فوق شجرة زنزلخت طيبة تناوب هدهد وغراب الوقوف لحظة الغروب، وطفلة مذعورة تتابعهما وتأبي أن تبرح مكانها تحت الشجرة الطيبة، كما اعتادت أمها أن تصفها حين تقوم بجمع حبات الزنزلخت الخضراء والصفراء ثم تلضمها برهافة في عقد لصغيرتها أو تضعها بين طيّات السجاد لحفظه من العثّ وطرد أية حشرة تجرؤ علي الاقتراب. الصغيرة مذعورة لأنها أخبروها عن نيتهم المبيتة لقطع شجرة الزنزلخت إرباً، هكذا قرأتها في إحدي روايات أجاثا كريستي، شجرتها التي تظل مدخل بيتهم الكبير سيخلعونها ويتقشف الظل والجمال في عبثية الصورة الجديدة التي ينكسر فيها الظل ويتشظي كما انكسرت أغصان الشجرة تحت عجلات السيارت المسرعة، ولكن الصغيرة لم تغير مكانها العلني، ظلت متشبثة بالجذور المتعبة وتتطلع إلي الهدهد والغراب يحلقان بالتبادل علي المكان حتي ظنتهما حارسي الشجرة. كبرت الصغيرة ولم تسأل أبداً عما وراء القطع، لم تشأ أن تنس ولكنها امتلأت بمقاومة الزنزلخت وصموده، فكل مرة تهوي عليه الفؤوس لا يموت وإنما يطلق أغصاناً جديدة مفرعة في الفضاء الأوسع ويصنع حياته مجدداً، فتشعبت الذكري لديها وما يفيض من الحنين ومن تعب السنين الجائرة، فتقرأ قصيدة محمود درويش "في حضرة الغياب": ولدنا معا علي شجرة الزنزلخت، لا توءمين ولا جارين، بل واحداً في اثنين أو اثنين في واحد أو "قرويون من غير سوء": لم تكن للمكان مسامير أقوي من الزنزلخت أو يختارني الإيقاع: وكُلَّما أَبْصَرْتُ جذْعَ الزّنْزَلخْتِ علي الطريق الي الغمامِ سمعتُ قلبِ الأُمِّ يخفقُ بي أو الأرض: أسمّي صعودي إلي الزنزلخت التداعي أو بيروت: بيروت زنبقة الحطام وقبلة أولي. مديح الزنزلخت . معاطف للبحر والقتلي وحتي مرثيته في ممدوح عدوان: لكني لا أنسي ضحكتك التي تشبه شجرة زنزلخت مبحوحة الأغصان، عاليةً وعريضة. فتستعيد مع شعر درويش أوراق العمر المتناثرة وتستبد بروحها كل الحكايات كما في مسرحية "الزنزلخت" عنوان مسرحية الكاتب المسرحي اللبناني عصام محفوظ التي تعتبر مفترق طرق في المسرح اللبناني الحديث والتي قدمت علي المسرح عام 1968 أي بعد أربع سنوات من كتابتها واشترك في تمثيلها مادونا غازي وريمون جبارة وفيليب عفيفي ونبيه أبو الحسن وأخرجها المخرج بيرج فار يليان، أو في رواية "الزنزلخت" للكاتب خليل حسونة، صدرت عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في عام 2005، ويصور فيها معاناة الشعب الفلسطيني في سبع حكايا. أو في رواية "عصير الزنزلخت" للبناني جورج شامي الذي يسرد فيها حكايته منطلقاً من حارته البيروتية الصغيرة. ليبقي الزنزلخت كما يقول شوقي بزيغ في قصيدته التي تحمل نفس الاسم: الزنزلخت عصارة الأحلام تأليف موسيقي الخشوع لما ترسبه المناحات الأليفة فوق مجري الدمع ...