استبعاد المرشحين ومندوبيهم من حضور فرز الأصوات يؤكد النية المبيتة لتزوير انتخابات مجلس نواب السيسي    مجمع إعلام دمياط ينظم ندوة بعنوان "تنمية الأسرة المصرية.. وعي ومسؤولية"    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 في بورصة الدواجن    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    وزير الإسكان يوافق على منح تيسيرات جديدة للمستثمرين    قافلة «زاد العزة» ال71 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    ترامب يطلب العفو عن نتنياهو رسميًا.. وهرتسوغ يرد: "اتبعوا الإجراءات"    محمود عباس: زيارتى لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقا جديدة لسلام عادل    الأهلي يطالب اتحاد الكرة بردع المتجاوزين في حق «زيزو».. واستعادة حقوقه الأدبية    كاميرا توثق جريمة سرقة.. والداخلية تضبط المتهم| فيديو    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    تامر حسني يوجه رسالة ل«مي عز الدين» بعد زواجها    نقيب العاملين بالسياحة: لمس الآثار إتلاف يعاقب عليه القانون بالحبس والغرامة    ذكرى رحيل محمود عبد العزيز.. محطات وأسرار في حياة ساحر السينما المصرية    عُطل فني.. مسرح الطليعة يوجه رسالة اعتذار ل جمهور عرض «كارمن»    رئيس الوزراء يشهد مراسم توقيع مذكرة تفاهم فى الرعاية الصحية بين مصر ولاتفيا    رئيس الوزراء يتفقد معرض سمارت ديجيتال هيلث جيت    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    حملات تموينية موسعة بالقليوبية تكشف مخالفات جسيمة وسلعًا غير صالحة للاستهلاك    وزير التعليم: رفع الحضور في المدارس الحكومية لأعلى مستوى منذ 30 عامًا    معلومات الوزراء: أفريقيا تمتلك 30% من احتياطيات المعادن فى العالم    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    مصرع عامل نظافة سقط من على مقطورة فى المنوفية    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    زيركزي يدرس 5 عروض للرحيل عن مانشستر يونايتد في يناير    وصول بعثة يد سموحة للإمارات لمواجهة الأهلى فى نهائى كأس السوبر    6 مرشحين يتأهلون لجولة الإعادة في دائرة بندر ومركز المنيا البرلمانية    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    خالد سليم ينضم لأبطال مسلسل ست الحسن أمام هند صبرى فى رمضان 2026    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    جوتيريش يهنئ الشعب العراقى على إجراء الانتخابات البرلمانية    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    طريقة عمل كفتة الفراخ بخطوات بسيطة وطعم لا يقاوم (الخطوات والمقادير)    كمال شعيب: قرار سحب أرض الزمالك "باطل".. وسنستعيد حق النادي بالقانون    محافظ الفيوم يشهد الندوة التوعوية"دور الرقابة الإدارية في الوقاية من الفساد ومكافحته"    إعلان نتائج انتخابات غرفة تطوير واستصلاح الأراضي الصحراوية للدورة 2025-2029    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    تعرف على أكبر نتائج مباريات كأس العالم للناشئين بعد ختام دور المجموعات    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    بيزيرا: لم أقصد الإساءة لأحد.. وأعتذر عن الخطأ غير المقصود    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 12 نوفمبر 2025    مباحث الجيزة تكتشف جريمة بشعة داخل شقة مهجورة فى بولاق الدكرور    محافظ الغربية: رفع درجة الاستعداد القصوى لانتخابات مجلس النواب 2025    دعمًا لمرشحيه بمجلس النواب.. «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بدمياط    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يمكن أن تقرأ كتابة الذات

تعتبر.كتابة الذات كعكة من التناقضات، تتطور وفقاً لمعايير تاريخية (في القرن ال 17 كانت المعايير الدينية تلوي كلامهم حتي يتمكنوا من الكتابة عن الذات، حيث إن الله يحظر عليهم ذلك) أو معايير جغرافية (في ڤيتنام ضمير ال" أنا" غير موجود). تتضمن كتابة الذات شكلا من الخروج من المخبأ، ولكي نستقبلها لابد أن ننجح في التخلص من الأفكار المسبقة. سوف يكون الخيال رداء الكاتب الوحيد، ما إن نراه ذات مرة عاريا حتي تُطرح عدة أسئلة: أيجب أن تنشر هذه الكتابة؟ هل لها فائدة أدبية؟ هل يستطيع الخيال أن يعززها؟
كتابة الذات في حالة تطور كامل، أحيانا جماعية، فهي اليوم في كل مكان( في الرسوم المتحركة، كتب الأطفال، الصحافة، الأغنية، السينما والفن التصوري) حتي شبكات التواصل الاجتماعي والسمارت فون تستولي عليها.
