إقبال واسع على تقديم طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب بمحكمة جنوب القاهرة    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025.. جامعة جازان تتقدم أكثر من 200 مرتبة في تصنيف التايمز 2026    10 مرشحين يتنافسون على 4 مقاعد.. إقبال متوسط على انتخابات الأطباء بالبحيرة    وزارة الكهرباء: التوسع في أنظمة تخزين الطاقة بواسطة البطاريات لتعظيم الفائدة من المحطات الشمسية ومحطات الرياح    25 صورة ترصد فعاليات ماراثون للتوعية ضد شلل الأطفال بالأقصر    بكين تعلن إجراءات رقابية على صادرات التكنولوجيا الخاصة بالتربة النادرة    لاعب سابق في الفريق ومعجون كورة.. من هو مترجم ياس سوروب في الأهلي؟    انضمام المحترفين جوناس الملاح وكريم حسنين لمنتخب 2007.. وموهبة ثالثة في الطريق    القبض على متهم هدد المارة بسلاح أبيض في القاهرة    بإقبال كبير.. الموسيقى والغناء يزينان احتفالات نصر أكتوبر بوادي النطرون    فيلم هيبتا المناظرة الأخيرة يتعدى 7 ملايين إيرادات منذ عرضه    صحة الدقهلية: استئناف العمل بوحدة مناظير الجهاز الهضمي بميت غمر    تعرف على موعد والقنوات الناقلة لمباراة مصر وغينيا بيساو فى تصفيات كأس العالم    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    حبس قاتل تاجر العسل بالغربية على ذمه التحقيق    ضبط 6 طن أعلاف مجهولة المصدر بالمنوفية    فرنسا: اتفاق شرم الشيخ خطوة تاريخية ونجاحه يجعله مشروعا للسلام الدائم    انقطاع المياه يثير غضب أهالي أبوصوير.. "من امبارح مش لقين نقطة نشربها"    مراسل القاهرة الإخبارية يرصد مشاهد مؤثرة من عودة النازحين لمدينة غزة.. فيديو    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    مهرجان الجونة.. استثمار فى الشغف وجمال السينما    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    لبنان: بيروت ودمشق اتفقتا على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الملفات العالقة    اليونيسيف تحث على تدفق المساعدات إلى غزة    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    «قلبي قالي».. ياس سوروب يتحدث عن سبب اختياره تدريب الأهلي    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    بمشاركة 22 جامعة مصرية حكومية وخاصة.. اختتام برنامج محاكاة قمة المناخ COP30    «الداخلية»: ضبط شخص اعتدى على زوجة شقيقه وحطم محتويات شقتها بالدقهلية    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    زاخاروفا: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار بغزة وندعو إسرائيل وحماس للالتزام الكامل به    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    العثور على جثة سيدة مصابة ب3 طعنات داخل الملاحات بالإسكندرية    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    الداخلية تكشف حقيقة صور صبية يتعاطون المخدرات ويتحرشون بفتيات فى الدقهلية    لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    4 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي للحكومة ورسائل رئاسية مطمئنة للمصريين    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    المغرب تضرب موعدا مع الولايات المتحدة فى ربع نهائى مونديال الشباب.. فيديو    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    «زي النهارده» في 10 أكتوبر 2009 .. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    أهم 30 دقيقة أعقبت إعلان إنهاء الحرب.. لماذا تأخر القرار حتى منتصف الليل؟    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كانت النيران تُلفّ النّاحية الشّماليَّة بأسرها

علي خِلاف ما ألفيت الحال عليه، ثمّة مَنْ يُردد أنّ أحداً لم يعد يقرأ. السُّجناء يقرأون. يُخبرني حَدْسي أنّ حُريَّة اتصالهم بأجهزة الكمبيوتر مُقيَّدة. إجحافٌ مُفرح بالنسبة لي؛ فأعذب رسائل القرّاء التي تلقيتها وهي أيضاً رسائل القرّاء الوحيدة التي تلقّيتها جاءتني من سُجناء. رُبّما كُنّا جميعاً سُجناء؟ في حيواتنا، عاداتنا، وعلاقاتنا؟ هذا ليس جيداً، في رأيي. بل ربما كان شرّاً حتّي، أنْ تستميل بؤس الآخرين.
