أجنحة كبيرة وفعاليات وجوائز ومناقشات سلطت الضوء علي الثقافة العربية هذا العام خلال معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2014 (8-12 أكتوبر)، ولكن أغلب الجهد المبذول في ذلك الاتجاه كان إما ألمانيا أو تقوم به كل دولة علي حدة. ويعد معرض فرانكفورت أحد أكبر معارض الكتاب في العالم، وشارك فيه أكثر من سبعة آلاف ناشر من أكثر من 100 دولة بما في ذلك أغلب دول آسيا وأمريكا اللاتينية والعديد من الدول العربية. أجنحة لا تطير شاركت عدة دول عربية هذا العام في فرانكفورت بأجنحة رسمية مثل مصر والسعودية وقطر ولبنان، فيما شاركت الإمارات بأربعة أجنحة تمثل دبيوأبوظبي والشارقة ومركز الإمارات للدراسات، وتواجدت كل الأجنحة العربية الرسمية في جانب من قاعة 5.0 ولم يعكر صفو الحي العربي سوي جناح المجر الذي تواجد بين جناحي أبوظبي والشارقة. ويمكن وصف المشاركة العربية في معرض فرانكفورت هذا العام بأنها كانت كبيرة نسبيا هذا العام ولكنها عشوائية؛ سواء من جهة عدم وجود أي تيمة مشتركة أو تركيز علي أحد جوانب الثقافة أوالتراث العربي؛ وكذلك من جهة عدم تنسيق تصميمات الأجنحة لكي تعطي شكلا مميزا للركن العربي. وتفوق الجناح المصري كالعادة في سوء التصميم، فلم يكن هناك أي ديكور إضافي مع حوائط الجناح سوي علم للبلاد؛ كما لم أشاهد أي مسئول رفيع المستوي به هذا العام، وحتي رئيس الهيئة العامة للكتاب (الدكتور أحمد مجاهد) الذي اعتاد التواجد بالمعرض العامين الماضيين لم يظهر تماما هذا العام. ولا أظن أن مصر أو أي دولة عربية ابتعثت أياً من مثقفيها إلي معرض فرانكفورت هذا العام، فقط موظفين. وركز الجناح المصري (الرسمي) علي عرض إصدارات مؤسستين حكوميتين فقط (هيئة الكتاب، وهيئة قصور الثقافة)، فيما قامت أجنحة مصرية أصغر مثل جناح مؤسسة الأهرام ودار صفصافة للنشر (كانت مدعوة من إدارة معرض فرانكفورت ضمن عدد من ناشري العالم الثالث) بعرض إصداراتها وإصدارات مصرية أخري في مواقع قريبة بالمعرض. من حيث الحجم والتصميم كانت الأجنحة العربية كلها لا تصمد في المقارنة أمام أجنحة أندونيسيا (ضيف الشرف بالمعرض العام المقبل) او إيران، بل ولا تصمد في المقارنة أمام بعض دور النشر الأوروبية والأمريكية الخاصة. وركزت الأجنحة المختلفة علي الترويج لبلادها وليس الثقافة العربية، وأحيانا كان التركيز علي النشاط الثقافي في إمارة بعينها أو حتي نشاط مؤسسة بعينها. بنظرة عامة أظن أن الدول العربية بحاجة لتنسيق مظهرها علي الأقل في المعرض وأن الجناح المصري بحاجة إلي اهتمام يجعل وجوده فعالا، أو إلغاؤه بدلا من النفقات التي لا طائل من ورائها. فعاليات وجوائز بعيدا عن الجهد العربي الرسمي شهد المعرض عدة فعاليات سلطت الضوء علي جوانب من الثقافة العربية؛ مثل فعالية "تكريم رجاء" عالم وفعالية "قصص القاهرة القصيرة" ومائدة النقاش حول دور الاسلام في عمليات التحول الديمقراطي. وقد تحدثت خلال ثاني أيام المعرض في مائدة نقاش بعنوان "الإسلام والتحول الديمقراطي: مصر واندونيسيا كنماذج للتغيير" عن التطورات السياسية الحالية في مصر وعن تطور دور الإسلام في المجال العام، ودور الثقافة الإسلامية والجماعات السياسية الإسلامية والأزهر في الحياة السياسية بمصر منذ ثورة يناير وحتي الآن. ونظم تلك المائدة "مركز السياسة والأدب والترجمة" التابع للمعرض وشارك فيها من