قبل أيام نشرت مجلة " فوربس " تقريرا عن الأدباء الذين أدخلتهم كتاباتهم في قائمة الأثرياء ، الأمر الذي استدعي طرح سؤال مهم : متي ينضم الأدباء المصريون إلي مثل هذه القوائم ؟ السؤال " البريء " يفتح أبواب الكوميديا السوداء ، لأن المجلة المعنية بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات حول العالم اشترطت ألا تضم قائمتها إلا الأدباء الذين تتجاوز أرباحهم من الكتابة تسعة ملايين جنيه استرليني !! وهو ما يضفي علي سؤالنا نوعا من العبثية ، خاصة أن طرحه تم علي ثلاثة أدباء ينتمون إلي واقع أدبي لا يتمني فيه الأديب أن يصبح ثريا بقدر ما يطمح لأن ينتقل إلي أعلي خط الفقر. وقد شهدت السنوات الأخيرة حالات كثيرة لأدباء يعانون الكفاف ، ويصبح بعضهم مهددين بالسجن لعدم قدرتهم علي سداد نفقات علاجهم !! تشتد المفارقة حدة عندما نكتشف أنه بالرغم من ضخامة المبلغ الذي حددته "فوربس" ضمن شروطها فإن القائمة ضمت الكثيرين ، وتربع علي رأسهم الكاتب البريطاني جيمس باترسون محققاً 94 مليون دولار كأرباح عن مبيعات كتبه، وجاء في المركز الثاني الكاتب الأمريكي ستيفن كينج محققًا أرباحًا بلغت 39 مليون دولار، وفي المركز الثالث جاءت مؤلفة روايات التشويق والإثارة جانيت إيفانوفيتش، التي برزت كأكثر الروائيات ثراءً بمكاسب بلغت 33 مليون دولار، خاصة مع طرح روايتها Fifty shades of grey والتي وصفتها جانيت بأنها قد تكون تحريضًا علي الرذيلة، وفي المركز الرابع جاء جون جريشام بأرباح بلغت 26 مليون دولار، وهو سياسي سابق ومحام متقاعد وروائي أمريكي معروف برواياته المتعلقة بالدراما القانونية. "مستحيل أن يصل الأدباء المصريون إلي قوائم الأثرياء"، هكذا علق الروائي جمال الغيطاني ، وأيده الروائي إبراهيم عبدالمجيد في استحالة حدوث ذلك، قائلًا: "الأدباء علي باب الله"، وأضاف: "إزاي الأدباء يدخلوا علي قوائم الأثرياء.. وكل أعمالهم مسروقة ومبتتبعش ؟"، بينما علق الكاتب الشاب طارق إمام بخفة ظله وحماسه الشبابي قائلا : "لما تحصل ثورة كتابية جديدة إن شاء الله". العبارات السابقة كانت منطلقا لإجاباتهم حول سؤال عن إمكانية وصول الأدباء المصريين إلي قوائم الأكثر ثراءً حول العالم عن طريق أرباح كتاباتهم ومؤلفاتهم، معتمدين في وجهات نظرهم علي الظروف الحالية للقراءة ودور النشر. بداية، فرّق الغيطاني، بين النص الأدبي وأنواع الكتابة الأخري، مؤكدًا أن النص الأدبي هو من يُسوق لنفسه دون الاستعانة بمؤثرات خارجية، باستثناء الرواية فقد يسوق لها عن طريق صناعتها في السينما، لافتًا إلي أنه لا توجد مؤسسة واحدة في مصر تَتحقق من التوزيع وانتشار أعمال الأديب بخلاف ما هو متبع في الغرب، موضحًا أن لبنان تتبع نظاماً أشبه ب"ختم" المؤلفات الأدبية لضمان حقوق المؤلف في النسخ الموزعة، مشيرًا إلي أن أرقام التوزيع والنشر تعلن بجدية وشفافية في الغرب، في حين أن الغموض يتصدر المشهد بين أرقام توزيع الأدباء في الشرق العربي. وأشار الغيطاني إلي أهمية "الوكيل الأدبي" مؤكدًا أن له دوراً مباشراً في حفظ الإطار الحقوقي والقانوني، سواء لحفظ حقوق الملكية الفكرية للأديب، أو دور النشر، موضحًا أن فرنسا تتبع نظام الوكيل الأدبي، لافتًا إلي أن هناك في فرنسا مؤسسة تراقب توزيع الكتب وتضمن حقوق الكتاب. وعن دور القراء في إثراء الكتاب، أكد الأدباء الثلاثة أن حال القراءة والقراء في مصر، أصبح أفضل كثيرًا مما كان عليه منذ عشرات السنين، مشيرين إلي نسب القراءة الرقمية عبر شبكات مواقع الإنترنت المختلفة، لكن إبراهيم عبدالمجيد يري أن عرض الكتب والروايات عبر شبكات الإنترنت يسهم في إهدار حقوق الكتاب، ويطالب متخصصي الإنترنت بنَسب حقوق الملكية الفكرية للكاتب، وحفظ الكتب من السرقة، مقترحًا أن يحدد مبلغ رمزي يخصص للكاتب يتم جمعه من كل زائر لكتاب أو رواية يتم عرضها علي مواقع شبكات الإنترنت، قائلًا: "حتي لو جنيه مش لازم 20 أو 50 جنيهاً للنسخة الواحدة". ويلفت "إمام" إلي أن منظومة الكتابة في مصر والوطن العربي تفتقر إلي الفكر التسويقي قائلًا: "إن الكتاب الذي ينشر في مصر لا يخرج خارج الحدود المصرية، والكتاب اللبناني لا يدخل