أودّ التنويه إلي أنّني لمّا بعت الشّريط السينمائي كان زوجي قَدْ هجرني لِلحال. كنت عدت للبيت يوماً لاكتشف غياب حفنة أشياء. خِلتُ أنّنا تعرّضنا للنشل، بعدها عثرت علي حاشية تقول: « لم أعد أقدر علي الحياة هُنا». كان قَدْ أخذ معه الكثير جِدّاً. مثلاً، كانت لدينا مَبْشَرة جبن إيطالي لطيفة أخذها، علي أنه خلّف وراءه معطفه الشّتوي، وطفلاً. لَقَدْ أنجبنا طفلاً معاً، لحد ما. كنتُ أحمله صبيَّة أم صبي، لَمْ أشأ أنْ أعرف فِي بطني.
بحثتُ علي الويب عن بديل لِمَبْشرة الجبن تلك لِتوقي الحقيقي لِمْبشرة الجبن الإيطالي. كانت مِنْ النّوعيَّة التي تعمل كطاحونة، لا كمقشرة. ولها مقبض أجد مُتعة في إدارته. كان ثمّة عدد مِنْ المَباشِر المُشابهة المتوافّرة لكن بمقابض رفاهيَّة غير جذّابة. أخيراً، عثرت علي نفس الموديل. هل كانت مسألة إعادة شرائها سابقة لأوانها؟ لقد مضي يومان علي نفس المنوال جوهريّاً. بعدها، يوم الأربعاء، اتصل أخي وأطلعته علي مستجدات حياتي.
- أهلاً، هذا أمرٌ جلل حقّاً.
- نعم. أمرٌ جلل- بعدها قال-: خِلتهُ فانتازيا يا تريشْ. أعني كان لابد أن أقول لك بشأن...
- بشأن ماذا؟
- المدوّنة- وأردف: مدوّنته. لا أحتمل زوجتي دوت بلوجسبوت دوت كوم.
- هل تُكابد واحدة مِنْ أطوار السُّهاد مرّة أخري؟
- تريشْ، أعلم أنّ كلامي يجعلني أبدو متطفّلاً، لكن جوناثانْ دائماً ما بدا مُتباعِداً قليلاً بالنسبة لي كما تعلمين، لذلك عقب أنْ غادر شقّتك مرّة، لمّا كنتُ بمفردي هناك، لا أدري، آسف، فتحت حاسوبه النقّال وتفحّصت تاريخ المتصفِّح. غمرني فضول بشأن صوره الفاسقة وخطر لي احتمال وجود بعض الصّور الفاسقة الشاذّة...
- وهل كانت ثمّة صور فاسقة شاذّة؟
- مُطلقاً. ما كان في حدّ ذاته شاذاً. لا صور فاسقة. فقط مدوّنته. و...
- لا بأس، طيب. أُفكِّر في شراء مبشرة جبن إيطالي جديدة...
- حسبتها هجاءً يا تريشْ. مُضحكة جِدّاً. انظري، كنتُ أعلم أنّك تعجزين عن نطق بعض هذه الأشياء حتماً. أقصد أنّك دقيقة يا تريشْ لكن هادئة. كيف لي أنْ أعلم أنّ جوناثانْ كان جادّاً؟ قلت في نفسي قَدْ تكون مثل تلك الأمور صِحيَّة. الفكاهة صحيَّة. رُبّما هي طريقة صحيَّة لجوناثانْ كي ينفِّث عن غضبه، أو بعض مشاعره المجروحة. فانتازيا صِحيَّة كما تعلمين، لم أدر ما أفعل يا تريشْ، وقَدْ سألت الطبيب النفساني لكنه لم يلق بالاً! فقررت ألا أتدخّل. انظري، لا تغضبي مِنّي يا تريشْ، لستُ إلا عابر سبيل مصدوم هُنا...
- لا تكفّ عن ندائي ب تريشْ، ولا تفعل هذا إلا حين تحاول تجنّب شيء ما. كان عليك أنْ تأتي وتقول ما تشاء بدلاً من قول تريشْ طوال الوقت.
- سأجيء وسنقرأ معاً. أو لا. لو أنّ هذا ما تشائين. أيَّاً كان ما تشائين.
لم أكن أنوي قراءة المدوّنة. كِتابة غزيرة هُناك فِي الدّنيا ومَنْ يرغب في قراءتها؟ لستُ أنا.
كُل هذا وقع بعد نشر روايتي الأولي بوقت قصير، وكانت لديّ بعض النّقود، بل وبعض المهابة، وحققت الرّواية بعضاً من الرّواج، أقلّه أنني تلقّيت مُقدّماً لائقاً وبعض النّقود لِقاء الحقوق الأجنبيَّة أيضاً كان حلماً !- علي أنّي لَمْ أمتلك لا الكثير مِنْ المهابة ولا النّقود أيضاً، بل البعض منهما. كانت الرّواية قِصّة حُبّ بين طائر وحوت. لِمَ كنتُ قليلة المال حقّاً؟ جزئيَّاً لأنّ النّقود محض ذباب، كما يتردد، أو أُحزِّر أنّه الوقت كما يقال عنه أنه مُحلِّق، والنقود أيضاً. مُجنّحة جِدّاً. مع ذلك، أحد أكبر الأسباب وراء عدم امتلاكي نقوداً كثيرة أنّي كنتُ أدفع زوجي بطريق كُليَّة إدارة الأعمال. أقلّه، خِلتني كنتُ أفعل ذلك، لكن تبيّن أنّه حتّي لَمْ يُدرج اسمه في الكُليَّة رحت أفتش عنه طبعاً وأنّه كان يعمل تلك السّحوبات الماليّة لِجهة الأقساط الدّراسية لحسابه الخاص. حظي زوجي بطبائع لطيفة عِدّة وكان شعره غير المغسول فردوساً بالنسبة لي. لَمْ يسألني أبداً عمّا فعلت بأي يومٍ كان، وسقطنا بجنون في هوي بعضنا في غضون ثلاثة أسابيع، كان هذا لطيفاً. اعتاد مناداتي بالفرخة الصّغيرة. لا أزال افتقده.
لكن لنعد إلي الموضوع. امتلكت بعض المال لكن ليس الكثير. كانت قضبان سجن الإفلاس تنبت من حولي أثناء أحلامي، مثل ذُرة سحريَّة بريّة. اتصل وكيليعذبٌ جِدّاً أنْ يتّصل بك صديق .. أو، كلا، ليس صديقاً..لكنه صديق لحدٍّ ما ليري إن كنت مُهتمّة بحضور لقاء مع بعض العاملين بالسينما. بدأت بالصّراخ، بعدها تجاوزنا الأمر. سينحصر اللقاء بالحديث عن بعض النوايا، لا صفقات كُبري، لكن مُحتملة. أحبّوا السيناريو المُعدّ عن روايتي لم أعدّ سيناريو، بدا هذا مُجرّد اِلْتِبَاس لكن برأيهم سيكون مُكلفاً جِدّاً التصوير تحت الماء كذلك التصوير مِنْ طائرة. أرادوا قِصّة حبّ أرخص. تُري ماذا لو كانا حيوانين بريين ؟ علي أي حال، جري اقتراح لقاء آخر وتصرّف وكيلي كأنّي قَدْ أعثر عليه تحتّي، وكأنّ رواية أخري ليست إلا عملاً باهظاً، ورغم علمي عدم تصديقه بصورة حقيقيَّة أنّ كتابتي مُفرطة الجديَّة درجة تحول بينها وبين تحويلها لفيلم سينمائي، فقد خِلته لُطفاً منه أنْ يتظاهر كأنّ الحقيقة خلاف ذلك.
- عظيم، عظيم.
قلت بنبرة من يفضّ لقاءً. وأردفت:
- أنا معك قلباً وقالباً.
- قلباً وقالباً؟
سعلتُ، كأمن أموضع المُشكلة في حلقي.
