أتوجه للبار، أملأ كأسي. أسخف حفلات هي حفلات شباب الألمان، هم الأسوأ في اختيار الموسيقي؛ لا أفهم مدي تعلقهم بموسيقي التكنو، لكنه يأتي وينقذ الليلة.. زيزو ملك الحفلات، يبدأ هادئًا وكأن الدربُكّة تهمهم.. تدخل الغرفة الكبيرة بنعومة ويتبعها الفتي.. نتبادل النظرات عبر الغرفة، أحيّها بابتسامة فتتجاهلها بصورة واضحة. أتعاطف مع الفتي بشدة، لديه مارجريت الإنجليزية الشابة التي تري نفسها قبيحة، الأمر سهل، فقط يجب أن يشعر بمدي قدرته، ويعضد ثقته بنفسه، أو مونيك فرنسية تقتلها الوحدة، ومن الواضح أن هرمونات انقطاع الطمث تهاجمها بضراوة. أهداف سهلة في الحقيقة، لكنه يفضل أن يحظي بكل شئ. المرأة شبكة علاقات ثقافية دولية ضخمة، أن تتبني مشروعه الفني شئ، وأن يعرض عليها الزواج شريطة باسبورها الهولندي -وليس المصري- شئ آخر. الأمر حينها يتطلب ما هو أكثر من قضيب ضخم، أوسلسلة من المضاجعات الجامحة، وهو -مع الأسف- ليس لديه أكثر من ذلك. يبدأ زيزو في التوهج، يلعب "التت البلدي" بفُجر، وتنفلت منها ضحكة - تلك الضحكة المربكة- كمنديل بلدي رديء الصنع، مطرز بشخاليل نحاسية، ينزلق فجأة من فوق رأسها؛ فتنحني لتلتتطقه بمرونتها المعهودة. نتبادل النظرات، تتهمني بطرف عينها، أضحك وأقبل رينيه فوق وجنتها المجعدة عابثًا، تعتصر رينيه مؤخرتي بيدها مداعبة، تضحك مرة أخري ونتابع تبادل النظرات.. يخفت صوت النقر حتي يكاد يختفي، ثم ينتقل زيزو ببراعة للملفوف، ويلهث الفتي، يلف حولها في مدارات غير متوازية عدة مرات، يعيد ملء كأسها، يأتي لها بمنديل، يجلسها علي كرسي مريح، يتحرك كثيرًا، لكن لا يمكنه أن يذهب بعيدًا.. . تتركني رينيه وتذهب للحمام، تترك الفتي خلفها وتتوجه ناحيتي، تزم شفتيها للأمام قليلاً، وتظهر استياء طفولي كي أسألها ماذا بها، وأسألها. لم تشعر بالإهانة في الحقيقة، رغم أنها تباكت ببراعة وهي تحكي عن عرضه الصريح. صدقني؛ التساؤل عن شكل قضيبه قد عَبَر ذهنَها لأكثر من مرة هذا الأسبوع. يغيّر زيزو بخفة للمقسوم، وتغيّر هي الموضوع. تتكلم عن أبيها، وتمزح عن عمتها وخالتها وطنط زينة وغيرهن، ثم فجأة تنهار باكية: - "كل الناس اللي بحبهم بجد ماتوا وسابوني". أنسحب بهدوء حين يهرول الفتي ناحيتها ويستعطفها، يربت علي كتفها بحنان وتأثر حقيقي.. في رأيي يجب أن يكون الموضوع أبسط من ذلك، كحالي أنا ورينيه. صحيح السفر بالنسبة لي أمر سهل، وليس كذلك للمسكين، لكن علي أية حال ما بيني وبين رينيه واضح جدًا ومريح للغاية، فهي تبقيني هنا، وفي نفس الوقت حرًا سعيدًا. وأنا أبقيها سعيدة للغاية. لك أن تسألها متي أردت، فهي لا تتوقف عن التباهي بمدي روعة حياتنا الجنسية أمام أصدقائها من الأجانب، سواء هنا في الإسكندرية أوفي إيطاليا. يمكنني أن أراهن لا، بل أكاد أجزم- أن الشاب خاسر لا محالة. هاهي تدفعه دفعًا ناحية الهولندية الشابة -مشروعها الجديد- التي لن تمكث هنا أكثر من مدة تقديمها لمعرضِهما المشترك، وذلك لن يتعدي ستة أشهر. حركة ذكية للغاية و"كادوه" لطيف، إثر تعاون مثمر بين البلدين، والأحمق سيفني قضيبه علي أمل تسجيل هدف في المرمي الهولندي الشاب خلال الأشهر القادمة بكل إخلاص. تهلل رينية فرحة وتنضم للراقصين -لوتعرف الأجنبيات مدي البلاهة التي تظهرن عليها عندما تحاولن الرقص الشرقي؛ لما أقدمن علي المحاولة أبدًا- لكن الخمور جيدة الليلة، والكل جذاب، لامع ومثير. تندفع هي نحوي بقوة، خلف الأرج الكبير تحاول تقبيلي.. - "تعالي نوحد جهودنا الفنية..". أبتعد، أحاول أن أكون مهذبًا قدر المستطاع، أخبرها أن الشراب قد عبث بعقلها؛ فتضحك وتصهلل الشخاليل النحاسية في أذني، تهمس بغنج: - "يا وسخ". تثيرني طريقتها في نطق الكلمة، أهمس لها: - "اللي بيته من قزاز يا استاذة". تهمس أخري: - "قل لي يا لبوة". أرتبك، وينهي زيزو الوصلة وكأنه يحتضر. يهلل الجميع، وأنزلق من خلف الأرج أختبئ بينهم ولا أنظر ناحيتها. في السرير تلاحظ رينيه شرودي؛ فتحاول مداعبتي. لن تتفهم أبدًا، أحاول أن أشرح لها معني الكلمة بالإيطالية، فلا تترد وتهمس في أذني بها بالإيطالية، أردد الكلمة بالعربية: -" يا وسخ.. يا وسخ". يضيع وقع الكلمة مع نطقها المرتبك، أهمس في أذنها: - "يا لبوة". تلوح في عينيها حيرة ممتزجة بابتسامة، لحظتها يتكشف لي الأمر؛ فأقرر أن أضاجع رينيه بقوة في صحة الأستاذة، بعدها أروح في موجة لذيذة من الضحك حد الصهللة. منذ تلك الليلة، النظرات عبر الغرفة الكبيرة وسط النقر المعهود نتبادلها بتفهم عميق. تفهم يتطاول في روعته الشعور بالامتنان.