أسعار العملات في البنوك اليوم الاثنين 17-6-2024    أسعار السمك اليوم الاثنين 17-6-2024 في الأسواق.. البلطي ب45 جنيها    مصرع 5 أشحاص فى حادث تصادم بين قطارى "بضائع وركاب" بالهند    مصادر فلسطينية: القوات الإسرائيلية تقتحم مخيم عقبة جبر في أريحا ومدينة قلقيلية    حدث ليلا: نتنياهو يعيش في رعب.. وارتفاع أعداد قتلى جيش الاحتلال إلى 662    فرنسا ومبابي في اختبار صعب أمام النمسا في مستهل مشوار يورو 2024    موعد مباراة الإسماعيلي ضد إنبي اليوم الإثنين في الدوري المصري    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري في الدوري    تشكيل الإسماعيلي المتوقع ضد إنبي في الدوري المصري    أخبار مصر: وفاة 4 حجاج مصريين أثناء رمي الجمرات بينهم رئيس محكمة، ممثل مصري يتباهى بعلاقته بإسرائيل، منجم يحدد موعد يوم القيامة    «الأرصاد» تحذر من ظاهرة جوية مفاجئة في طقس اليوم    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    بالفيديو.. وفاة قائد طائرة خلال رحلة جوية من القاهرة للسعودية    تفاصيل الحلقة الأولى من الموسم الثاني ل House Of The Dragon    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    لماذا خالفت هذه الدول توقيت احتفال أول أيام عيد الأضحى 2024؟    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    عصام السقا يحتفل بعيد الأضحى وسط أهل بلدته: «كل سنة وأنتم طيبين» (فيديو)    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    افتتاح المرحلة «ج» من ممشى النيل بمدينة بنها قريبًا    البيت الريفى.. الحفاظ على التراث بمنتجات ومشغولات أهل النوبة    «المشاط» ورئيسة بنك التنمية الجديد تزوران مشروعات «اقتصادية قناة السويس»    وفاة الحالة السادسة من حجاج الفيوم بالأراضي المقدسة    إيهاب جلال يُعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة إنبي    منافسة إنجليزية شرسة لضم مهاجم إفريقي    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    رامي صبري: «الناس بتقولي مكانك تكون رقم واحد»    دعاء فجر ثاني أيام عيد الأضحى.. صيغ مستحبة رددها في جوف الليل    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    دعاء الضيق والحزن: اللهم فرج كربي وهمي، وأزيل كل ضيق عن روحي وجسدي    تقتل الإنسان في 48 ساعة.. رعب بعد انتشار بكتيريا «آكلة للحم»    البيت الأبيض: المبعوث الأمريكي الخاص أموس هوكشتاين يزور إسرائيل اليوم    مدفعية الجيش الإسرائيلي تستهدف بلدة "عيترون" جنوب لبنان    حلو الكلام.. يقول وداع    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    يورو 2024 - دي بروين: بلجيكا جاهزة لتحقيق شيء جيد.. وهذه حالتي بعد الإصابة    بسبب انفصاله عن زوجته.. موظف ينهي حياته قفزًا من الطابق الرابع بالجيزة    جثمان داخل «سجادة» في البدرشين يثير الرعب أول أيام عيد الأضحى (القصة الكاملة)    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    انخفاض أعداد الموقعين على بيان مؤتمر أوكرانيا الختامي ل82 دولة ومنظمة    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    لم يتحمل فراق زوجته.. مدير الأبنية التعليمية بالشيخ زايد ينهي حياته (تفاصيل)    العيد تحول لمأتم، مصرع أب ونجله صعقا بالكهرباء ببنى سويف    هل يجوز بيع لحوم الأضحية.. الإفتاء توضح    وزير الداخلية السعودي يقف على سير العمل بمستشفى قوى الأمن بمكة ويزور عدداً من المرضى    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجتزأ من رواية قاطفة اللوز

تموت منولارا، خادمة عائلة الفاليبي، وتترك وصية لمخدوميها تطلب منهم نشر نعي لها تحدد كلماته مثلما تضع تفاصيل جنازتها بدقة، وتخبر العائلة بحجم الميراث وطريقة التصرف في الأملاك. من أين أتت منولارا بكل هذه السلطة علي العائلة؟
كما في كل المجتمعات الريفية الصغيرة، تنطلق النميمة لترسم تفاصيل حياة منولارا، بل حيواتها المجهولة، البعض يؤكد أنها عشيقة الأب، والبعض يجزم بأنها صديقة الأم وكاتمة أسرارها، والبعض يؤكد أن الخادمة التي كانت مجرد قاطفة لوز بائسة، عضو خطير في المافيا. الطريف أن وقائع ما بعد الجنازة تكشف عن جوانب تجعل كل الحيوات المقترحة لمنولارا ممكنة وجديرة بالتصديق.
