النيابة العامة تشارك في دورة تدريبية حول مكافحة العنف الإلكتروني ضد الفتيات    300 مليون جنيه لاستكمال مشروع إحلال وتجديد مساكن المغتربين في نصر النوبة بأسوان    تضامن أسيوط تشارك في مشروع تعليمي نوعي    محافظ الوادي الجديد يتابع أعمال إنشاء المبنى الخدمي لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة    ڤاليو وموبايل مصر يطلقان خدمة الشراء الآن والدفع لاحقا للهواتف المستعملة    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات الخميس    أسعار الفاكهة في أسواق الدقهلية اليوم الخميس 18سبتمبر 2025    السيسي يوافق على اتفاق لإنشاء مركز تحكم إقليمي بالإسكندرية وبروتوكول تجنب ازدواج ضريبي    بدر عبد العاطي يبحث مع وزير الصناعة السعودي زيادات استثمارات المملكة بمصر    تقارير بريطانية: لندن تستعد للاعتراف بدولة فلسطين عقب زيارة ترامب    80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين من الهلال الأحمر المصري عبر قافلة زاد العزة ال40    بعد افتتاح سفارتها في القدس.. فيجي الدولة الجزرية الصغيرة التي أثارت جدلًا دوليًا    بدء إضرابات واسعة ضد خطط التقشف في فرنسا    الهلال الأحمر الفلسطيني: الوضع الصحي في غزة كارثي والمستشفيات عاجزة عن الاستيعاب    الخطيب ألف شكر.. كواليس انسحاب بيبو المفاجئ من المشهد الرياضي.. محاولات أخيرة لإبطال مفعول القنبلة.. لجنة الحكماء تجهز رئيس الأهلي.. ياسين منصور يتصدر المشهد.. وعمومية الأهلي تحسم الجدل غدا    كلاسيكو الهلال والأهلي يتصدر الجولة الثالثة من الدوري السعودي    ميدو: مواجهة الزمالك والإسماعيلي فقدت بريقها.. وأتمنى عودة الدراويش    محاضرة فنية من فيريرا للاعبي الزمالك قبل مواجهة الدراويش    شبانة: وكيل إمام عاشور تخطى حدوده    الداخلية تكشف حقيقة فيديو ترويج المخدرات بالقليوبية وتضبط المتورطين    10 ورش تدريبية وماستر كلاس بالدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ لمسرح الشباب    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    فى حوار له مع باريس ريفيو فلاديمير سوروكين: نغمة الصفحة الأولى مفتتح سيمفونية    معا من أجل فلسطين.. حفل خيري بريطاني يهدم جدار الخوف من إعلان التضامن مع غزة    الوادي الجديد تحذر: لا تتعاملوا مع وسطاء لتخصيص الأراضي    جامعة بنها الأهلية تشارك في مؤتمر "الجامعات الرقمية في العالم العربي 2025" بمسقط    "الرحلة انتهت".. إقالة جديدة في الدوري المصري    وزير الدفاع الصيني يجدد تهديداته بالاستيلاء على تايوان لدى افتتاحه منتدى أمنيا    "ملكة جمال".. سيرين عبدالنور تخطف الأنظار في جلسة تصوير جديدة    آثار تحت قصر ثقافة ومستوصف.. سر اللقية المستخبية فى الأقصر وقنا -فيديو وصور    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    "الطفولة والأمومة" يطلق حملة "واعي وغالي" لحماية الأطفال من العنف    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    النقل تناشد المواطنين الالتزام بقواعد عبور المزلقانات حفاظًا على الأرواح    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    جولة مفاجئة لنائب الوزير.. استبعاد مدير مناوب بمستشفى قطور المركزي    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    الصحة تشارك في مؤتمر إيجي هيلث لدعم الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع الصحي    "الألفي": الزيادة السكانية تمثل تحديًا رئيسيًا يؤثر على جودة الخدمات    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    الأمن يضبط شبكة بث فضائى غير قانونية تبث قنوات مشفرة فى الزقازيق    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»سقوط الصمت«أرشيف الثورة!