اندونيسيا البروفيسور "لطفي آسيكاني" وأدارها رئيس تحرير مجلة فكر وفن "شتيفان فيدنر". وفي مساء نفس اليوم أعلنت مؤسسة ليتبروم الألمانية Litprom نتيجة ورشة الكتابة والمسابقة التي تضمنها مشروع "قصص القاهرة القصيرة"، التي شارك في تنظيمها معهد جوتة بالقاهرة. وأعلنت المؤسسة عن فوز قصة "طنين" للكاتبة المصرية الشابة "أريج جمال" بالمسابقة وفوز شابتين هما نهلة كرم وأسماء الشيخ بالمركزين الثاني والثالث وحضرت الشابات الثلاث وقائع اعلان النتيجة بمعرض فرانكفورت. وأعلن منظمو المشروع أن دار صفصافة للنشر ستقوم بجمع القصص الناتجة عن ورشة الكتابة ونشرها في كتاب قريبا. وتحدثت الكاتبات الثلاث عن تجربتهن مع الورشة خلال ندوة بالمعرض يوم الجمعة، وقالت نهلة خلالها إنها استفادت بشدة من كثير من الأمور التقنية في عملية الكتابة وخاصة الاهتمام بالتكثيف التي أرشدهم اليها مشرف الورشة الروائي العراقي الألماني عباس خضر. ويوم السبت أعلنت مؤسسة ليتبروم ذاتها نتيجة التصويت علي جائزتها السنوية للروايات النسائية غير الأوروبية (المترجمة للألمانية) والمسماة Liberatur أو"أدب الحرية" وفازت بها هذا العام الكاتبة "رجاء عالم" عن روايتها "طوق الحمام" والتي ترجمها هارتموت فاندريش وصدرت باللغة الألمانية عن دار "يونيون" السويسرية. الالتفاف حول الذات رغم أن عددا صغيرا من الناشرين العرب (من القطاع الخاص) شاركوا هذا العام في المعرض إلا أن أغلبهم بدا وكأنه ذهب للتجول بين الأجنحة الخليجية فحسب، وهو سلوك أشبه بنشاط بعض الأجنحة الخليجية ذاتها التي تتعامل مع المعرض وكأنه فعالية عربية موجهة للجمهور، مع استثناء واضح لجناح الشارقة الذي بدا مستعدا بكل ما يهم المحترفين والناشرين الدوليين من أوراق تعريفية باللغة الإنجليزية خاصة بمشروع دعم الترجمة من وإلي العربية وبخدمات الاشتراك في معرض الشارقة والملتقي المهني التابع له. بشكل عام بدت الأجنحة العربية كنموذج لالتفاف الحكومات والمؤسسات الحكومية حول ذاتها، فلا مشاريع للتعاون مع الثقافات الأخري ولا أركان مخصصة للناشرين المحليين لدعم تواجدهم بالمعرض كما تفعل الدول الكبري (ثقافيا) مثل اسبانيا والبرازيل أو الصغيرة مثل جمهورية التشيك. بل إن إعلان معرض براغ الدولي للكتاب أن مصر ستكون هي ضيف الشرف العام المقبل بالمعرض الرئيسي في جمهورية التشيك لم يحظ بأي اهتمام من الجانب الرسمي المصري في معرض فرانكفورت ولم يشيروا له حتي بأي شكل في جناحهم الذي زينته كتب ثروت عكاشة. صفصافة وتشارك صفصافة للثقافة والنشر هذا العام بدعوة من معرض فرانكفورت؛ ومشاركة صفصافة هذا العام هي الثالثة علي التوالي بالمعرض الأكبر في العالم، وتهدف صفصافة من مشاركتها هذا العام الي تعزيز علاقاتها مع دور النشر الدولية والمؤسسات الثقافية الأجنبية كما تهدف لشراء حقوق عدد من الكتب الحديثة المطبوعة بلغات أوروبية واكتشاف اعمال جديدة لكتاب من مختلف دول العالم وخاصة من اللغات غير المركزية؛ وهو الاسم الذي نطلقه في صفصافة علي اللغات الأجنبية عدا الانجليزية والفرنسية والإسبانية. وقام فريق صفصافة للنشر كذلك بالترويج للأدب العربي عبر طرح عدد من الروايات العربية الحديثة علي دور النشر والوكلاء المهتمين بآداب العالم الثالث؛ وخاصة روايات صفصافة الصادرة مؤخراً مثل "الحريم" لحمدي الجزار. محمد البعلي مدير صفصافة للثقافة والنشر