هي الرواية الأولي للكاتبة الإيطالية سيمونتا أنيللو هورنوبي، وهي الأخري صاحبة سيرة تدعو إلي الحيرة، فقد بدأت الكتابة في السابعة والخمسين، وولدت مكتملة الأدوات ننشر فصل من هذه الرواية التي تصدر بالتعاون بين قطاع الثقافة بمؤسسة أخبار اليوم والمركز القومي للترجمة.
الاثنين 23 سبتمبر 1963
دكتور ميندكو يحضر وفاة إحدي مريضاته
شعر الدكتور ميندكو فجأة بالإرهاق، ألم بساقيه وتنميل بذراعيه؛ فقد ظل جالساً أكثر من ساعة في الوضع نفسه، ممسكًا بيدي منولارا، يمسد أناملها بحركة دائرية رقيقة مستمرة.
رفع يدها اليمني، تاركًا الكف اليسري مفتوحة فوق الفراش الذي سكنت فوقه يدا الراحلة اللتان لا تزالان دافئتين.
كانت لحظة جليلة، يعرفها جيداً وطالما شعر فيها بالتأثر الشديد، الدور الأخير للطبيب عندما يهزمه الموت، أغلق جفنيها برقة. أعاد وضع اليدين، شبك أصابعهما ووضعهما بعناية فوق صدرها، سوي غطاء السرير وشده إلي أن غطي به كتفيها وأخيرًا قام ليخبر عائلة الفاليبي بوفاة منولارا.
بقي معهم الوقت اللازم، أعطي لجاني الفاليبي المظروف المغلق الذي يحوي آخر وصايا الميتة ونزل بسرعة درجات سلم البيت ملتقيا بالجارات اللواتي حضرن للتعزية.
أحس بالاختناق في ذلك المنزل وما إن خرج من البوابة الخارجية، حتي خطا خطوات بطيئة قصيرة وتنفس بملء رئتيه هواء الصباح النقي. كان الطريق لا يزيد عن عشرات الأمتار إلا أنه بدا أطول، نظرا لضيقه وازدحامه بالانعطافات التي صنعتها الأبنية المكونة من طابقين أو ثلاثة، والتي تضاعفت علي مر السنين بشكل عشوائي، وتكدست الواحدة فوق الأخري والتحمت بالمباني الأصلية، فشكلت معها ما يشبه سورين ضخمين متجاورين وغير منتظمين، يقطعهما قوسان يخترقهما نفق يمر من خلاله، ويتلوي سلم يؤدي إلي السهل، وهو أحد هذه السلالم المكونة للشبكة الرئيسية للطرق في روكاكولومبو إحدي المدن الداخلية الملاصقة لسفح الجبل.
تذكر الدكتور ميندكو أنه لم يلف مسبحة حول أصابع المتوفاة كما جرت العادة. استرجع في ذاكرته حجرة منولارا ليدرك سبب تقاعسه. كانت حجرة فارغة بشكل خاص. لا يوجد بها إلا الضروري: سرير، ومقعد، ودولاب، وأباجورة وراديو فوق الكومودينو، ومنضدة ضيقة تستخدم كمكتب، عليها صينية صغيرة معدنية تراصت فوقها بنظام شديد، أقلام حبر، وأقلام رصاص، وممحاة كبيرة لمحو الكتابة وفوق الرف صورتان إحداهما لأولاد إخوتها والأخري باهتة لوالديها، بعض الدفاتر، وعدد قليل من الكتب. كانت الجدران عارية إلا من نسخة لأيقونة العذراء والمسيح طفلاً لفيرتي عند رأس السرير.