مصر وينطبق الأمر نفسه علي جميع الكتب العربية". ومن جانبه يؤكد "الغيطاني" أن هناك خلطا كبيرا بين القيمة الأدبية في حد ذاتها ومقياس الأعلي مبيعًا في الأسواق، مدعمًا رأيه بأن الكاتب القديم عزيز أرماني وزع آلاف النسخ من روايته "خدني بعاري"، في الوقت الذي كان نجيب محفوظ ينتظر عامًا كاملًا من أجل توزيع نسخ معدودة من رواياته. وأوضح أن الكاتب المصري أصبح يشعر يالنجاح عندما يوزع 1000 نسخة من كتاب له، مؤكدًا أن 1000 نسخة للطبعة الواحدة هو رقم قليل جدًا، ويعتبر في الخارج "نسخة سرية". وانتقد طارق إمام، الإطار الذي تم وضع الأدباء فيه ، مشيرًا إلي أنه تم تصدير فكرة للناس من خلال الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية بأن الكاتب هو عبارة عن شخص مجنون، يكتب كلاما صعبا، وشدد علي أن التصور الذهني عن الكاتب اصبح غير صحيح ، غير أنه لا ينكر أن هناك كتابات ونصوصا أدبية بها مشكلات، مستنكرًا أن هناك فكرة شائعة بين الناس تقول إن الأدب الجيد هو الأدب الممل، وإن الأدب الممتع هو المبتذل، مؤكدًا أن منظومة الأدب بأكملها تعاني من مشكلة، مشددًا علي أن منظومة الأدب بحاجة إلي طفرة في صناعة النشر في الوطن العربي، وطالب بالترويج للكاتب كنجم ودعم صناعة الكاتب مثل صناعة النجم، عن طريق الترويج له ب"الملصقات" و"البوسترات" في الشوارع، مشيرًا إلي أن الكتاب هو "سلعة" في الأصل تحتاج إلي الرواج من أجل البيع. واعتبر إمام، أن السينما تعتمد علي الأدب، ولكن الأدب يحتاج إلي السينما بشكل أكبر، موضحًا أنه عندما يتم الترويج لكتاب عن طريق صناعته في السنيما تقفز مبيعاته بشكل مبالغ فيه، مشيرًا إلي أن اللغة العربية في الأصل ليست لغة عالمية، وأنها لغة غير قابلة للترجمة وحصد الصدي بين لغات العالم كالإنجليزية والفرنسية علي سبيل المثال. أما عن أهمية دور النشر بالنسبة للكاتب فيري "إمام" أن منظومة الأدب العربي بحاجة إلي طفرة في صناعة النشر في الوطن العربي، مطالبًا باستحداث كيانات ناشرة بالمعني الحقيقي، ويوضح أن هناك فكرا جيدا -يجب أن يدعم- يقوم علي فكرة إنه بمجرد توزيع الكاتب 100 ألف نسخة من كتابه يبيع الكاتب 800 ألف نسخة لرؤيته علي الأرصفة وبين كتب المكتبات، والكتاب الذي يوزع منه 20 ألف نسخة يباع منه 300 نسخة فقط لعدم وجوده أمام أعين القراء، كما رفض مقترح أن يكون للكاتب مدير أعمال خاص، معللاً ذلك بأن ذلك يحتاج إلي تمويل أضخم، قائلًا: "عشان أجيب مدير أعمال لازم يكون في دخل محترم عشان يتقاضي 3000 جنيه مرتب شهريا وآخد الباقي.. لكن ما هو أصلا مفيش .. هجيب حد وأقبضه منين؟ ". ومن جانبه، يوضح إبراهيم عبدالمجيد، أن أقصي ما يطالب به الأدباء في مصر هو "الستر" وليس الثراء أو الغني الفاحش، قائلًا: "المهم الستر وليس الثراء"، مطالبًا الدولة بتوفير أبسط سبل الحياة الكريمة للكتاب والمفكرين الذين قدموا كل ما لديهم من أجل بناء تاريخ وحضارة الوطن، مرددًا: "الدولة أخدت فلوسنا ومدتناش حاجة"، وعن الثراء الذي يتوقع أن يحققه الأدباء، عن طريق حصدهم الجوائز الدولية والعالمية عن طريق كتاباتهم ومؤلفاتهم المختلفة، يؤكد "الغيطاني" أن الجوائز قد تساهم في إثراء الكاتب بعض الشيء، مشددًا علي أن ذلك يتطلب من الدولة أن تكون نزيهة، وأن تحظي الجائزة بالمصداقية، مستنكرًا اعتماد بعض الجوائز علي معيار الأكثر مبيعا في تقييمها للنص الأدبي، وينتقد اعتماد جائزة "البوكر" العالمية علي معيار الأكثر مبيعًا عند تقييمها الأعمال الأدبية، قائلًا: "فيه جوائز لها صدي كبير ولكنها لخبطت الحياة الأدبية مثل (البوكر)"، مشيدًا بمصداقية جائزة "سلطان العويس" مؤكدًا أنها نزيهة ولها مصداقية عالية جدا بين الأدباء والمثقفين. بينما يري الكاتب إبراهيم عبدالمجيد، أن الجوائز الأدبية لم تسهم بأي حال من الأحوال في ثراء الأديب، مشيرًا إلي الغلاء الاقتصادي المستمر، ولافتًا إلي أن الحياة كانت رخيصة جدًا في العقود السابقة، ويشير إلي أن قيمة جائزة الدولة التشجيعية قديما كانت لا تتجاوز 50 جنيها لكنها كانت عالية القيمة ويقول : "كان الأديب بياخد الخمسين جنيه فيستأجر شقة ويعيش من قيمتها" .