انطلقت في السابع عشر من شهر يناير فاعليات الدورة السابعة من مهرجان جايبور الأدبي بمشاركة أكثر من 240 كاتبا من جميع أنحاء العالم، والعديد من القائمين علي صناعة النشر والمهتمين بالأدب، والذين تدفقوا إلي قصر ديجي التاريخي بولاية رجستان لحضور فاعليات المهرجان الممتدة علي مدار خمسة أيام تضمنت ما يقرب من 175 ندوة تنوعت بين الحلقات النقاشية والمحاورات، وجلسات قراءة الكتب، بحيث كان علي زوار المهرجان الاختيار من بين خمسة ندوات تدور معا في خمسة أماكن مختلفة علي مدار اليوم . وكان الاقتصادي الهندي الشهير الحائز علي جائزة نوبل أمارتيا سن قد ألقي الكلمة الافتتاحية تحت عنوان " أمنية يومية لمدة أسبوع"، واستطاع سن أن يجذب الحضور بأسلوبه الرائع الذي اقترب كثيرا من الكتابة الأدبية، حيث تدفقت الجماهير إلي الخيمة التي لم يكن بها موضع لقدم. وخلال كلمته تحدث سن عن أمنياته لدولة الهند علي عدة أصعدة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطرح وجهة نظره في العديد من القضايا من خلال حوار تخيلي مع إحدي الشخصيات الخيالية والتي أطلق عليها "إلهة الأشياء المتوسطة"، حيث تناول عدة نقاط كان من بينها الاهتمام بالتعليم الكلاسيكي في فروع الأدب والموسيقي واللغات، وأهمية أن يعكس الإعلام احتياجات الطبقات الأكثر فقرا، وأهمية اعطاء القطاعات المرتبطة بالفقراء مزيدا من الدعم، وتوفير تعليم جيد للأطفال ورعاية صحية للجميع . كما شارك سن في ندوة تحت عنوان "الحريات والخيارات"، ناقش من خلالها الخيارات الاجتماعية، والعملية الديمقراطية وتبعياتها وحقوق الإنسان، وقد حاوره جون ماكينسون رئيس مجلس إدارة دار نشر بنجوين راندوم هاوس. ويعد مهرجان جايبور الأدبي أضخم المهرجانات التي تقام في آسيا ودول المحيط الهادئ. ويقدم المهرجان وجبة ثقافية وفكرية دسمة، فلا يتوقف المهرجان عند الأدباء وكتاب القصة والروائيين والشعراء، بل يتسع ليشمل الكثير من المجالات المختلفة كالتاريخ والسياسة وعلم الاجتماع والانثربولوجي، وقد طرح مهرجان هذا العام مجموعة من المحاور المتميزة، حيث تعلق الكاتبة الهندية ناميتا جوكالي - التي قامت بتأسيس المهرجان بالتعاون مع الكاتب البريطاني ويليام دالريمبل - قائلة: يركز مهرجان هذا العام علي قضية الحفاظ علي اللغات وبقائها لا سيما اللغات المهددة بالاندثار، مع إلقاء الضوء علي التنوع اللغوي للهند، كما يطرح المهرجان محور "الجريمة والعقاب" في الأعمال الأدبية، وغيرها من الموضوعات المختلفة الأخري . ويري دالريمبل أن المهرجان يطرح موضوعات وقضايا متنوعة للغاية في عدة مجالات والتي تمتد لتشمل موضوعات مثل الانقلاب العسكري في الأرجنتين، والثقوب السوداء، وكيفية كتابة سيناريو، بل ويطرح للمناقشة موضوعات مثل نقاد الأدب في فترة ما بعد الاستعمار، وتجارة التوابل وفن كتابة رواية عن الكريكت وغيرها . وقد شارك في مهرجان هذا العام أيضا العالم الأمريكي هارولد إليوت فارموس الحاصل علي جائزة نوبل في الطب سنة 1989 كما شارك عدد كبير من الأدباء والمفكرين وكان من بينهم مجموعة من أشهر الروائيين ومنهم جومبا لاهيري الكاتبة الأمريكية ذات الأصول الهندية التي فازت بجائزة بوليتزر للأدب في عام 2000 عن مجموعتها القصصية "ترجمان الأوجاع" التي ركزت من خلالها علي حياة مجوعة من الهنود المغتربين ، كما وصلت روايتها " الأرض المنخفضة " للجائزة القصيرة للبوكر عام 2013 ، وكذلك الروائي جيم كريس الذي وصلت كذلك روايته "الحصاد" للجائزة القصيرة للبوكر بنفس العام، وكذلك الروائي الأمريكي جونثان فرانزين الذي يوصف بأنه من بين أهم الروائيين المعاصرين، والذي أصدر مجموعة من الروايات "التصحيحات" و"حرية" والتي تصنف ضمن أكثر الروايات قراءة. كما احتفي مهرجان هذا العام بالكتاب المتخصصين مجال العلوم والرياضيات، والتكنولوجيا، وكذلك المؤرخون ومنهم المؤرخ البريطاني أنتوني بيفور، الذي تناولت كتبه موضوع الحرب العالمية الثانية، والتي حققت كتبه الخمسة مبيعات تتجاوز من 4 مليون نسخة، وريزا أصلان الكاتب والبتحث الإيراني الأمريكي ، وكذلك مؤرخي الفنون ومنهم أندرو ديكسون، وبارتها