كانت الغرفة تفتقر إلي اللمسة النسائية والحس الديني؛ ذلك المزج بين صور دينية، وتماثيل للعذراء وقديسي البلدة، وقنينات مليئة بمياه مقدسة من بلاد بعيدة؛ كل تلك الأشياء التي يزدحم بها كومودينو السيدات، خلت حتي من السبحة. ورغم ذلك كانت غرفة نوم منولارا مفعمة بإحساس عميق بالتدين، يكاد يصل إلي درجة الرهبنة.
كان الجزء المرئي من السماء من بين الأسطح المدببة غير المنتظمة ساطع الضياء باهت الزرقة.
توقف الدكتور ميندكو لحظة، تنفس بعمق، رفع عينيه وحملق بشدة في السماء، قال بصوت منخفض: امن يدري أين ذهبت روحها، الآن فليرحمها اللهب.
وهبط السلم الذي يؤدي إلي بيته، كان جرس الدير يدق الحادية عشرة. حسب ميندكو أنه، قبل موعد الغداء، سيكون لديه الوقت الكافي لاجراء بعض التليفونات وتناول القهوة والتمشية، كان يحتاج إلي البقاء وحيدًا احتي طبيب عجوز مثلي لا يعتاد علي فكرة الموتب همس لنفسه وهو يدق جرس بيته.
عاد جاني إلي ردهة البيت بعد اصطحاب الدكتور ميندكو إلي الباب. كانت الأم والأختان ينتظرن في صمت.
لم تجرؤ سانتا علي الدخول احترامًا لعائلة الفاليبي وتطبيقاً لأوامر منولارا. لم تستطع علي أية حال كتم الفضول، وبقيت في الردهة مستندة إلي باب المطبخ، كان وجهها لم يزل متقلصاً مبللاً بالدموع وذراعاها مهدلتان إلي جانبيها، تسترق السمع لفهم ما تناثر من حديث السادة أصحاب المنزل.
ارتمت السيدة الفاليبي فوق الفوتيه وألقت برأسها فوق مسنده، امتلات عيناها بالدموع وشردت نظراتها، وليللا مستندة إلي ذراع المقعد تمسح جبهتها، بينما كارميلا تقف بالتراس منتظرة عودة الزوج. سألت ليللا جاني:ا ماذا أعطاك الطبيب؟ أظهر جاني المظروف باسمه مكتوبًا فوقه بأحرف كبيرة وخط غير منتظم: كان خط منولارا. التفتت كارميلا عند سماع كلمات أختها. كانت تتأملهما وعند رؤية المظروف، لحقت بهما بسرعة صارخة:ا لعله الوصية لا تفتحه، ينبغي انتظار ماسيموب ورددت بصوت تتصاعد حدته: اينبغي انتظار ماسيمو. أجهشت السيدة الفاليبي بالبكاء مرة أخري، ورددت بصوت خافت كما لو كانت تبتهل: اكنت أعلم أن منو كانت ستفكر فيّ فقد كانت تحبني. جاني وليللا أرادا فتح المظروف فورًا، إلا أنهما لم يجرؤا ولم يتسع الوقت لمجادلة أختهما لأن سانتا والجارات اقتحمن الحجرة بأصواتهن وإشاراتهن في وقت واحد لتقديم العزاء وعند رؤيتهن انخرطت السيدة الفاليبي في نحيب مستعر، هرعت اليها النساء علي الفور لمواساتها.ا ماذا سيحدث لي، كانت منو تعتني بي ، الآن ماذا سأفعل وأنا مريضة...
احتضنت كل منهن الأخري في عناق طويل وقد اختلطت روائح عرق آباطهن بروائح الطعام الذي كن يطهونه، خليط من الثوم والزيت والطماطم والبقدونس ولبابة الخبز. رائحة قديمة طالما صاحبت احتقار عائلة الفاليبي للطبقات الدنيا في المجتمع.
