من سبق له المشاركة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، يعرف جيداً أن الجانب الأهم للمعرض، يكمن في البرنامج المهني للنشر المصاحب له. ومَن اقترب مِن المساحة المخصصة للوكلاء الأدبيين بين أروقة المعرض، يدرك أن أهم صفقات بيع حقوق النشر تبدأ من هناك. ناشرون ووكلاء وكشافة مواهب من كل أنحاء العالم، يتفاوضون ويعملون بدأب لتسويق العناوين والكُتَّاب، مما يشعر من يتابعهم أنه أمام صناعة قائمة بذاتها بعيداً عن معاناة الأدباء أمام الصفحات البيضاء وأسئلة الكتابة المؤرِقة. قبل سنوات، حرص معرض أبو ظبي للكتاب، علي عقد برنامج مهني مصاحب له اقتداءً بمعرض فرانكفورت، وتلاه معرض الشارقة للكتاب في هذا. ومن المقرر أن يصاحب معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة برنامج مهني مشابه، عن أهم ملامح هذا البرنامج يقول الناشر شريف بكر رئيس لجنة التطوير المهني والنشر الإلكتروني باتحاد الناشرين المصريين، إنه يقوم علي فتح الباب أمام الناشر الأجنبي المهتم بالسوق المصرية / العربية لمقابلة الناشرين وجهاً لوجه. ويضيف بكر: "وتدور الفكرة حول مساعدة الجانبين ذوي الاهتمامات المتقاربة في النشر، للالتقاء والتعاون بشكل مهني فإذا كان لدينا ناشر أجنبي مهتم بترجمة أعماله إلي العربية، أو شراء حقوق ترجمة من العربية، سوف نشرف علي أن يلتقي الجانبان، بما نملكه من خبرة، واستعداد لمساعدة طرفي الناشرين العرب والأجانب، وفي نفس الوقت، تذليل نوعية من الصعوبات مثل اللغة، أو عدم المعرفة بتخصصات الناشرين المختلفة، وغيرها، من أجل كل ما سبق وضعنا برنامجا جديدا فعالا، أطلقنا عليه اسم "Cairo Calling" ضمنا فيه عشرة أسباب أمام أعين الناشرين الأجانب تحتم عليهم زيارة القاهرة، علي الرغم أنهم سيأتون علي نفقتهم الخاصة، وسيتحملون تكاليف إقامتهم فيها لمدة ثلاثة أيام من 29 يناير حتي 31 يناير 2015، وعلي الرغم من ذلك، قرروا المجئ، مع تحملهم هذه التكاليف، لأنهم يعرفون أننا سنمنحهم المفتاح السحري للناشرين المصريين والعرب هنا في القاهرة". متابعو معرض القاهرة للكتاب يدركون أن فكرة مشاركة ناشرين دوليين في المعرض ليست جديدة تماماً، إذ حرص د. ناصر الإنصاري، خلال فترة توليه رئاسة هيئة الكتاب، علي مشاركتهم في المعرض، وحين شاركت بريطانيا كضيفة شرف حضر إلي القاهرة قرابة 30 ناشراً ومحرراً أدبياً من صفوة سوق النشر البريطاني والتقوا بناشرين وكتاب مصريين، غير أن شريف بكر يؤكد أن الفكرة هذا العام- "مختلفة قلباً وقالباً، نظراً لأننا ننظر الآن إلي الجانب "التجاري" مباشرة في العلاقات بين الناشرين المصريين والأجانب، نحن لا ندرب طرفا علي التعامل بحنكة أو بطريقة ما مع طرف آخر، نحن نهدف ببساطة إلي الدخول مباشرة في جوهر "التبادل الثقافي التجاري" بحيث ينجح الناشرون المصريون والعرب في بيع حقوق ترجمة، أو شراء، وكذلك يجد الناشر الأجنبي بغيته لدي الناشر المصري،نحن هنا لا نتحدث عن عقد ندوات، الغرض ليس تنظيم فعالية ثقافية، الغرض هو "البيزنس".
