ليست هنالك طائرة مباشرة من نيويورك إلي كلينتون، أونتاريو، المدينة الكندية ذات ال 3000 نسمة حيث تعيش أليس مونرو معظم الوقت. رحلنا عن لاجورديا في صباح أحد أيام يونيو، قمنا باستئجار سيارة في تورنتو، وقدنا لمدة ثلاث ساعات علي طرق أضحت أصغر وأكثر ريفية. بحلول الغروب، توقفنا أمام منزل حيث تعيش مونرو مع زوجها جيري فريملن. المنزل به حديقة خلفية ومجموعة أزهار غريبة. في المطبخ، كانت مونرو تقوم بإعداد وجبة بسيطة باستخدام أعشاب محلية عطرة. غرفة الطعام محاطة من السقف وحتي الأرض بالكتب، وفي أحد الجوانب ثمة طاولة صغيرة عليها آلة كاتبة. هذا هو مكان عمل مونرو. القصص في مجموعتك الأولي "رقصة الظلال السعيدة"، تتحدث بوضوح عن هذه المنطقة، عالم طفولتك. في أي مرحلة من حياتك كتبتِ تلك القصص؟ - كتابة تلك القصص امتدت لفترة 15 عاماً. "يوم الفراشة" كانت أولها. أعتقد أنني كتبتها عندما كنت في الحادية والعشرين. وأتذكر بوضوح كتابتي لقصة "شكراً علي الرحلة" لأن طفلي الأول كان نائماً في مهده بجواري. لذلك كنت في الثانية والعشرين. القصص الأخيرة كتبتها في الثلاثنيات. "رقصة الظلال السعيدة" إحداها، و"سلام أوتريخت" أخري. "صور" كانت آخرهم. "الأخوة والكر رعاة البقر" كتبتها بعد بلوغي الثلاثين كذلك. لذلك هنالك فاصل زمني كبير. كيف يبدو موقف تلك القصص الآن؟ هل تعيدين قراءها؟ - هناك قصة في تلك المجموعة تدعي "المنازل اللامعة"، اضطررت لقراءتها في تورنتو منذ سنتين أو ثلاث سنين من أجل حدث خاص للاحتفال بتاريخ مجلة تاماراك ريفيو. وبما أن القصة نشرت في البداية في أحد أعداد المجلة، كان علي قراءتها، وكان ذلك صعباً. أعتقد أنني كتبت تلك القصة عندما كنت في الثانية والعشرين. كنت أقوم بتعديلها أثناء قراءتها، التفت إلي كل الخدع التي استخدمتها في ذلك الوقت، والتي تبدو الآن قديمة للغاية. كنت أحاول إصلاحها بسرعة أثناء القراءة، وكانت عيني تنتقل للفقرة التالية بسرعة أثناء قراءتي، لأنني لم أكن قد قرأتها قبل الحدث. لا أقرأ شيئاً مقدماً قبل أي حدث. عندما أقرأ قصة قديمة أري أشياء لن أفعلها الآن، أشياء كان الناس يقومون بها في الخمسينيات. هل راجعتِ أحد قصصك بعد نشرها من قبل؟ يبدو أن، بروست، قبل وفاته، قام بإعادة كتابة الأجزاء الأولي من "تذكر أشياء مضت". - نعم، وهنري جيمس أعاد كتابة الأشياء السهلة المفهومة لتصبح صعبة وغامضة. في الواقع فعلت ذلك مؤخراً. قصة "الانجراف بعيداً" كانت ضمن مجموعة "أفضل قصص أمريكية قصيرة 1991". قرأتها مجدداً ضمن المجموعة، لأنني أردت تذكر كيف تبدو ووجدت مقطعاً بدا رديئاً للغاية. كان مقطعاً صغيراً هاماً. ربما من سطرين فقط. أخذت قلما وأعدت كتابته في جزء فارغ في المجموعة لتكون متاحة لي عند نشر القصة في كتاب. غالباً ما كنت أقوم بمراجعات في هذه المرحلة وتتضح فيما بعد أنها أخطاء لأنني لم أعد متبعة نفس إيقاع القصة. فأري جزءًا مكتوباً ليس مؤثراُ كما ينبغي أن يكون، فأقوم في النهاية بتعديله قليلاً. ولكن عندما أقرأ القصة مرة أخري أجدها أصبحت غريبة بعض الشئ. لذلك لست متأكدة من أمر كهذا. الإجابة قد تكون انه يجب علي المرء التوقف عن هذا التصرف. يجب أن تصل لنقطة ما حيث تقول، كما تفعل مع طفلك، أنه لم يعد ملكي. ذكرتِ قبلاً أنك لا تدعين أصدقاءك يرون أعمالك أثناء كتابتها. - لا، فأنا لا أري أي شخص أي عمل أثناء كتابته. في قصة "شكراً علي الرحلة" تكتبين من وجهة نظر فتي مديني قاس يلتقط فتاة قروية فقيرة وينام معها في ليلة وينجذب ويتقزز، في آن واحد، من حياتها الفقيرة. يبدو غريباً أن تكتبي هذه القصة في وقت كانت حياتك فيه مستقرة ومناسبة. - أحد أصدقاء زوجي جاء لزيارتنا في الصيف أثناء حملي بابنتي الكبري. ظل لفترة تقارب الشهر. كان يعمل بلجنة الأفلام القومية، وكان يعمل علي فيلم في تلك المنطقة. أخبرنا بأشياء كثيرة، وكنا نتحدث كما تفعلان، بقص حكايات مختلفة عن حياتنا. وحكي لنا قصة عن وجوده بمدينة صغيرة وخروجه برفقة فتاة محلية. كان ذلك لقاء فتي من الطبقة الوسطي بشئ كان مألوفاً نوعاً ما لي ولكنه لم يكن مألوفاً بالنسبة له. لذلك تشاركت الفتاة المشاعر وأحسست بعائلتها وموقفها، وأعتقد أنني كتبت القصة بعدها بفترة قصيرة لأن طفلتي كانت تحدق فيَّ من مهدها. هل كان لديك وقتٌ محدد للكتابة؟ - عندما كان أطفالي في سن صغيرة، كان وقتي يبدأ بمجرد ذهابهم إلي المدرسة. لذلك عملت بجد خلال تلك السنوات. أنا وزوجي كنا نمتلك مكتبة، وحتي أثناء عملي هناك، كنت أبقي في المنزل حتي الظهيرة. كان من المفترض بي القيام بالواجبات المنزلية، وكنت وقتها أقوم بكتاباتي كذلك. لاحقاً، عندما لم يعد يتعين علي العمل يومياً في المتجر، كنت أعمل بجد حتي عودة الجميع إلي المنزل وقت الغداء، ثم بعد عودتهم مرة أخري، ربما حتي الساعة الثانية والنصف، ثم أشرب كوباً سريعاً من القهوة وأبدأ في القيام بالأعمال المنزلية، وأحاول إنهاءها جميعاً قبل المساء. عندما تبدئين في كتابة قصة، هل تكون لديكِ فكرة مسبقة عما ستكون عليه؟ - ليس بالكامل. أي قصة جيدة يجب عليها أن تتغير. حالياً أكتب قصة بدون أي تحضير. أعمل عليها كل صباح، وتسير الأمور بسلاسة. لا أفضل هذه الطريقة، ولكنني أعتقد، في مرحلة ما، سأعتاد عليها. في العادة، أتعرف علي القصة قليلاً قبل كتابتها. عندما لم يكن لدي وقت ثابت للكتابة، كانت القصص تختمر في عقلي لفترة طويلة لدرجة أنني عند البدء في كتابتها أكون قد تعمقت فيها بالفعل. الآن، أقوم بهذا العمل عن طريق ملء الدفاتر. كيف تعرفين أنك علي المسار الخاطئ؟ - قد أكون في خضم كتابة شئ في أحد الأيام وأعتقد بأنني أبلي بلاء حسناً، أكون كتبت صفحات أكثر من المعتاد. ثم أستيقظ في اليوم التالي وينتابني شعور بأنني لا أرغب بالعمل عليه بعد الآن. عندما أقترب من ذلك العمل علي مضض، عندما أضطر للضغط علي نفسي لإكماله، حينها أعرف أن هناك خطباً ما. عادة، خلال إتمامي لثلاثة أرباع العمل، أصل لمرحلة ما، وعادة ما تكون مبكرة، وأشعر بأنني علي وشك التخلي عن تلك القصة. أمر بيوم أو يومين من الاكتئاب السئ، وأكثر من التذمر. وأفكر في شئ أخر يمكنني كتابته. الأمر يشبه العلاقة الغرامية: فأنت تحاولين الهرب من كل الإحباطات والبؤس عن طريق الخروج مع رجل جديد لا تحبينه فعلاً، ولكنك لم تلحظي ذلك بعد. ثم فجأة، أفكر في تطور جديد لتلك القصة التي أهملتها، وأفكر في طريقة لتنفيذه. ولكن عادة ما يحدث ذلك بعد أن أقول، لن تنجح تلك القصة، علي بنسيانها. هل هناك قصص لم تواجهك أي صعوبات في كتابتها؟ - في الواقع كتبت "صديق شبابي" بسرعة كبيرة من حكاية سمعتها. هناك شاب أعرفه يعمل في المكتبة بجودريك ويقوم بعمل بعض الأبحاث لي. كان في منزلنا في ليلة ما وبدأ بالحديث عن جيران عائلته، جيران يسكنون المزرعة المجاورة. وكانوا ينتمون لطائفة دينية تحرم عليهم اللعب بالورق، ولذلك كانوا يلعبون كروكينول، وهي لعبة طاولة. كان هذا ما قاله، بعدها سألته عن أفراد العائلة، ديانتهم، كيف كان مظهرهم. قام بوصفهم لي ثم أخبرني بفضيحة الزواج: الشاب الذي يظهر باعتباره عضواً في الكنيسة ويخطب الابنة الكبري. ولكن، المفاجأة الكبري، الأخت الصغري كانت حاملا لذلك كان يجب تبديل الزواج. ويعيشون جميعاً في منزل واحد في النهاية. كل ما تم ذكره عن إصلاح المنزل، وإعادة دهانه حقيقي. قام الزوجان بدهان نصفهما، والأخت الكبري لم تفعل، لذلك تم دهان نصف المنزل فقط. من الواضح أنك تسافرين كثيراً، ولكن أعمالك يطغي عليها حس ريفي - عندما تعيشين في مدينة صغيرة تسمعين أشياء كثيرة، عن مختلف الشخصيات. في المدينة تسمعين قصصا عن أشخاص يشبهونك. في حال كونك امرأة هنالك الكثير لتسمعينه من الأصدقاء. استوحيت قصة "اختلاف" من حياتي في ڤيكتوريا، وكثير من تفاصيل "المستنقع الأبيض". استوحيت قصة "نوبات" من حادثة فظيعة وحقيقية حدثت هنا عملية القتل/الانتحار لثنائي في الستينيات من العمر. في المدينة، كنت سأقرأ عنها في الجريدة، لم أكن لأمسك بكل الخيوط. المصدر: ذا باريس ريڤيو