اقشعرت ليللا من فكرة أن أمها عاشت منذ وفاة أبيها بمنزل يشاطرها فيه بائع السمك، وكهربائي عائلة الفاليبي، وموظف صغير. شكرت الأقدار التي جعلتها تعيش في روما بعيدًا عن تلك البلدة القذرة وأخفت استياءها بعد آخر حضن كريه الرائحة. أوضحت ليللا للنساء أن الأم مجهدة، وكانت علي وشك الإغماء، ولحسن الحظ أسعفها الطبيب ميندكو بالدواء، وأمرها بالراحة في الفراش. أما هي وكارميلا فلن يتركها وحدها تعاني من الانهيار، بل ستبقيان معها، والجارات الفضليات يمكنهن البقاء بالبيت أو الذهاب إلي الحجرة التي ترقد بها منولارا، ويمكنهن إن أردن، مساعدة سانتا في تجهيز الجثمان أما الأختان فستتوليان العناية بالأم المحتاجة إلي مساعدتهما في هذه اللحظة الصعبة.
السيدة الفاليبي تأكيدًا لما ذكرته الابنة والتي كانت تتحدث بثقة يسمح بها وضعها كزوجة لطبيب، غاصت في المقعد الوثير ومدت ساعديها فوق ذراعي المقعد وتركت يديها تتدليان، وألقت برأسها علي مسند المقعد. بدأت تهمهم:ا لا أشعر بأنني علي ما يرام، ربما سأفقد الوعيب وعند نطق هذه الكلمات، هرع إليها أبناؤها الثلاثة وسانتا. بيد أنهم لم ينجحوا في تجنب التدخل الحتمي الملح للنساء اللائي لم يكنّ قد غادرن الحجرة بعد، وكل منهن تتباري في النصح والمبالغة في المساعدة.
حملن معاً السيدة الفاليبي إلي حجرتها وأرقدنها في فراشها، فكانت هناك من تقدم لها كوباً من الماء أو من تضع فوطه مبللة بالمياه فوق جبهتها أو تضبط وضع الوسادة خلف ظهرها، أو تمسك بمعصمها. والسيدة الفاليبي مسرورة، راضية برعايتهن لها لدرجة تخشي معها أن تفقد تلك الرعاية إن شعرت بالتحسن، زادت من الشكوي والنحيب. وعندئذ وصل الصهر.
لم يجرؤ ماسيمو ليوني علي اصطحاب كارميلا في ذلك الصباح، عندما اتصلت سانتا لتوقظهم وتخبرهم بأن منولارا تحتضر. فضّل البقاء ببيت الفالبيي، الذي يبعد مسافة دقائق في انتظار الأخبار. فقط عندما اتصلت به كارميلا لتخبره أن المرأة دخلت في غيبوبة، شعر بأنه يمكنه اللحاق بها وكان في اللاوعي لم يزل يحترم أمر مونلارا:ا أقسم برأس أمي أنه لن يضع قدمه في بيتي الذي أعيش فيه.ب كان حرمانًا وطردًا حقيقيًا. كان ماسيمو قد تزوج من كارميلا منذ سبع سنوات، وطوال تلك السنوات لم يكن مسموحًا له بالدخول من البوابة أو الاتصال تليفونيا بزوجته أثناء إقامتها في ذلك البيت. كرهها دائما ولم يزل يكرهها الملعونة منولارا. الآن ماتت أخيرًا.
كان يرتقي السلم وقد تملكه شعور بالإثارة ممتزجًا بالضغينة. سينظر إليها جسدًا ميتًا، لكنه أدرك أنه ليس بإمكانه البصق علي جثتها؛ فالأصوات التي كانت تتصاعد من الداخل تشي بأن زيارات التعزية قد بدأت لتوها.
كانت الجارات يعاملنه كأحد أفراد عائلة الراحلة، يحطن به بعطف في محاولة للتغاضي عما يسببه الموقف من حرج؛ فقد كن يعلمن جيدًا بإقصاء منولارا له. كان لكلمات التعزية مغزي محدد: اكانت تحب زوجة سيادتك كابنتها، كانت تفعل كل ما تستطيع من أجلكم. كانت طيبة صدقناب
وبمجرد أن تمكن ماسيمو من التملص منهن، هرع إلي حجرة نوم الحماة، حيث كان صهره ينتظره بقلق.