ميتر و البروفيسير نامان أهوجا. ولأول مرة ينظم المهرجان ملتقي للعاملين بمجال النشر علي مدار ثلاثة أيام في الفترة من 18 وحتي 20 يناير، والذي تضمن عدة جلسات ألقت الضوء علي الجوانب المختلفة لصناعة النشر بما في ذلك النشر الذاتي، والكتب الإليكترونية، والمحتوي الإليكتروني. كما طرح الملتقي عدة قضايا ومنها الإبداع وجودة المحتوي وكذلك عملية الترجمة. وكانت د. كاميليا صبحي وكيل أول وزارة الثقافة للعلاقات الثقافية الخارجية، والتي شغلت من قبل رئيس المركز القومي للترجمة، قد شاركت في حلقة نقاشية عن عملية الترجمة وتاريخها وصعوباتها، وخلال الحلقة تحدثت د. كاميليا عن تجربة المركز القومي في النهوض بعملية الترجمة، وإعطاء المترجم فرصة اختيار النصوص التي يترجمها مع ضمان جودة النص وكذلك الترجمة، والحفاظ أيضا علي حقوق المترجم الأدبية . كما تحدثت عن المعوقات التي تواجه عملية الترجمة ومنها حقوق النشر، والمترجم الكفء لا سيما في اللغات غير الشائعة بل والنادرة أحيانا. كما شاركت أيضا الكاتبة المصرية الويلزية شرين الفقي بفاعليات المهرجان حيث تحدثت عن كتابها " الجنس والقلعة... الحياة الجنسية في عالم عربي متغير" والذي عالجت من خلاله قضية شائكة وتطرقت لموضوع يعتبره الكثير في الوطن العربي من المحرمات. ولا تتوقف أنشطة المهرجان اليومية علي الندوات وجلسات النقاش والحوار، حيث يتخلل فاعليات المهرجان تنظيم عدد من حفلات التوقيع، بخلاف الكتب الجديدة التي تم إصدارها خلال المهرجان، ومعرض مصغر للكتاب يمكن من خلاله الزوار الحصول علي الكتب. وللموسيقي مساحة كبيرة علي خريطة مهرجان جايبور الأدبي حيث يستهل الزوار يومهم بالاستماع إلي الموسيقي الرائعة بالخيمة الرئيسية ، كما يمكنهم أيضا حضور حفل يومي بفندق كلاركس آمير، بحيث يستمتع ضيوف المهرجان بالندوات الأدبية صباحا وبالحفلات الموسيقية مساءً. كما نظم المهرجان ورش عمل تفاعلية للأطفال والشباب، والذين كان لهم نصيب كبير خلال مهرجان هذا العام ، حيث تتاح الفرصة لطلاب المدارس زيارة المهرجان والتفاعل مع الكتاب من الهند وخارجها، وهناك أيضا أنشطة البرامج الخارجية التي يقوم من خلالها عدد من الكتاب بزيارة المدارس والتفاعل مع الطلاب، وقد حدثتني بارو أناند وهي كاتبة متخصصة في كتب الأطفال، عن ورشة الكتابة الإبداعية التي نفذتها مع عدد من الأطفال وكيف اتضح ابداعهم من خلال بناء الأحداث، حيث تبدأ القصة بطائرة ورقية يتم إطلاقها عاليا حتي تصل إلي الفضاء، وهناك تلتقي بمجموعة من الكائنات الفضائية. ويعتبر مهرجان جايبور الأدبي احتفالية ثقافية علي كل المستويات، حيث يقام علي هامش المهرجان مجموعة من الأجنحة للحرف اليدوية والحلي والملابس، وكذلك أكشاك لبيع الأطعمة الهندية الشهيرة، ولا أنسي مذاق شاي الماسلا وهو شاي بالحليب والتوابل الهندية الذي يقدم في كوب صغير من الفخار، وكذلك الساموسا والمخبوزات الهندية والصلصات الحارة التي تقدم في أطباق مصنوعة من ورق الأشجار وغيرها. وقد بدأ المهرجان في عام 2006، حيث تأسس علي يد كل من الكاتب البريطاني ويليام دالريمبل الذي انتقل للإقامة في الهند، والكاتبة الهندية ناميتا جوكالي. جدير بالذكر أن الكاتبة الهندية ناميتا جوكالي كانت قد قامت بزيارة لمصر خلال عام 2013 ضمن فاعليات مهرجان "الهند علي ضفاف النيل"، حيث شاركت في لقاءين بين مفكرين وأدباء من مصر والهند أقيما تحت عنوان "كلمات علي الماء" في القاهرة والأسكندرية واللذان تناولا عدة موضوعات من بينها "الحياة في الترجمة" ، و"النموذج الهندي للديمقراطية". وخلال زيارتها لمصر ذكرت جوكالي إنها تمكنت من خلال لقاءاتها مع الكتاب والمفكرين المصرين من التعرف علي مصر المعاصرة. وأضافت :"من خلال مقابلاتي وتعاملاتي مع أشخاص من مختلف المجالات، شعرت بنبض المجتمع وأدهشني ما وجدته من صراحة وانفتاح في أحاديث الناس. كما تأثرت جداً عندما رأيت مدي حب الناس للهند وكل ما هو هندي ذ بداية من نهرو وحتي السينما الهندية (بوليوود") وتقوم بتنظيم المهرجان شركة تيم ورك برودكشنز وهي شركة متخصصة في إقامة المهرجانات داخل الهند وخارجها.