»الاستقالة مازالت في جيبي«.. بهذه العبارة فاجأني الدكتور عبدالواحد النبوي رئيس الادارة المركزية لدار الوثائق القومية، وردا علي سؤالي: هل بالفعل تقدم باستقالته لوزير الثقافة أم لا. وعندما طلبت منه استفسارا لهذه العبارة أجاب بأنها هي العبارة الملائمة لهذه الفترة، وأضاف: أن لديه الكثير من المشروعات التي يأمل تحقيقها في المرحلة المقبلة، إدراكا منه للدور المهم لدار الوثائق. عدت ثانية لأسأله، هل الاستقالة موجهة لخلافات مع الوزير أم مع رئيسك المباشر د. عبدالناصر حسن، صمت ولم يجب، (إلا أنني شعرت بوجود تباين كبير في الرؤي الخاصة بسياسة ادارة الهيئة بينه وبين د. عبدالناصر). من هنا عدت وسألته ماذا تقصد بالكثير الذي تأمل تحقيقه؟ أجاب: هذه المرحلة المهمة من تاريخ الوطن لاتستدعي ترك المكان وسط هذه العواصف، وعدم الاستقرار خاصة وأن هناك مشاريع كثيرة تحتاج إلي أن تنتهي مثل تشغيل المبني الجديد لدار الوثائق بمدينة الفسطاط، فصل دار الوثائق عن دار الكتب، وهو قرار له الأولوية في تلك المرحلة، اصدار القانون الجديد للوثائق القومية الذي يعطي للدار صلاحيات كثيرة للمحافظة علي وثائق مصر، فضلا عن استلام خمسة آلاف متر مربع بقرار من محافظة القاهرة لبناء المبني الثالث بميزانية مخصصة لذلك، ونحن بصدد تنفيذ خطط مستقبلية واضحة الملامح، فيما يجب أن نفعله حتي عام 2030، أنا لم آتِ إلي هذا المكان لأحتسي القهوة، وأحكي حواديت عن تاريخي الوظيفي. جاء في كلامك أن فصل الدار عن دار الكتب ضمن أولويات المرحلة الحالية، معني هذا أن استقلال دار الوثائق قد آن أوانه. لقد آن أوان لاستقلال دار الوثائق كما نشأت في عام 195، عندما كانت مستقلة، وكان يجب أن تسير في استقلالها حتي وقتنا الحالي، ولكن البعض قلل من أهميتها، ولم يدرك دورها، فدمجها في دار الكتب ثم دمجهما معا في الهيئة العامة للكتاب عام 1971، ثم استقلت دار الكتب والوثائق في عام 1993، والغريب أنه، عندما تم اعداد قرار فصل دار الكتب والوثائق عن هيئة الكتاب في عام 1993، كان هناك مشروع قرار بفصل دار الوثائق كهيئة مستقلة، ولكن تدخل من تدخل، وأبقي دار الوثائق تعاني من تبعية مالية وادارية لدار الكتب ترتب عليها ضعف أداء الدار لدورها، وضياع الكثير من الوثائق في المؤسسات الحكومية، وثائق الكثير من الوزارات في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، الكثير منها قد تم التخلص منه، وأتحدي أن تعلن أي وزارة من الوزارات أن لديها هذه الوثائق كاملة، كما لدينا مرارة في الحلق من تعامل الكثير من الوزارات تجاه هذه الأوراق. ذكرت كلمة التبعية، وأنا اعتبرتها تبعية ضارة ماذا يعني استقلال دار الوثائق لك كمسئول؟ المادة 68 من الدستور تلزم، والالزام يترتب عليه عقوبة، فهي تلزم جميع مؤسسات الدولة بايداع أوراقها التي انتهي عليها العمل بدار الوثائق، وهذه الوثائق أقصي مدة عمل لها 15 سنة، أي أن جميع الأوراق الموجودة في أكثر من ثمانية آلاف جهة ادارية يجب أن تدخل دار الوثائق العقبة الآن لتبعية دار الوثائق، تلزمنا في مخاطبة جهات الدولة، أنه يجب مخاطبة رئيس مجلس الادارة، ثم مخاطبة الوزير، ثم مخاطبة مجلس الوزراء، وبالتالي عندما تتحرك هذه المطالب يكون قد ضاع ما ضاع! وأكد أن الاستقلالية تعني للدار سرعة الحركة في الحفاظ علي أوراق الدولة في مؤسساتها المختلفة، الاستقلالية تعطي لدار الوثائق استقلالية مالية حتي توفر الامكانات اللازمة لحفظ ما لديها من وثائق الدولة، كما نص عليها الدستور، لأن نص المادة يلزم الدار بالحفاظ علي الأوراق ورقمنتها وترميمها، مشيرا