حيا كل منهما الآخر بسرعة دون القبلات، والعناق المعتاد.
حرصت ليللا علي إغلاق الباب جيداً بعد أن طلبت من سانتا تركهم وحدهم، وألا تسمح بدخول أحد. ثم نظرت إلي أخيها نظرة بليغة.
فتح جاني فوراً المظروف وأخرج ورقة وبدأ في قراءتها بوجه عابس. الأختان وصهره لم ينبسوا ببنت شفة، وتسمروا حوله. استمر جاني في قراءة الخطاب في صمت. لم تستطع ليللا السيطرة علي نفسها:ا اقرأه للجميع، ما رأيك؟ب
أعطاها الأخ الخطاب: الا أفهم شيئا، انظري أنت.ب بدا أن الأم عادت إلي وعيها فجأة وكانت تتابع حديثهم. وعند سماع كلمات جاني، سقطت مرة أخري فوق الوسائد تئن وتتألم.
في هذه المرة لم يعرها أحد اهتماماً حيث إن جاني بدأ في القراءة بصوت عال:
اليست هذه بمثابة وصية حقيقية، إنني قد أعطيتكم كل مايحق لكم، وليس لديكم أية حقوق أخري عندي، ولكني أطلب منكم أن تنفذوا ما أقول للمرة الأخيرة وسأجلب لكم نفعا كثيرًا. أريد جنازة بروكاكولمبا بدون مسيرة فتيات يتامي وراهبات، يحضرها كل عائلة الفاليبي لأنني أستحق ذلك، وسيتم دفني في المقبرة التي اشتريتها أمام مقابرعائلتكم، كما يقضي العرف بالنسبة الخادمةب ببيت الفاليبي. يجب وضع صورتي مع الكلمات الآتية:
اهنا ترقد ماريا روزاليا أينتسريللو المعروفه باسم منولارا والتي التحقت بخدمة عائلة الفاليبي عندما كانت في سن الثالثة عشرة، وخدمت العائلة بكل إخلاص وأمانة إلي أن وافتها المنيةب.
ليس لدي شيء لأتركه لكم، البيت الذي قضيت به نحبي كتبته باسم السيدة أدريانا إن رغبت في الحياة فيه، وعليكم أن تبحثوا لها عن خادمة ماهرة وتدفعوا لها أجرًا جيدًا كي تجد من يخدمها حتي وفاتها. اعطوا الأشياء التي تركتها بغرفتي للأب أرينا كي يعطيها للفقراء والكنيسة. كل ما تبقي من الأثاث أتركه للسيدة أدريانا. أريد أن تقوموا بنشر النعي في جريدةاجورنال دي سيشيليابكما أمليه عليكم كلمة تلو الأخري:
اليوم توفيت
ماريا روزاليا أينتسريللو
المعروفة باسم
منولارا
عن عمر 55 عاما
مديرة أملاك وخادمة لدي عائلة الفاليبي
تعلن عائلة الفاليبي هذا الخبر المؤلم
وتعبر عن حزنها العميق لمصابها الفادح
يعلن النبأ الحزين السيدة أدريانا مانجرشينا، أرملة المحامي أوراتسيو الفاليبي، الابن جاني وزوجته أنا كيوفاروا، الابنة ليللا وزوجها ماسيمو ليوني. عاشت ببيت الفاليبي منذ كانت في الثالثة عشرة وخدمت بإخلاص العائلة التي ترثيها بالدمع الوفير. وستقام الجنازة في تمام الساعة الثالثة بكنيسة العذراء الأم يوم 24 سبتمبر 1963 وسوف تشيع الجنازة إلي مقبرة روكا كولمبا للدفن بمقابر العائلة.