- إذن لا مانع لديك؟
- بحماس سأكون هُناك.
- مثلما جري حتّي لك ، هذه فكرة هُناك.
وصدمني احتمال أن اللقاء نوعاً ما كان في سبيله لإنقاذي، أو أقلّه لا يتعيّن عليّ أنْ استخفّ كُليّةً بمسألة التحضير له، ما دام ثمّة احتمال قائم أن ينقذني بعض الشيء. قَدْ يصير أمراً جيداً جِدّاً. يُمكنني أنْ أشاهد نفسي أُقدِّم أفضل ما بوسعي ومِنْ ثمة الإحساس بأني علي ما يُرام بسبب هذا الانجاز، وهذا الإنهاك. أهون ما أقدر عليه، بالنسبة لي وبالنسبة لثمرة الزّواج كذلك كان أنْ أفتح ووردْ فايلْ. أو، إنْ أخفقت، أدوّن فِي عُجالة بعض الملاحظات علي مستند قانوني. اسمح لي أنْ أقول الآن فقط؛ فأنا لا أؤمن بالتشويق أو أقلّه أحسّ بالسفالة حين أسعي بالتورّط فيه، رُبّما في الغالب بسبب عدم اتقاني له أنّني لم أستعد للقاء أبداً.
زَارني ديفيد صديقي. أراد أنْ يستلف نقوداً. كان حظّه السيئ أوفر مِنّي، إلي مَتَاعِب الأسنان المكلفة وإدمانه الوَخْز بالإبَر. تكلّمت معه عن الرّحيل وكذلك عن المدوّنة.
كان مَلِمّاً بالفعل بأمر المدوّنة. هو الآخر صادفها أثناء تفحّصه تاريخ المتصفَّح بحاسوب جوناثانْ النقّال.
قال ديفيدْ: « الرّجل يمتلك مُخيَّلة جامحة جِدّاً. لَمْ يكن لِيخطر ببالي ما فعل. تصوّرت ضرورة احترام موقفه»
- لِمْ لم تصارحني؟
: هل تذكرين خصامك لي شهرين بعد أنْ قُلت إنّك كنت طائشة بسبب زواجك بعد أسبوعين؟
كنتُ سمعت فِي الآونة الأخيرة شخصاً يستعمل لفظة « صريع». هذه الكلمة جعلتني أعود بتفكيري إلي سنوات طفولتي في كِنتاكي، ولا أدري سبباً لطريقة التفكير تلك. صِرتُ امرأةً مُتحضّرةً مُشتهاة، وبالتالي رُبّما تعرّضت حياتي بحقّ لمصائب هائلة، كمثيلاتها في كوميديا الأخلاق لا كخسارة طرف أمام نَصْل جرّار، فتلك مسألة أخري. ما لم تكن هُناك دماء علي الأرضيَّة، إذن لم يكن في الأمر تراجيديا. هكذا كانت تعني كلمة «مُتحضِّر «. أو قَدْ تعني صريعاً. كَذلِك صادفت مرّة عبارة تصفُ كتاباً « يرقدُ مثل وحش برّي صريع بوسط حياتي ». كانت حياتي هي مَنْ يرقد بوسط حياتي هكذا، مثل وحشّ بري صريع.
- كُنّا لا زلنا نتعاشر. والنّاس لا تُعاشر من تكره.
قال ديفيد: طيب، هذا غير حقيقي.
كان ديفيد كاتب سيناريو طموح وصديقي المؤتمن. لم أصارحه بشأن لقائي السينمائي المُقبل. لَقَدْ صار جو الخيانة مُسيطراً.
استطردت: الرّجال يشتهونني.
ويدي فوق بطني التي آوت مخلوقاً مجهول الجنس.
- صِدْقاً. البارحة فقط استوقفني رجل فوق الرّصيف كي يسألني إن كنت طليانيَّة.
- و مَنْ تكلّم عن النّفور منك؟ لستِ إلا مُعذّبة.
- رُبّما لست مُعذّبة.
