هناك حلم يراودني من آن الي آخر، أحيانا يزورني لأيام متعاقبة ثم يختفي لفترة طويلة قبل أن يتذكرني من جديد ويقرر زيارتي مرة ثانية، أصحو منه منقبضا مع مزاج سييء يصاحبني طوال اليوم، الحلم يتكرر بنفس المعني في كل مرة مع اختلاف طفيف في بعض التفاصيل الصغيرة، أحلم بأنه تم اكتشاف رسوبي في إحدي مواد الكلية، وانه يجب أن أؤدي الامتحان فيها حتي تكون شهادتي سليمة وقانونية، الحلم لا يذكر من الذي اكتشف ذلك، هل الجامعة مثلا بحثت في دفاترها القديمة فاكتشفت الأمر، أم أنني ذهبت لاستخراج ورقة ما فاكتشفوا الموضوع، عموما كنت أشعر بالخجل الشديد داخل الحلم، الخجل من مواجهة نفس أولا ثم مواجهة الأصدقاء والمعارف والناس، كيف أذكر لهم أن شهادتي الجامعة غير حقيقية وأنه يجب أن أؤدي امتحانا ما بل أنجح فيه في أقرب وقت لكي تصبح الشهادة قانونية، وكيف أبرر لهم أنه وبعد هذه السنوات من التخرج أحمل شهادة "مضروبة"، ثم يتبع الخجل فترة من الضيق والتأفف سببها فكرة العودة مجددا الي طقوس المذاكرة والامتحانات. في كل مرة أصحو فيها من الحلم كنت أقول لنفسي في محاولة للخروج من الجو الكابوسي "في المرة القادمة حاول أن تخفي الخبر وتؤدي الامتحان سرا، ولا من شاف ولا من دري"، لكن الأحلام لم تكن تعمل وفقا لهذا المنطق، لها قانونها الخاص الذي يجعلني في كل مرة مرعوبا ومنقبضا، الأحلام لن تذكرك بنفسها أو تقدم لك بطاقة تعارف، ولن تخبرك في كل مرة تزورك فيها بعدد زياراتها السابقة، لأنها ببساطة وقبل أن تغادرك سوف تضغط علي زر " delete " من دماغك، فقط تترك أجزاء منها في الذاكرة، تحمل مضمون الحلم أو الفكرة الأساسية له ولا شيء آخر. حلم الرسوب في إحدي مواد كلية التجارة بجامعة الأزهر، ربما كان سببه محاولتي لنسيان تلك الفترة، أو لاحساسي بأنني لم أمر بها، هو ليس كرها لتلك المرحلة بقدر ما هو إحساس بأن مرحلة مهمة من حياتك مرت دون أن تساهم ولو بقدر ضئيل في تشكيل وعيك وذاتك، أحيانا أقولها لنفسي أو لأصدقائي "أشعر بأنني لم أدخل جامعة"، لم أجد هناك الصورة النمطية للجامعة والتي وردت في الأفلام أو الروايات، فقط أسرة واحدة قابلتها في الكلية تحمل اسم "جيل النصر المنشود"، أما الرحلات أو الندوات الثقافية فلم تكن في الخطة أساسا، حتي المحاولات التي تمت لاكتشاف الكليات الأخري انتهت الي حضور عدة محاضرات للأدب العربي في اللغات والترجمة أو الجلوس مرات في كافتيريا كلية التربية، إضافة الي عدة محاضرات أخري في التجارة لأستاذ ملأ هوامش كتابه في الهجوم علي طه حسين، وآخر حول محاضرات الاقتصاد الي الدفاع عن شركات الريان ومهاجمة الحكومة لأنها دمرت مشروعا اقتصاديا إسلاميا كان سيغير الموازين في العالم. في النهاية اكتفيت بالذهاب وقت الامتحانات فقط، وكنت أنجح في كل الأعوام، لكن المادة الخفية التي رسبت فيها والتي لا أعرف اسمها وتطاردني في الحلم، تؤرق علي حياتي وتنغص بقية اليوم، وبمرور الأيام يكبر يقين بداخلي مفاده "أن حياتي متأخرة أربع سنوات عن كل شيء"، هناك أربع سنوات من عمري ناقصة، لم أعشها، كيف اقنع الزمن لكي يمنحني إياها، كأن يوقف حركة العالم أربع سنوات لكي ألحق به، أو يمنحني القدرة علي حياة مزدوجة لمدة أربع سنوات. أحيانا أستغرق في التفكير ماذا كان سيحدث لو أن الأستاذ الذي لم يعاصر طه حسين ولم يشاهده أبدا ولم يكن طرفا في أي معركة، تناسي الثأر المزعوم وكف عن الهجوم عليه أو اتهامه بالعمالة ومحاولة تخريب الإسلام، أو أن أستاذ الاقتصاد توقف عن مدح الريان قليلا والتفت الي شرح الدروس ، أو ماذا كان سيحدث لو أن هناك أسرة أخري غير "جيل النصر المنشود" كانت متواجدة ، أو حتي حملت اسما آخر، أو أن الجامعة تم إنشاؤها في حي بعيد عن مدينة نصر، هل كان سيتغير شيء؟ ربما.. ربما اختفي حلم رسوبي في إحدي المواد الي الأبد، ربما استعدت سنواتي الضائعة لكي أصل دائما في الوقت المناسب.