تثير رواية "سقوط الصمت" تساؤلات عديدة تتعلق بشكل رئيسي بمسألة التصنيف والنوع؛ فهل تنتمي هذه الرواية إلي جنس الرواية التاريخية، أم تنتمي لجنس الرواية السياسية، أم تنتمي لجنس الرواية الذي يتحدث عن الثورات ويؤرخ لها، أو إذا استخدمنا كلمة جديدة علي النوع الروائي، وربما مباغتة له، يؤرشف لها؟. إضافة إلي ذلك، فإن الرواية تثير أيضا تساؤلات أخري تتعلق بموضوعها والزخم المرتبط بها والفترة الزمنية الفاصلة بين الحدث وبين فعل الكتابة والإبداع. فهل يحق للكاتب الروائي المبدع أن يشتبك مع الحدث التاريخي وهو لم يبرد أو يهدأ أو تتضح صورته بعد؟ وهل يجب أن ينبري هو أو غيره من المبدعين الآخرين بالإنجذاب لفعل الغواية الإبداعي في ظل وعي مُضبب تجاه الأحداث التاريخية؟ وهل هناك ثمة فترات زمنية لازمة تحدد للمبدع متي يبدأ الكتابة ومتي يمتنع؟
الواقع أن رواية "سقوط الصمت" واجهت كل هذه المخاطر المتعلقة بحدث الثورة، وقدمت عملا متماسكا بدرجة كبيرة. صحيح أننا لا نجد ذلك العمق الروائي الذي قد نجده في بعض الروايات التاريخية التي يكون الحدث فيها متواريا من أجل التعمق في المجتمع وطبائع الشعوب، لكننا لا نعدم عمقا من نوع آخر يرتبط بتقديم نماذج بشرية عديدة ومتنوعة ارتبطت بأحداث الثورة والتحولات التي ارتبطت بها.
تبدو الرواية مترامية الأطراف ومُرهقة بالقياس للملمة هذا الكم من الشخصيات. فتقريبا، لا يوجد نموذج واحد شاهدناه ميدان التحرير إلا وموجود في الرواية، من خلال "الراوي العليم" بكل شيء. ورغم ذلك التنوع اللافت للنظر، والذي يبدو في بعض الأحيان مُربكا، وربما مُسطحا، فإن الرواية وجدت مادة لُحمتها القوية التي تربط هذا الكم الهائل من الشخوص والفصول العديدة من شخصية الثوري النقي حسن عبدالرافع. لقد مثل استشهاد حسن عبدالرافع الناظم الرئيسي لكافة الشخصيات؛ فما من شخصية في الرواية إلا والتفت حوله، أو جالسته في الميدان، أو سمعت عنه وله، أو شاهدته في القنوات الفضائية، أو صافحته، أو صاحبته، أو تمنت رؤيته، أو حتي شهرّت به وتوعدته، أو خانته، أو ساهمت في قتله. ورغم ذلك فلم تُفرط الرواية في خلق البطل الأسطوري الذي تخلقه بعض الروايات، البطل المثال المنشود، لكنها تعاملت معه كنموذج مثل الكثيرين من المصريين الشرفاء من الفقراء والمعدمين والأغنياء والمتعلمين والأميين والشيوخ والقساوسة والمفكرين والمثقفين والمبدعين ورجال الأمن والجيش. الكل يقترب أو يبتعد من حسن عبد الرافع حسب ظروف الحدث وامتلاء الميدان وفراغه، لكن اللافت للنظر هنا، أنه في الوقت الذي يتعلمون فيه من حسن عبدالرافع، فإنه يتعلم من الكثير منهم، من ثوار السويس واليساريين والليبراليين ورجال الدين المخلصين الأوفياء. هذا البناء المعماري الممتد من بدايات الرواية حتي آخرها لتلك الشخصية تم من خلال تناول الشخصيات الأخري العديدة المتفقة معه أو المخالفة له.