إلي عدم وجود أماكن في العالم تجمع بين المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني إلا في مصر ودول معدودة علي أصابع اليد، لاتمتلك من الكنوز التي وهبها الله لمصر. أمر آخر أن انفراد دار الوثائق بوضع القواعد اللازمة للمحافظة علي الوثائق وإتاحتها سوف يثري الحركة العلمية ويوفر مصادر معلومات جديدة، وهي التي تمثل قوي ناعمة لمصر. ومؤكداً أن استقلال دار الوثائق سوف يجعلها تنشئ فروعاً لها في الأقاليم بما يحافظ علي أوراق الإدارات المحلية التي لا نعلم منها شيئاً في محافظات مصر المختلفة، وذات الخصوصية المختلفة، كما أن هذه الفروع تعطي فرصاً للاطلاع وبالتالي تشكل نافذة إشعاع علمي علي مستوي المحافظة التي بها. مشيراً إلي أن الاستقلال يعطي لدار الوثائق التحرك بقوة نحو تحديث أنظمتها طبقاً للقواعد العالمية، وتدريب الكوادر، واستقطاب كوادر جديدة تكون مؤهلة للعمل في الجهات الحكومية، وأيضاً في الدول الصديقة التي تحتاج لمثل هذه الخبرات. الأهم من ذلك- من وجهة نظر د. النبوي- أن دار الوثائق تكون بمثابة بيت خبرة يقدم خبراته المتراكمة لأقسام الوثائق والمعلومات بالجامعات المصرية، والجهات الخارجية التي تحتاج إلي دعم في مجال الوثائق. اعلم أنك مدير الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، ألا يعطيك هذا المنصب الحق في استقلالية القرار بما يحفظ للدار القيام بدورها، وتجنبها أية عراقيل تقف أمام تطورها؟ طبقاً لبطاقة الوصف العام لهذه الوظيفة المعتمدة من الجهات الحكومية المختصة، أن هذه الوظيفة علي رأس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وتختص بالإشراف علي جميع أعمال دار الكتب والوثائق القومية ومن يشغلها يشرف علي جميع العاملين، ويشرف علي تنفيذ السياسات العامة للهيئة، ومتابعة إنجاز خطط الهيئة وتطوير النظم الخاصة بها، وبالتالي هي تعطينا صلاحيات كبيرة في الإجراءات الإدارية دون المالية ومن يشغل هذه الوظيفة يقع تحت التوجيه العام لرئيس مجلس الإدارة الذي هو معني بالدرجة الأولي بتسهيل جميع الإجراءات للقيام بدورنا في هذا الوطن. ما سبب تأجيل افتتاح دار الوثائق بمدينة الفسطاط، خاصة أنه قد تم تحديد موعد لافتتاحها؟ دار الوثائق مؤسسة مهمة، ولا يجب عندما نتحدث عن مبني بهذه الأهمية الكبيرة، أن يتم افتتاحه بشكل متعجل ولا يتوافر له الاهتمام الواجب، مثل توفير ما يحتاجه، والشخصية التي تقوم بتدشينه، والظروف التاريخ الذي يجب أن يتم فيه الافتتاح، خاصة أن هذا الافتتاح سوف يأتي مع ذكري مرور ستين عاماً علي إنشاء دار الوثائق القومية، التي تأسست في 24 يونيو 1954، فحق هذه المؤسسة علينا أن نبذل من الجهد والترتيب والإعداد بما يتناسب مع قدرها لهذا الوطن ومهمتها الجليلة، ومن هنا فنحن من منطلق ما يتناسب مع قدرها تتحرك إدارة الدار ولديها خطط طموحة في السنوات القادمة تحتاج إلي تكاتف الجميع ومساندتها الكاملة في إنجازها. ويحمل د. عبدالواحد النبوي، جزءاً كبيراً من طموحاته كمسئول علي عاتق الدولة المصرية، من رأسها الأكبر إلي وزيرها، وهو يعني هنا إنجاز المبني الثالث للدار بجوار المبني الجديد المنتظر افتتاحه قريباً، مشيراً إلي أننا نتوقع هذه الأيام القادمة أن نجد دعماً لا محدوداً في مجالات العمل في دار الوثائق، مؤكداً أن التاريخ لن يرحم مَن سوف يقصر في هذه الأمانة، والأجيال القادمة سوف تحاسبني ازاء ما فعلناه تجاه هذه المؤسسة، إننا في مرحلة ترفض الضعف أو التهاون أو الفشل، وإذا أصابنا شيء من ذلك فعلينا أن نرحل لنتركها لمن هو قادر علي إدارتها وتحقيق ما تحتاجه.