تضم كتابة الذات السيرة الذاتية ورواية السيرة الذاتية، لكن لا تقتصر عليهما. مصطلح "السيرة الذاتية" نشأ في ال 19، لكنه ينطبق علي محاولات كثيرة سبقت. فحتي ذلك الحين كانوا يكتبون "اعترافات" (اعترافات القديس أوغسطين قبل روسو)، "مقالات" (مونتاني) "مذكرات ميشيل دو مارول، الكاردينال ريتس، مدام دو ستال-ديلونيه)، وكذلك" مذكرات ما وراء القبر" ل شاتوبريان، "أسرار" ل لامارتين و "قصص من حياتي" ل كازانوڤا.
نكتب عن الذات، نحكي عنها، نجد فيها ما هو مثير للاهتمام كي نفعل ذلك. أيا كانت الأشكال والمقاصد، يضطلع المؤلف في ذلك بالرهان علي الشهادة: شهادة، توثيق، أحيانا رفات، وشيئا فشيئا بداية من روسو سيصبح ذلك جليا- تاريخ شخصية:"أود أن أظهر لأقراني رجلا علي حقيقته الطبيعية تماما؛ وهذا الرجل سوف يكون أنا". فجملة "كيف أصبحت أنا" هي أيضا موضوع السير الذاتية الوجودية، حيث يكون الإنسان "مجموع أفعاله" (سارتر- بوفوار) بل الأفضل إثبات أن الوجود يسبق، هنا أيضا، الجوهر، السرد عن الذات سوف يحيد تدريجيا عن تمجيد الذات ليترك مكانا ل" أنا" ، ثم ل " كان".
في مطلع القرن ال 20، ومع ظهور التحليل النفسي، يتجدد بقوة الرهان علي الكتابة الشخصية: التسلسل المنطقي للأحداث أصبح موضع شك وعلي نحو عميق؛ إذ أن وراء الأحداث الكبيرة في حياة ما يكون بناء الذاتية هو ما نراه في العمل. مادلين بروست والكشف عنها يقلبان رهان "الذات الأدبية": التلفظ( فعل القول، الطريقة، والسبب) يتغلب من الآن علي الملفوظ( ما يقوله المرء). نجد صدي ذلك علي سبيل المثال عند ماري كاردينال. يمكن أن نقارب هذه الظاهرة بثورة الانطباعيين في الرسم: لم نعد ننظر بقدر كبير للموضوع المرسوم، ولكن لعين الرسام. في السيرة الذاتية، يطغي علي مسألة شخصية المؤلف مسألة السارد، ووجهة النظر.
تقريبا، بينما كان دو شامب يقلب العالم الفني مع " ready-made"، أعلن رولان بارت عن "موت المؤلف". تشير البنيوية لثورة سيميوطيقية: لم تعد تمثل شخصية المؤلف الرهان الموضوعاتي بالنسبة ل "الروايات الذاتية" ولكن الميثاق الأوتوبيوجرافي هو المحك فيها. قليلا ما نهتم بمعرفة من هو المؤلف، ما هي شخصيته أو تاريخه، في حين نهتم بمعرفة (أو تخمين) أنه عاش بالفعل ما يحكيه، بغض النظر عن حقيقية اللحظة. التلقي هو رهان الميثاق الأوتوبيوجرافي: إننا نبحث عن أنفسنا في المؤلف، يحملنا المؤلف - وهو يعبر لنا عن حقب وأماكن عبر التطابق لذاتية مستعارة. منذ أرسطو، المسرح والأدب اللذان نعرفهما يقدمان لحواسنا انعكاسا ممكنا عن أنفسنا، دليل محتمل، أحيانا منفذ- سبيل للتنفيس. علي هذا المستوي، الكتاب المثير، والأكثر جاذبية يتحرك بالضبط علي نفس نموذج التراجيديا الكلاسيكية. فالاهتمام بقصة سين أو صاد يعني الاعتراف بوجود سين ما أو صاد ما في وقت القراءة، نمنحهما ثقتنا. لو أن قصة سين وصاد توجد فعليا، نستطيع إذن أن ندخر هذا الرهان الأول للرواية الذي يستند علي إقناع القارئ بتصديقه. كقارئة لا أبحث عن روسو في اعترافات روسو ولا عن أناييز نين في يومياتها، إنها ذاتي التي أطاردها في كتاباتهم، كما نحضر حفلا موسيقيا فنصفق أحيانا للنغمات الأولي حتي نظهر ارتياحنا لمشاهدتها: ما أبحث عنه هو همزة الوصل، هو هذا التواطؤ بين المؤلف وبيني. إن لعبة القراءة تستند علي عبور كل كلام ال أنا بمرشح ذاتيتي الخاصة.