والسؤال الذي يفرض نفسه قبل قراءة رواية "سقوط الصمت" يتعلق بقدرة الروائي علي وضع المسافة اللائقة بين ما يكتب وبين الأحداث التي يتعرض لها ويتناولها والشخصيات التي يشيدها، خصوصا في ظل تناول أحداث غير مكتملة، وفي ظل غياب كبير لمنظومة المعارف المرتبطة بها. فنحن نعرف الروائي المفكر، عالم الاجتماع السياسي، صاحب الرؤي التي قد تجتذبها أدران السياسة ومساوئها، فيبدو، في بعض الأحيان، خطيا واحديا مثله مثل أي مفكر آخر تتقاذفه أهواء السياسة وتنحرف به في أحيان كثيرة عن مسارات الرؤية متعددة الأبعاد، الأكثر عمقا وشمولا. لكن أمام الأدب والحديث باسمه فإن الأمر يختلف بشكل كبير، فالأدب مُطالب بأن يمنحنا إمكانية الاختيار، وألا يصادر قُدراتنا علي الحكم بين الأمور والشخصيات المختلفة. هذا ما يتسم به الأدب الحقيقي حينما يأخذنا بعيدا عن غواية السياسة والأدران المرتبطة بها والصراعات النامية في أحضانها. وهذا ما استطاعت الرواية الراهنة القيام به في ظل جذوة الأحداث الماثلة والأهواء والتلاطمات المرتبطة بها، رغم هيمنة وعي الراوي العليم هنا علي وعي الشخصيات المشيدة. فكيف نجحت الرواية في ذلك؟ وهل نجحت في ذلك بشكل كبير أم إن إغواءات السياسة وهيمنة الأيديولوجيات قد تسللت إليها بوعي أو بغير وعي؟
وعموما يمكن القول أن الحديث عن ثورة الخامس والعشرين من يناير هو حديث بشكل واضح عن مصر، وعن شكل التجريف الذي حدث بها خلال العقود الثلاثة الماضية من خلال حكم مبارك وأعوانه. وفي ضوء ذلك تبدو طبيعة التناول الآني المطالب بتقديم عمل روائي يلملم هذا الكم الهائل من الشخصيات المرتبطة بالحدث، حتي لا ينجذب لطرف علي حساب آخر، وحتي لا تبدو الرواية في النهاية مانيفستو أيديولوجي زاعق ومنفر. يأتي ذلك في ظل إحساس قابض علي النفس بتلاشي الزخم المرتبط بالثورة إن لم يكن الإحساس بالعودة لما قبل الثورة، إحساس ضاغط بالهزيمة التي مثلها نجاح الدولة العميقة في التشهير بالثورة والثوار، وفي قتل حسن عبدالرافع أيقونة الميدان. فهل استطاعت الرواية الفرار من قهر التحزبات السياسية؟ وهل استطاعت أن تشتبك مع الميدان وتنقل شخصياته بشكل مبدع أولا ومن خلال الوعي التام بمداركهم العقلية والسياسية ثانيا؟
يمكن القول هنا بأن الرواية نجحت إلي حد كبير في أن تنقل لنا صورة مصر من خلال ما يحدث في ميدان التحرير الذي تصدر المشهد من خلال أمرين علي قدر كبير من الأهمية: أولهما الكعكة الحجرية التي مثلت واحة الأمن والأمان للثوار، ومن خلال تمثال عمر مكرم الذي مثل واحة الشكوي والتفاؤل والإحباط. ومن خلال هذا الميدان، استطاعت الرواية تشكيل عشرات الشخصيات المحبة للثورة والمضادة لها في آن، فقد كان الهم الأثير للرواية أن ترصد أكبر عدد ممكن من المتظاهرين المرتبطين بالثورة إن إيجابا أو سلبا، إلي الحد الذي