكافكا".