ما يتركه الأرق علي جلدي خلف هذا الحائط توجد عائلة سعيدة تصلني قهقهاتهم بالليل وهم يشاهدون مسرحية أتمدد أمامها علي الكنبة والكآبة تُجعّد وجهي يلاعبون أطفالهم فيما أحرق أصابعي في طاسة المكرونة الساخنة لا أفهم ما يقولون لكن سعادتهم تُحرّك ستارة النافذة. ألقي نظرة كل صباح علي شرفتهم المغلقة بإحكام وأنا أسير إلي العمل يحرك الستارة رجل وامرأة يتخفيان من الشمس ويُنَكّتان عن ذلك الغريب الذي لا يجيد الطهي قبل أن تحط الطائرة صوت الطائرات المارقة جوار شرفتي يذكرني بغربتي وبإصلاح الكالون التالف لكنني لا أجيد الكلام أسأل نفسي: ماذا أقول للبائع؟ كيف أشير له إلي ما أريد؟ بعد أيام يصبح الصوت أكثر ألفة مثل صوت قطار كان يمر جوار قريتي فيهزها كأنه يهدهد طفلاً في سريره مثل صوت وابور الطحين الذي يضحك من العامل الغارق في غبار الدقيق مع الوقت أتسلي بالنظر إلي الطائرات القريبة ومقارنة ألوانها المختلفة أحدق في نوافذها البعيدة جيداً علّي ألمح أحداً أعرفه نافذة تطل علي الفراغ خلف هذه النافذة توجد بنايات عالية وأشجار وملاعب أطفال ومساحات شاسعة تخيفني وراء النافذة تمر وجوه لا أعرفها عمال قص الحشائش وتنظيف الزجاج وببغاوات وسراويل لم أرها من قبل علي زجاج النافذة تتكاثف قطرات الندي، يرمق كل منا الآخر يسأل عن ذلك الوجه الجديد الذي يراه لأول مرة ثم لا تلبث أن تذهب وتغرقني الشمس في الأيام التالية أذهب مبكراً لنتعارف أكثر طريق ممتد بين عطارد ونبتون كلما نظرت إلي المرآة أعرف أن أبي صار كهلاً أنني ابن عاق لا أنصت لنكاته ولا أناوله دواء الكحة في جوف الليل لا توجد صورة تجمعني به وهو يضع يده علي كتفي بحنان لدي صورة له وهو نائم والمروحة تدور في الخلف كأنها تبحث عن شيء ما في جيبي صور للموتي الذين أحبهم جدي وجدتي وشخص لا أعرفه مشيت في جنازته بالصدفة ربما يكون أنا. حكاية لتسلية الموتي أرتق المحيط في حوائط منزلي أجلس إلي جوار قطي علي الشرفة أنظر إلي الأزرق الذي يمتد بلا نهاية من يعطيني ألواناً أخري فأضيف قليلاً من الأسود من يمنحني يداً فأنقل المد والجزر من رأسي إلي الماء من يعيرني قلما فأكتب The end القصيدة الخالدة أنسي الأسماء، أسماء المارة والخضروات والشعراء، تماماً كما ينسي القراء اسمي بمجرد عبورهم من أمام قبري ولا يبقي في ذهنهم سوي هذه القصيدة التي أحاول أن أحشر فيها خلودي قدر الإمكان. القصيدة العارية لماذا يحشو الشعراء قصائدهم بالصور والتشبيهات ومحسنات أبي هلال العسكري البديعية لماذا لا يقولون القصيدة عارية كخنجر؟ واضحة كسالومي صامدة أمام الغبار والريح والأمطار دون معطف. تتلقي الثلج بابتسامة كبيرة بجسد يتحول إلي بابا نويل يوزع الهدايا إلي تمثال يحيطه الجليد أنفه محمر من الصقيع عيونه مفتوحة علي اتساعها وابتسامته واضحة.