- لأقتصّ من نقودي. هو التسامي الكانتي ما تكابدينه. ثمّة حياتك، مِنْ ثمّ تلمحين رحابة المجهول الّذي يطوّق جَزَيرة المعلوم متناهية الصِّغر تلك.
تسامي. تصوّرته نكهة. رُبّما كان يتعلّق بالليمون البلدي. لَمْ أدر ماهية التسامي الكانتي. مِنْ الأهمية أنْ أكون مُضيفة منصتة. وزوجة، فيما يتعلّق بهذا. ذهبت إلي المطبخ وأحضرت بعض المكسّرات والخَرْدَل والمربّي، كُلُّ ما لديّ. عثرت علي بعض الأطباق المزخرفة للتقديم. بغتة دهمني قلق من احتمال رحيل ديفيدْ، بذلك لا تتبقّي لي صحبة في الدّنيا.
- أتعرف مِمَن أتلقّي رسائل مُعجبين؟ أتلقّي رسائل مُعجبين. هذا شيء ذو بال، أليس كذلك؟ ربما ثمّة مسافة معُيَّنة بيني وبين مَنْ يحبونني. لا
أتلقّي رسائل مُعجبين إلا من رجال. فقط مساجين رجال.
وضعتُ خليط المكسّرات.
- صحيح لم تلق ولو نظرة علي المدوّنة؟
لَمْ يُعر ديفيدْ المكسّرات انتباهاً.
- مِنْ جهة أريد تهنئتك. لكن رُبّما كان مفيداً لو ألقيت نظرة.
فرشت الخَرْدل فوق نُقْلَة.
قال ديفيدْ: بدوري تعوّدت علي تلقّي رسائل إعجاب من سجناء. وأردف: فِي الماضي لمّا كنت أؤجر ما أكتب بذلك العمود لمجلّة
هل تباريني؟
- بل أشاطرك. هذه حميميَّة يا تريشْ.
- إحدي الرّسائل التي تلقيتها كانت عن الحُبّ. تقريباً سبع صفحات. كأنّها بحث فلسفي مسهب في طبيعة الحُبّ كتبه صبي حاد الذّكاء لم يتجاوز خمسة عشر ربيعاً. لا عن المضاجعة، بل الحُبّ. لقدْ شدد علي ذلك رُبّما سبع مرّات تقريباً. رُبّما يعني ذلك أنّ ما تعلّق بممارسة الحُبّ. مهما يكن مِنْ أمر. يتعلّق بالحُبّ.
- ما تقولينه بشكلٍ ما غير لائق، لا يبدو أنّك علي طبيعتك.
كانت الحياة، هكذا أري، سلسلة مِنْ العثرات فِي القلب مِنْ التسامي الكانتي. لا يعني ذلك أنّي ميَّزت بين تسامٍ وآخر، كما سبق أنْ قلت، لكن نويت سؤال ديفيدْ عن ذلك لمّا أحسّ أنّي أقل قابليَّة للعطب.
- طيب، لَقَدْ قال هذا الفتي أنّه أراد التشديد معي علي بعض الانطباعات بشأن الحُبّ والتي أخلفها كتابي. أراد أنْ يعرف ما إذا كنت أمينة بشأن ماهية الحُبّ. قال إنه سيخرج يوماً مِنْ السّجن وهو مبعث الأهميّة بشأن ردّي عليه كتابة. وقال إنني أستطيع أنْ أستغرق ما أشاء من وقت قبل أنْ أردّ. « قدر ما تحتاجين » وأردف « لابد أنّك مشغولة، لديك عام، لا بأس»
-- هذا كرمٌ منه أنْ أمهلك في جامعته.
خِلتهُا مُجاملة، و لم أردّ.
- هل قلت لك أنّ الطيَّار لقي حتفه تماماً الآن. - جوشْ.
- هل تفتقدين جوناثان؟
- أردتُ أن أحكي لك بشأن هذه الرسالة الأخري أيضاً. لا أدري لِمَ كتب هذا الرجل لي بخاصة. لم يقلْ. هو الآخر كان سجيناً. ومُجامِلاً جداً. قال إن لديه ببساطة فكرة فيلم سينمائي تتعلّق بحادث تونغوسكا سنة 1908، وقَدْ أراد أن يعرف إنْ كانت فَرْضيَّة معقولة القول إنّ التّفسير لحادث تونغوسكا رُبّما يكون المادّة المضادة...
