حين تظهر عشتار تزهر الدنيا ويولد الربيع، و"عشتار" هي إلهة الخصب ورمز البعث ولذا اختارتها الفنانة نازلي مدكور لتكون هي مفتاح عالمها التشكيلي المليء بالورود في معرضها الأخير "عودة عشتار" الذي استضافه جاليري الزمالك للفن، وضم 37 لوحة ميكس ميديا ، أكريليك ، باستيل. والفنانة نازلي من الفنانات المفتونات بالطبيعة، ومنذ بدايتها الفنية كانت الطبيعة والمرأة هما الموضوعان الرئيسان اللذان يشغلان بالها، وقد تحركت أعمالها في هذين الخطين المتوازيين أحيانا والمتداخلين أحيانا أخري كثيرة. فالطبيعة بالنسبة لها هي المعلم الأكبر، وهي مصدر الإلهام بل إنها منبع الصور التي نبصرها وتعيش في مخيلتنا، أما المرأة فليس هناك من هو أقدر علي فهم المرأة ونفسيتها وانفعالاتها وأحاسيسها من امرأة مثلها. ولعل المرأة كانت في الأساطير هي الأرض التي تحتضن البذرة فتحمل داخلها ميلادا جديدا، من هنا خرجت لوحات الفنانة نازلي مستوحاة من الطبيعة ومن العالم الأنثوي وهي تكشف عن حالة ذهنية وعن عالم داخلي يحكمه منطق جمالي وتدعمه صياغات تقنية تفسره. وتقول الفنانة من خلال الفن أقوم بالتواصل والتفاعل مع العالم الخارجي وترجمة ما يعتمل داخلي إلي صورة بصرية مستخدمة في ذلك لغة تشكيلية معاصرة ومستلهمة لتراثنا الثقافي والحضاري الفريد. تتسم أعمال الفنانة نازلي مدكور بالعمق الذي يصل لمرحلة الكشف، فالفن كما تقول هو حملة اكتشاف للذات، وهو ما يتحقق من خلال الطريقة التي تنفذ بها أعمالها ، حيث تقوم بالرسم مباشرة علي القماش أو الورق دون تصميم مسبق، ولا تستبق بالتخطيط لكيفية المضي أو لاتباع مسار محدد للعمل، فيخرج العمل وليد حالة حوار آني بينها وبين المسطح الذي تتعامل معه فيضيف إليها قدر إضافتها إليه وينير مناطق داخلها لتتعرف علي أبعادها الإنسانية الأنثوية الفنية ومكامن نفسها، حيث تقول إنني دائمة البحث والتنقيب عما تكتنزه الخامات من قدرات وإمكانيات لتوليد المعاني واستجلاء الهياكل التحتية والتي يحققها تنوع وثراء الخط والألوان والملامس وما يبعثونه من رسائل حسية. وتضيف الفنانة : أعمالي الحالية نمو طبيعي لتجربة بدأتها منذ خمس سنوات فيما يخص الموضوع ومن حيث التعامل مع الخامات المختلفة، وإن كانت قد اتسمت هذه الأخيرة بقدر أكبر من التركيب والحرية والعفوية. كما تعد هذه المجموعة خطوة جديدة علي طريق التعبير عن خصوصية إدراكي للعالم، وهي من ناحية أخري طرح جمالي أقدمه للإسهام في تنوع وثراء المجال الفني. إن الفنانة نازلي مدكور كما وصفتها الناقدة فينوس فؤاد تجسد خيالاتها الفنية من خلال خامات مادية ملموسة ومعروفة ليمتزجا معاً ويكونا واقعاً جديداً يحمل المتلقي في عالم مملوء بالجمال والعذوبة والشفافية المطلقة التي تحلق في حالة من اللاشعور التي يمتزج فيها الواقع بالخيال، والمسطح بالمجسم، والحقيقي بالمجرد. فينتج من هذا المزيج حالة من التفاعل بين المتلقي والعمل الفني لينتج عالماً جديداً مختلفاً تمتزج فيه تجربة الفنان بتجربة المتلقي وقفت كثيرا أمام إحدي اللوحات خيل لي أنها راقص مولوي .. خيل لي أن الزهور تدور في فلكها لتجذبني إلي عالمها ، فسألتها إن كان ذلك مقصودا، فابتسمت وأخبرتني إن كثيرا من أعمالها تعكس حالة صوفية وتميل للتجرد ، وهو ما يمنح المشاهد إحساسا ما يوازي رؤيته الداخلية.