لا تبلغوا أبناء أختي بخبر وفاتي، فأنا لا أريد حضورهم الجنازة، الروح تعود إلي الرب والإرث لمن يستحقه.ب
بادرت الأم بالحديث: األم أقل لكم بأن منولارا فكرت في كل شيء، تترك لي بيتها.. ومن منكم سيعتني بي، بعد أن أصبحت وحيدة؟ب رفعت رأسها من فوق الوسائد ونظرت حولها، ثم تكومت في سريرها بصمت. تجاهلها تماما الأبناء وزوج الابنة الذين أصابهم الوجوم.
وفي تلك الأثناء، انتزع ماسيمو الورقة من يد جاني وحدق بها طويلا وجعل صوته يعلو تدريجياً:
«أية ورقة هذه أين الأموال؟ ولمن تتركها لقد تحملت إهانات تلك العاهرة لأنك، لأنك....... كان يصرخ مشيرا بإصبعه نحو الزوجة، كنت تقولين إنها كانت ستحترمنا عند موتها! غبية لست إلا غبية!ب
أجهشت كارميلا بالبكاء، واتجهت إلي سرير الأم تحتمي به، بينما كان جاني يحاول تهدئة صهره مذكرا إياه بأنهما ليسا ببيتهما، وأن في الحجرة المجاورة مجموعة من الاشخاص في زيارة تعزية، كلهم آذان صاغية لإشاعة ما يسمعونه منهم في البلدة كلها.
جلست ليللا في أحد أركان الغرفة وحيدة، مستغرقة في قراءة الخطاب مرة أخري. ثم تحدثت بصوت منخفض محاولة السيطرة علي الغضب الذي كان يجيش بصدرها وكانت تشعر به يصعد إلي حنجرتها ويمتزج بكلماتها:ا لقد نظمت كل شيء، حددت أيضا ساعة الجنازة وطلبت من الطبيب ميندكو كتابة الخطاب لها. يبدو بوضوح أنه خط شخص آخر. خطاب خبيث، لا ترغب في حضور أي فرد من عائلتها للجنازة، ربما قد قطعوا علاقتهم بها ولن يدهش أي منا لذلك، بينما علي العكس تريد بل تأمر مرة أخري أن نتحمل نحن نفقات الجنازة ونشر هذا النعي العبثي المخجل ركيك اللغة المليء بالأخطاء النحوية وغير المعتاد بالنسبة للخادمة بل اشغالة مطبخب كما كانت تسمي نفسها، وأين ننشره علي صفحات اجورنال دي سيشيليا»، وهي التي لم تخرج من هذه البلدة ولا يعرفها أحد خارج حدودها. لم تفكر في نشره فقط في اسيشيلياب جريدة المقاطعة، تريد إعلان خبر موتها علي صفحات الجريدة التي تقرأ في كل الجزيرة.
مصابة بجنون العظمة، نص إعلان الوفاة ليس إلا تمجيداً لها، كلمات مديح عنها لم أكن أتخيلها مهووسة بنفسها وعديمة الإحساس بالمسئولية لهذه الدرجة. الإذلال الأخير الذي يجب أن نتحمله. بل تسخر منا؛ فعلي الرغم من إقرارها بأنه ليس هناك ما تتركه لنا، تخبرنا أن الاستمرار في إطاعة أوامرها، سيعود علينا بالنفع، يا لها من مهانةب.
كان غضب ليللا قد بلغ مداه لدرجة أنها لم تستطع أن تنهي حديثها، وكان الباقون ينظرون إليها في ذهول.
وأثناء ذلك وصل أشخاص آخرون لتقديم التعزية. كانت أصداء عبارات الرثاء المبالغة تتردد في أرجاء الحجرة. وفي تلك اللحظة ارتفع صوت حاد لامرأة كانت تبدو وكأنها تنادي علي بضاعة في السوق:
ا يالها من قديسة! قضت حياتها في العمل والتضحية! خسارة في الموت!ب وغشي صوتها، كورال من عبارات غامضة، كانوا جميعا يتحدثون عن مآثر المتوفاة. عادت ليللا للحديث بكراهية:"تستحق أن نفتح الباب لنخبر الناس بكل صراحة ألا يبكوا تلك الخادمة التي تسخر منا دون رحمة".
