حينما لاحظ والدي يرحمه الله ميلي الشديد تجاه القراءة فاجأني ذات ظهيرة وهو عائد من عمله، كان موظفا حكوميا، بأن أعطاني الكتاب الذي يحمله معه، وكان رواية: شيء في صدري.لإحسان عبد القدوس، وكارنيه لاستعارة الكتب من مكتبة قصر ثقافة أسوان، في ذلك الوقت كنت طالبا في نهاية المرحلة الإعدادية، بالطبع لم أتمالك نفسي من الفرح والنشوة من قراءة الكتاب والإسراع لاستبداله، وهناك كانت مفاجأة أكثر قسوة في انتظاري. من قبل كانت مكتبة المدرستين الابتدائية والإعداية مكونة من دولاب او اثنين علي الأكثر، رصت بها الكتب فوق بعضها وكيفما اتفق، وغالبا ما تكون مغلقة طوال الوقت، وتكاد يكون من المحرمات الاقتراب منها، عندما دخلت المكتبة لأرد رواية إحسان واستعير غيرها، تجمدت بعد خطوة واحدة من دخولي، إذ هالني عدد الدواليب والأرفف والكتب المطلة منها، مغارة علي بابا تفتح كنزها، ولا تعرف من أين تبدأ، في لحظة تغمرك الرغبة بأنك تود قراءة كل هذه الكتب، أن لا تخرج من المكتبة، فتي صغير وقد رأي الكنز قريب المنال لكن لا يدرك نحواي رف يتحرك، وبالفعل كانت المكتبة عظيمة، أنشئت في أواخر الخمسينيات مع قصر الثقافة، وارثة للمكتبة الشعبية القديمة، ومزودة بالكتب التي كانت رائجة زمن الستينيات وما تلاها، كتب التراث والتاريخ والشعر والمسرح والفلسفة حتي فنون الزراعة والموسيقي والطهي. سأتعرف علي عدد من المكتبات بعد ذلك، مكتبة التربية والتعليم، ومكتبة كلية التربية، ومكتبة الشبان المسلمين، وبعض المكتبات الصغيرة الأخري، لكنها ستظل مكتبة الثقافة هي الأعظم بما تحويه من كنوز معرفية ومجلدات نادرة، من بين تلك الكنوز نسخة قديمة لألف ليلة وليلة مزودة بالصور والرسومات، والتي ستختفي عقب الهجمة الأولي علي الكتاب العظيم في اواسط الثمانينيات، أعمال ديستوفسكي وموبي ديك والموسوعات العلمية والتاريخية ورسالة الغفران وعلي هوامشها كتب العقاد تعليقاته. سيتبدل الحال في السنوات القادمة وتختفي المكتبات ودون انشاء مكتبات جديدة وأيضا دون تزويد المكتبات القائمة بالجديد من الإصدارات، أيضا عدم الإقبال من القراء علي الذهاب للمكتبات وهو أمر مؤسف، مثلا أنشأ صندوق التنمية عددا من المكتبات الصغيرة وفي العديد من المناطق داخل المحافظة، لكن ستأسف عندما تري الأتربة تعلوالكتب وتغطي مناضد القراءة، مع أن هذه المكتبات مزودة بكافة الأصدارات الحديثة والعالمية. أيضا ما يغيب في انشاء المكتبات هو انشاء المكتبة المتكاملة، التي تحوي بجوار قاعات الكتب، قاعات للإستماع والرؤية وقاعات للمحضرات والندوات، وهو ماتفتقده المكتبات خارج العاصمة، وحال أخر هو أن تتوقف أعمال الجرد أثناء الموسم الصيفي المرتبط بالسنة المالية حتي يتثني للرواد أثناء الأجازت من استعارة الكتب والاطلاع عليها.