في بعض الأحيان، تنبع الكتابة من وصف الذاتي: البورتريه الذاتي ل دوراس في بداية رواية "العاشق لدي وجه خرب"، والبورتريه الذاتي ل ليريس في عمر الانسان.. بل الكتابة قد تكون أيضا ابتكارا، قد تمنح وجها، حياة أو اسما(سيرجي دوبروڤسكي حل محل جوليان، كلويه ديلوم أزاح ناتالي دالين). ونحن نكتب نختلق. هيرڤيه جيبير ابتكر شخصيته، حتي في الحياة(وفي الموت؟). كتب جيوم دوستان روايته الأخيرة قبل موته. السيرة الذاتية الوصفية، التحليلية، أفسحت الطريق لبناء الشخصية ليس من أكون، ولكن ماذا يوجد بداخلي من مادة روائية. مسارات السرد الذاتي الحالية دينها ل جملة فلوبير:"مدام بوڤاري، إنها أنا" أكثر منه للاعترافات. لم تعد الكتابة الحميمية محصورة في محاولة تعريف نفسها، لكنها تود أن تعطي معني( وسوف أتحدث "بفم") لمن لا يتوفر له ذلك.
رواية السيرة الذاتية كما عرفها دوبرڤسكي في 1977 جاءت بعد الحرب العالمية الثانية بعد مقولة نيتشه "موت الإله" ومقولة بارت "موت المؤلف". لو مات المؤلف، فلن يدهشنا أن نراه متجسدا مجددا في شخصية السارد. ما الشخصية إن لم تكن منظورا ذاتيا؟ إنها مقابلة المؤلف والقاريء علي سطح ورقة مطبوعة. قبل بارت أن يُعير نفسه ل لعبة البورتريه الذاتي( رولان بارت بقلم رولان بارت) وابتكر للمرور شكلا. يتجسد ثانية المؤلف الميت في شكل وحدات أسطورية، وحدات الأسطورة الشخصية: حكايات صغيرة، صور فوتوغرافية، تكرارات، هواجس. لن يكون القارئ مدركا قط إلا عندما نسمح له باستدعاء -ولن يكون ذلك إلا في الخيال جسد المؤلف لتجسيد الرواية. هذا المرجع الجسدي، خارج النص، يشكّل سلطة. وهو ربما ما يعطي تفردا لسرد الذات الحالي: بذلك لم تعد "الذات" موضوعاتية، ولكن بنيوية ومادية. فالقارئ لا يقرأ سين أو صاد ليعرف أكثر عن هذا أو ذاك، بل ليتمكن من ممارسة خياله حول علاقة ممهورة بختم الواقع. يبدو أن تليفزيون الواقع، المدونات، شبكات التواصل الاجتماعي، قد أخذت في اعتبارها هذا المبدأ، ولكنها مفرغة البعد الجمالي. لو لاحظنا، نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، تركز الاهتمام العام مجددا نحو " المرجعي" في كل الميادين (من فيسبوك حتي البورنوجرافيا، من الجاهز حتي العرض)، ومع ذلك سيكون من السذاجة والعبث بأن نربط الواقع بالإغراق الجمالي. الواقع بالتأكيد له هذه الخصوصية التي يمكن أن تقاس كميا وتصبح كموضوع استهلاكي. الواقع- حيث الذات والحميمي متلازمان غير قابلين للاختزال- ليس في ذاته نبيلا أو حقيرا، لكنه مادة لأعمال، سامية أو لا. إن مشاريع صوفي كال أو مارينا أراموڤيك تضع بشكل حرفي في المشهد حياتهما ومن ثم يعدلونها. تشير هذه التجارب كم تكون كتابة الذات أدائية: الكتابة تقاسم الحياة. فكتاب دوبروڤسكي "الكتاب المكسور" هو المثال الأكثر تراچيدية في ذلك- ومن المحتمل الكتاب الأكثر جمالا- من بين كل الروايات السيرة التي أبدعت.
لو أن كتابة الذات تمثل مركز اهتمام تلصصيا وواشيا في آن- واش لأنه متلصص ومركزا بؤرته حول الذات المكشوفة- لكانت واحدة من هذه الأشكال، العتيقة والمعمرة، التي ليست موضع تساؤل قط وتؤدي بنفس الوتيرة، اليوم كأمس: إنه الشعر. ال أنا غنائية، بلا شك لأنها ليست في مركز أداة تجارية، تنعم بحالة كونية معترف بها بشكل واضح، منذ دوبيليه حتي الأغنيات المعاصرة تماما. هذه الأنا الموجودة تفر بأعجوبة للحل الوسط البيوجرافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.