يمكن معه القول أن الهاجس الرئيسي للراوي العليم، تمثل في تلك الرغبة الدفينة في ألا ينسي أي شخصية، من خلال إحساس طاغ بأن النسيان هنا يعني غياب طرف ما من أطراف الثورة، بما يعني غياب صدق المؤرخ وغلبة السياسي. لذلك، ففي أحيان كثيرة كنا نجد إخوانياً منشقا، وإخوانيا أفاقا، ومستشارا محترما، وآخر تابعا للسلطات، ورجل شرطة عنيفاً، وآخر يحترم القانون، وعاهرة تضحك علي الجميع، لكنها تجد شرفها المستباح وسط الميدان. الصورة هنا طبيعية ترتبط بالإنسان والأهواء المرتبطة به، وهذا هو الجانب الآخر المرتبط بشخصية حسن عبدالرافع والذي يمثل قاسما مشتركا بين شخوص الرواية ألا وهو الطابع الإنساني لشخوصها. فما من شخصية هنا سواء أحببتها أو كرهتها، سواء وجدتها مناصرة للثورة أو مضادة لها، إلا ولها أبعادها الإنسانية المختلفة. وهنا تبدو جماليات العمل الإبداعي، أنه لا يدين شخصياته بقدر ما يقدمها هكذا من خلال ضعفها وقوتها، صدقها وخيانتها، سعادتها وأحزانها، والباقي متروك للقارئ إما أن يقبلها أو يرفضها أو يجد لها التبريرات المختلفة التي تتناسب وتوجهاته الأيديولوجية.
ورغم ذلك، فإن الشخصية الرئيسية في الرواية المرتبطة بالثورة المشاركة فيها والحالمة بمجتمع أفضل مثل حسن عبدالرافع، يحزنها، مثلما يحزننا، هذا الكم الكبير من الطعنات الموجهة لها، وقدرات الدولة العميقة والمدافعين عنها في مواجهة الثورة وإضعافها والتشهير بها. فماذا عليه أن يفعل وهو قد مات واغتالته يد الشر الآثمة التي تركتها الرواية مجهولة غير محددة؟ وماذا عليه أن يفعل في ظل الإنكسارات التي حاقت بالثوار؟ وماذا عليه أن يفعل هنا أو تفعل الرواية من خلاله وهو أيقونة الثورة، ومرتكز الرواية؟ هنا يبدو تجسير الفجوة بين وعي الراوي وبين وعي شخوصه نوعا من الحلم أو التبكير به أو نوعا من التجميل للواقع بما لا يتفق مع طبائع الأمور، ذلك النوع الذي يضفي علي الكثير من شخصيات العمل ما لا يمكنهم التفكير فيه أو حتي الإحساس به ناهيك عن ممارسته. الواقع أن الراوي المهيمن هنا فرض وعيه الخاص، وعي المفكر وعالم السياسة، علي شخصيات هي من الضعف والاهتراء بما يجعلها أقرب لشخصية الشاب المتحرش أو شخصية البلطجي. وهي شخصيات لم ترتم من تلقاء نفسها في أحضان التحرش أو البلطجة لكنها شخصيات صنعتها قوي الأمن والمتنفذين من رجال الأعمال من أجل تشويه الثورة والنيل منها. يحق للراوي المهيمن فرض درجات وعي معينة علي شخوصه، فالأدب في النهاية نافذة لمواجهة العالم، وحتي حينما يتشاءم العقل، فإن إرادة الرواية تدفعنا للغد والمستقبل، لكن الخطورة هنا أن يصبح هذا الوعي وعيا افتراضيا لا يصب في مصلحة الفهم الواعي العميق لواقع الثورة والثوار والمصريين البسطاء الذين نتحدث باسمهم وعنهم ولهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.