كان ماسيمو واقفا ويداه تطبقان علي مسند المقعد وكأنه يسحقه بيده، وقال بصوت عال كما لو كان يريد أن يُسمع كل من بالبيت: اكانت تحاول فقط ودائماً إحراجنا، هذه الورقة مليئة بالبغضب
ثم أضاف جاني بحنق ملتفتاً إلي ليللا:ا أنت تعيشين في روما أما أنا فأدرس بالجامعة وأحمل لقب عائلة الفاليبي. نشر هذا النعي بالجريدة سيسبب لي ولنا حرجا بالغاً سيعتبرنا الناس حمقي وغير قادرين علي تصريف أمورنا بل سيسخر منا الجميعب.
أخذت كارميلا تصرخ:اعلي الأقل أنت رحلت من هنا أما أنا فمن سيعتني بي ؟ أنا أعيش هنا في روكاكولمبا، ما سيقوله الناس عني؟ب
كانوا يتحدثون جميعاً في صوت واحد وهم يسيرون في الحجرة غاضبين متوترين مثل حيوانات مفترسة حبست في أقفاص.
كانت السيدة الفاليبي تتابعهم واهنة، وخائرة القوي كأنها طفلة، تتقلب بين الوسائد فوق السرير الكبير، وقد امتلأت عيناها بالدموع، دهشة وخائفة. كان يجب أن تتدخل لمنع حدوث فضائح وأدهشت نفسها والآخرين بالنبرة الحاسمة التي تحدثت بها، فلم يكن يهمها ترتيبات الجنازة ولم تكن لتهتم بها. كل ما كان يعنيها هو الأبناء ونصيبهم وهم أنفسهم كان يجب أن يهتموا أكثر منها؛ فهي قد كبرت في السن واقترب وقت رحيلها عن الحياة، كانت تشعر بذلك في عظامها: اشخصية صعبة وماكرة، نعم، ولكنها أيضا أمينة وقد خدمتنا جميعاً. تستحق أن نقيم لها جنازة. صدقوني ستمنحكم كل ما يخصكم، ربما كان ذلك الخطاب يتعلق فقط بترتيبات الجنازة. بالتأكيد ستكون هناك وصية. ربما رتبت الأمر بحيث تتجنب دفع ضرائب التركات فلم تكن منو تحب دفع الضرائب. أرجوكم اهدأوا فهناك أشخاص بالخارج.ب
وانهمرت دموعها ووهنت تماماً من الحوار الطويل.
أيضا كارميلا كانت قلقة بشأن الميراث وكانت تتعلق بأهداب الأمل:اولكن يجب أن نتذكر أن منو كانت تحافظ دائما علي وعدها وقد أخبرتني بذلك حتي الليلة الماضية، يجب أن نفعل ما تقول وسنحصل علي الميراث، من الجائز أن هناك وصية لدي موثق العقود أو لدي شخص آخر أو أنها قامت بإجراءات هبة أو فتحت بأسمائنا حسابات في البنك دون علمنا.. يجب البحث في أدراجها لم تكن لتثق بالطبيب مينديكو الشارد. ما رأيك يا ماسيمو؟؟ب كانت تبحث عن مؤازرة الزوج الذي أدار ظهره للجميع ووقف أمام الشرفة. لم يحرك ماسيمو ساكنا. شحب وجه كارميلا وارتمت من جديد تنتحب فوق سرير الأم. سانتا كانت في ذلك الوقت تدق الباب بفضول وقلق. وكانت النسوة الأخريات قد سمعن الجلبة وكن يتحرقن شوقا لمعرفة ما حدث. سألت سانتا بحذر إذا كان من الممكن السماح بدخول بعض الأشخاص لتقديم واجب العزاء للسيدة ادريانا.امتلأت الحجرة من جديد بالأشخاص وانحل الاجتماع الأسري. كان ماسيمو قد انسل دون أن يراه أحد ولم يظهر حتي بعد الظهيرة. لم يمتليء بيت منولارا المتواضع من قبل بكل هذا الجمع الغفير، وقد استمرت الزيارات حتي ساعة الغداء فضلا عن أفراد طبقتها حضر أيضاً أقارب وأصدقاء مقربون للسيدة أدريانا وأيضاً عمال قدامي بمنزل الفاليبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.