بحسب شريف بكر، استجابة الناشرين والوكلاء الأدبيين الأجانب أكثر من رائعة! يواصل: "صممنا "بروشورات" بعنوان Cairo Calling مناسبة للذوق الأوروبي وتحمل الروح المصرية وخلال رحلتي الأخيرة ومشاركتي بمعرض "فرانكفورت" الدولي للكتاب قمت بتوزيعها علي الناشرين والوكلاء الأدبيين والمعاهد الثقافية المهتمة بالعالم العربي ووجدت لديهم استجابة كبيرة وملفتة للمشاركة والسفر إلي مصر ، نظرا لأنهم منذ فترة كانوا يتمنون إطلاق مثل هذه المبادرات، وهو ما تبين أننا كنا بحاجة لمثلها من قبل، انهم يعرفون أن لدينا في العالم العربي سوق نشر كبيرة لكنهم لا يمتلكون مفاتيحها، وأخيراً ظهر من بوسعه أن يتطوع ليدلهم علي كيفية الولوج إلي الباب، ببساطة هناك الكثير من الناشرين الأوروبيين علي استعداد أن يتلقوا المعلومات، المعضلة هنا أنه لم تتوفر الطريقة الجيدة لعرض هذه المعلومات من قبل، وبالفعل تلقيت ردود فعل إيجابية من ناشرين فرنسيين، وأيسلنديين وهولنديين، وإنجليز، وهنود، وفنلنديين، وآخرين ، وتجدر هنا الأشارة إلي أنها ليست مبالغة إذا قلنا أن برنامج Cairo Calling ألقي بحجر في الماء الراكد." لكن ما الذي يضمن أن الاستفادة لن تكون في اتجاه واحد لصالح الناشرين الأجانب، وكيف يستطيع دور النشر المصرية والعربية الاستفادة بدورها وبيع حقوق عناوينها للغات الأخري؟ يري بكر أن هناك تقصيراً كبيراً من الناشر المصري/ العربي في التواصل مع الناشرين ووكلاء الأدب العالميين علي الرغم من الاهتمام الكبير بالأدب العربي، و"هو ما جعل هذا البرنامج يستمد أهميته من كونه جسرا يربط بين هؤلاء الراغبين في شراء الحقوق من الناشرين المصريين، والعرب، وكذلك، يسمح لهم بالتعرف علي شركاء في عالم النشر بالخارج، الجسر اتجاهان، متوازيان، للمرور، وليس اتجاهاً واحداً." وينصح بكر الناشرين العرب والمصريين المهتمين ببيع وشراء الحقوق، إلي الاستعداد للقاء المهتمين بكتبهم وإصداراتهم، وإعداد ملخصات وافية بالإنجليزية بشكل احترافي كما هو معروف في "كتالوجات" بيع حقوق الترجمة، والتحلي بمهارات التواصل مع الوفود القادمة، لمعرفة إحتياجاتهم وبناء شبكة علاقات متواصلة فيما بعد المعرض، تستمر وتدوم، إذ من وجهة نظره "الغرض هنا ليس فقط التفاوض الآني لبيع سلعة ما، بل مواصلة بناء وتوطيد هذه العلاقة، التي بدأت باللقاء في معرض القاهرة الدولي القادم، وستستمر مع المعارض المتتالية، أو إذا توفر لهؤلاء الناشرين فرصة المشاركة في معارض دولية، وكذلك وضع أطر الطرق الاحترافية والمهنية لبيع الحقوق، التي تختلف بالطبع عن طرق بيع الكتب العادية، نحن هنا لا نبيع كتاب، أو "كميات" من الكتب، بل نبيع حقوق، وهذا نوع آخر من التبادل التجاري داخل معارض الكتب، لأنه بيع مستمر، يستمر تحصيل عائده كل عام كحقوق ملكية، ويمثل مصدر دخل إضافي لكل الناشرين." يبدو شريف بكر متفائلاً، لكنه تفاؤل مشوب بالحذر، فمعرض القاهرة الدولي للكتاب يتزامن كل عام مع ذكري ثورة يناير، ويخشي بكر "ألا نجتاز اختبار الحالة الأمنية هذا العام، وهو ما قد يتخوف منه الأجانب ويثير لديهم الشكوك في مدي استقرار البلاد، ولكن ليست هذه المشكلات الوحيدة، بل تأتي المشاكل الخاصة بالتنظيم والمواعيد والتنقلات ضمن أبرز ما نتخوف منه، ونعمل حاليا علي وضع استعدادات لعلاج مثل هذه الأمور اللوجيستية، وكذلك نبحث علاج الشكوي الدائمة للناشرين الأجانب، وهي تجاهل الناشرين المصريين والعرب لمتابعة علاقاتهم الجديدة والمراسلات، والرد في بعض الأحيان علي الشركاء الجدد." ويختم بكر كلامه موضحاً كيف بدأت فكرة Cairo Calling: "نظراً لمشاركاتي الكثيرة السابقة في عدد من المعارض الدولية، لاحظت أن هناك اهتماماً كبيراً بسوق الكتاب العربي بشكل عام، وعالم النشر المصري بشكل خاص، وانقطاع وسيلة التواصل بين الجانبين، حتي الناشرين المصريين والعرب المشاركين بتلك المعارض الدولية، بعضهم يشارك بغرض شراء الحقوق، وليس بيع تلك الصادرة عن دور النشر لديهم، لذلك بدأت استثمر معرفتي بالطرفين، لخلق الجسر بينهم، ونوفر فرصة للناشرين المصريين والعرب، بفتح آفاق التعاون مع شركاء أوروبيين، علي أن يجري ذلك هنا، في معرض كتاب القاهرة الدولي، وسط جمهورنا. وبطرح الأفكار السابقة علي الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب وهي الهيئة المنظمة للمعرض، أستجاب للأفكار، وتحمس لها، بحيث أن يتم التعاون بين اتحاد الناشرين المصريين والهيئة، لتنفيذ هذه المبادرة الجديدة وخلق منصة من القاهرة، يرتكز عليها العمل الاحترافي في بيع الحقوق بين الناشرين المصريين/ العرب وأقرانهم بالخارج."