أشياء كثيرة في هذا العالم، تظن أن استمرارها أمر مفروغ منه، أناس كثيرون تظن أنك ستلقاهم غدًا من جديد؛ لذا عندما تتركهم أو تولي وجهك عنهم بشكل مؤقت، يكون قلبك ممتليء بأمل لقائهم مرة أخري، وأحيانًا قد لا يكون شعورك بهذا الأمل موجود من الأصل؛ لأنك تظن أن الأيام تمر واحدة تلو الأخري، وبالطبع تظنها أيضًا متشابهة، لا يوجد ثمة اختلاف بين الأمس، اليوم، والغد. لكن ربما ذات مرة، في اللحظة التي تترك أو تولي وجهك فيها عن هذه الأشياء، تتغير الأمور كليًا. تغرب الشمس، ولكن قبل أن تعتلي السماء من جديد، يفارقك بعض الأشخاص منذ هذه اللحظة، وإلي الأبد. تمامًا مثلما حدث في ظهر ذلك اليوم، عندما لوحت بيدي وأنا خارجة من هذا الباب الأحمر الصغير. خلف الباب الأحمر الصغير فناء، وخلف الفناء نافذة خضراء صغيرة. عندما مشيت، فُتحت تلك النافذة؛ كانت نافذة حجرة جدتي، كانت تبكي وهي جالسة علي سريرها المواجه للنافذة، المقابلة للفناء، المقابل للباب الصغير؛ لأن حفيدتها الغالية التي لم يتعدي عمرها 12 عاما، هي التي خرجت من الباب، بل ومن حدود الوطن برمته؛ للدراسة خارج البلاد، مثل غيرها من الطلاب. لم أكن أعرف ما الذي كان يجول في خاطر جدتي حينذاك، ولكنني أتذكر فقط، أنني عندما خرجت من من الباب الأحمر الصغير، فُتحت تلك النافذة، ورأيت وجه جدتي مبلل بالدموع المنهمرة مثل شلال لا يتوقف. كانت هذه هي المرة الأولي التي أري فيها جدتي متأثرة بهذا الشكل، لم يخل قلبي من الحزن حينها أيضًا؛ وذلك علي عكس ما كنا نبديه قبل لحظة الوداع، فكنا نرسم البسمة علي خلاف ما تشعر به قلوبنا، ولكن عندما حان وقت الفراق، انهارت جدتي، وذابت كل القوة التي كانت تظهرها في الأيام العادية. اعترف بخجل أن قلبي امتلأ حينها بلوعة الفراق، ولكن كانت حماسة السفر هي المسيطرة. لهذا السبب لم تسل دموعي بغزارة، مثل جدتي. قبل أن أمر من الباب الأحمر الصغير، لوحت بيدي تجاه النافذة وأنا ابتسم. علي الرغم من أن عيناي امتلأت بالدموع وأنا أغادر المكان، إلا أنني بمجرد أن صعدت إلي الحافلة وتحركت، أخذت نفسا عميقا، وإكتظت رأسي بأفكار أخري؛ كنت أفكر أنني سوف أعود قريبًا، وسألتقي بها مرة أخري علي أي حال. لم تبكي جدتي طويلاً، فمر صيف وتلاه آخر، ثم رحلت. لم تخبرني عائلتي بنبأ رحيلها. في بداية شهر ديسمبر، وبعد مرور شهر تقريبًا علي رحيلها ، ذهبت إلي المدرسة ذات يوم من أيام نهاية الاسبوع، في وقت الظهيرة. وصلت يومها مبكرًا عن المعتاد، لم يكن باقي الطلاب قد وصلوا بعد، جلست وتصفحت الجرائد الصينية التي كانت موجودة علي الطاولة. لمحت اسم جدتي الذي كان مكتوبًا في ملحق الجريدة الثانية، لأول وهلة ظننت أنه عرض لانجازاتها، ولكن عندما دققت القراءة، وجدت أنه مكتوب: يتقدم الأستاذ شي بينغ لين بخالص التعازي إلي الأستاذ له تچينغ تاو في فقيدته الغالية باو جوانغ ليان . في تلك اللحظة خالجني شعور واحد، وهو تجمد أوصالي بشكل مفاجيء. استوعبت سبب تأثر جدتي الشديد حينذاك. أكانت متوقعة أنه بمجرد أن يُغلق ذلك الباب الأحمر الصغير، سيحين وقت الفراق الأبدي؟. لكن هذه المرة كان الدور علي أن أبكي بحرقة وندم في مساء بلد غريب عن بلدي.