- أتساءل إنْ كان بإمكاني إنجاز الكثير مِنْ العمل لو كنت سجيناً...
- كنتُ أجهل ماهية حادث تونغوسكا، واضطررت للبحث عنه. تبيَّن أنْ هذا المكان كان في سيبيريا حيثُ انبطحت آلاف الفدادين من الأشجار فوق الأرض فجأة دون أنْ يزعج عالم واحد نفسه بالتحقق طوال سنوات وسنوات. لكن تواترت تقارير عَنْ أصوات لا تُحتمل دوّت ورياح مروعة وأضواء زرقاء عجيبة. لابد بدت وترددت كأنّها قيامة الدّنيا. يعتقدون أنّه رُبّما كان نيزكاً. وقَدْ رأي البعض عموداً من نور أزرق قريب مشرق كأنّه الشّمس، يتحرّك من الشمال إلي الشّرق. وقال البعض الآخر إن النّور لم يكن يتحرّك، بل يُحلِّق فحسب. و قَدْ تهشّمت نوافذ تفصلها عن المكان مئات الأميال.
راح ديفيدْ يقرأ لي بصوتٍ عالٍ من مدوّنة جوناثان أثناء قيامي لإحضار روايات شهود العيان المطبوعة التي عثرت عليها علي ذلك الشيء المروع المسمّي الشّبكة.
- أترين، أنت لست أنت حتّي.
راح يُردد.
- ششش. انصت.
رُحت أقرأ بصوت عال: اتسع الشقّ في السّماء وكانت النّيران تلفّ النّاحية الشّمالية بأسرها. فِي هذه اللحظة ارتفعت درجة حرارتي جِدّاً حدّاً عجزت أن أطيقه، وكأنّ قميصي اشتعلت فيه النّار. أردتُ أنْ أمزّقه وأطوّحه في الهواء، لكن عندئذٍ أطبقت السّماء ودوت قرقعة قويَّة، وطرتُ بضعة ياردات...
- يا الله. كنت أودّ لو كنت هُناك، كان هذا هو التّسامي حقّاً...
- يُقال إنّه طوال ليال كثيرة تلت، كانت السماء فوق آسيا وأوروبا ساطعة ما يكفي لقراءة الصُحف.
-هل كتبت ردّاً علي الرسالة؟
- نقلت له إخفاقي في العثور علي سبب حال دون اعتبار المادّة المضادة تفسيراً منطقيَّاً. مع ذلك مَنْ أنا كي أجيب علي هذا التساؤل؟ وتمنّيت له حظّاً طيباً مع فكرته. لعلّني حتّي وقّعت الردّ ب « محبّتي». أقرضت ديفيدْ ثلاثمائة دولار، وهو ما بدا إبْرَاماً لاستفادتي منه علي أحد الوجوه.
هل أجريتُ ذلك اللقاء السينمائي بَعد ذَلِك، دون استعداد كُليَّاً، بعد أن توضّبت بطريقة تُبرز حبلي، ثُمّ قللت من أهميته، ثُمّ بدّلت الثياب مرّة أخري لأشدد عليه؟ ألم تكن لديَّ أفكار؟ هل شرعت في الحديث عن التسامي الكانتي وعن النيزك وعن الحُبّ؟ قِصّة حُبّ عابرة للأجيال بين راع عجوز في سيبيريا وامرأة مُعاصرة تعمل بالحياكة والتجلّي، والشّعور بأنّ الحياة لُغز فادِح لكن بأواصر سريَّة تربطنا جميعاً؟ لقد فعلت. كُل تِلك الأشياء التي أجهل عامدة أي شيء عنها. النّيازك تقتحمُ مجال الأرض كُل يوم، وأنا كنتُ أخون كثيراً.
أحسستُ أنّني نقيَّة جِدّاً .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.